ليبيا: نجل القذافي يطرح مشروعا يضمن خروجا مشرفا لأبيه من السلطة ويتعهد بوضع دستور جديد

مصادر المجلس الانتقالي: الحل السياسي مقبول لكن نرفض استمرار العقيد

العقيد الليبي معمر القذافي خلال استقباله الوفد الأفريقي الرفيع المستوى في طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

قالت مصادر في المجلس الانتقالي الوطني المناوئ لنظام العقيد معمر القذافي، إن أعضاء المجلس تلقوا مؤخرا ما وصفوه بإشارات غامضة عبر وسطاء دوليين باستعداد القذافي للتخلي عن السلطة والبقاء بشكل رمزي مع تولي نجله الثاني سيف الإسلام إدارة شؤون البلاد خلال فترة انتقالية لمدة يتم الاتفاق عليها بين جميع أطراف الأزمة الليبية.

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن القذافي ومساعديه ونجله سيف الإسلام يقولون، إنه بات مستعدا لتنازل تاريخي يضمن له خروجا مشرفا وآمنا من السلطة التي يقودها منذ نحو 42 عاما، مشيرة إلى أن الرسائل الواردة من طرابلس لا توضح طبيعة الدور الذي يسعى القذافي إليه ولا شكل وجوده في السلطة.

وأكدت المصادر هاتفيا من بنغازي، مشترطة عدم تعريفها، أن هناك اتجاها داخل المجلس الذي يقوده المستشار مصطفى عبد الجليل إلى القبول بهذه الفكرة شريطة ألا يوجد القذافي بأي شكل من الأشكال في إدارة الشؤون التنفيذية للدولة الليبية، موضحة أنه على الرغم من التحفظات المعلنة على نجل القذافي باعتباره امتدادا لحكم أبيه، فإنه بالإمكان التعامل معه نسبيا مقارنة بوالده الذي يعتبر محل رفض من كافة الليبيين.

لكن أعضاء في المجلس الانتقالي اعترفوا أيضا بصعوبة إقناع غالبية سكان البلاد المدنيين، خاصة في المنطقة الشرقية التي خرجت عن سيطرة القذافي بهذه المقترحات، في ظل التصريحات العدائية التي شنها سيف الإسلام ضد المعارضة والثوار في الأسابيع القليلة الماضية.

ومع اتجاه الوضع العسكري إلى الجمود وعدم قدرة الثوار المدعومين بطائرات حلف شمال الأطلسي على فك الحصار على مدن الغرب الخاضعة بالكامل لسيطرة القذافي، خاصة العاصمة الليبية طرابلس، يبدو وفقا لمصادر في المعارضة وأخرى مقربة من النظام الليبي، أن هناك إمكانية للتوصل إلى حل سلمي عبر الحوار والمفاوضات السياسية.

وقال مسؤول من جيش تحرير ليبيا الموالي للثوار لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع الميداني ليس جيدا، نحتاج إلى أسلحة ومقاتلين وأموال، صحيح أن لدينا قضية نناضل من أجلها وهى الحرية، لكن الحماس وحد لا يكفي، علينا أن نعمل على الحد من الخسائر في صفوف المدنيين، إذا كان الحل السياسي والسلمي هو الحل، فلم لا». ومع ذلك أضاف: «إذا كان رحيل القذافي عن السلطة سيتم، وإذا كانت ليبيا ستتحول إلى دولة ديمقراطية حديثة، فلن يكون هناك ما يدعو للقتال، نحن لم نحمل السلاح أساسا لقتال قوات القذافي، وإنما لحماية المدنيين العزل».

ويسعى نجل القذافي إلى إحياء مشروعه القديم الذي يتضمن تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة النطاق على النظام الجماهيري الذي دشنه القذافي الأب في ليبيا اعتبارا من عام 1977. ويروج سيف الإسلام لإمكانية وضع دستور جديد للبلاد وتحويل ليبيا إلى دولة ديمقراطية وفقا للمعايير الغربية، وسن تشريعات تضمن نزاهة القضاء وحرية الصحافة ووسائل الإعلام وتمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

وانتهز المسؤولون الرسميون المقربون من العقيد القذافي وابنه سيف الإسلام، فرصة تجمع صحافيين أجانب بعد منتصف الليلة الماضية ليعلنوا التزامهم بدستور جديد وإصلاحات سياسية أوسع. وأبلغ مسؤول ليبي رفيع المستوى «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من العاصمة الليبية طرابلس، أن القذافي يبدو الآن مهيأ أكثر من أي وقت مضى للقبول بحل سياسي، مضيفا: «نعم، هو مستعد لذلك، فقط علينا أن نراعي تاريخه وما قدمه للبلاد».

وكشف المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه، النقاب عن أن موقع القذافي في شكل الدولة الجديدة لليبيا، في ضوء المقترحات التي يعرضها ابنه سيف الإسلام، سيبقى فقط شكليا.

وتابع: «هو (القذافي) قال من قبل، إنه ليس رئيسا ولا حاكما، بل مجرد قائد للثورة التي قام بها عام 1969 للإطاحة بالعهد الملكي السابق، هذا يعني أنه بإمكاننا انتخاب رئيس وفقا لمعايير نتفق عليها. القذافي لن يرشح نفسه، ربما سيف الإسلام سيفعل».

وبينما يقول المعارضون للقذافي إنهم لا يتصورون وجوده وأي من أفراد أسرته لدى محاولة رسم المستقبل السياسي لليبيا، فإن مقربين من نجل القذافي قالوا في المقابل إن سيف الإسلام ليس كأبيه، في إشارة إلى أنه سيكون أكثر انفتاحا على المعارضة.

ولفت هؤلاء إلى أن نجل القذافي مستعد للقبول بترشحه لانتخابات رئاسية تخضع لمراقبة دولية، مع تشكيل برلمان جديد يخلو من عناصر حركة اللجان الثورية المتشددة، والتي تعتبر العمود الفقري لنظام القذافي الأب، والتي تدين له بالولاء والطاعة الكاملين.

وقال خالد الكعيم، نائب وزير الخارجية الليبي للصحافيين في العاصمة طرابلس، إنه يتمنى إقرار الدستور الجديد للبلاد في القريب العاجل، معتبرا أن هناك أشخاصا ليسوا معنيين بالإصلاح السياسي، بل يريدون السلطة والثروة وليس الدستور.

كما أعلن محمد أبو القاسم الزوي، أمين مؤتمر الشعب العام (رئيس البرلمان) أن مسودة الدستور جاهزة وستدرس قريبا.

لكن الزوي وكعيم لم يشرحا أي أنواع النظم السياسية سيتبناها الدستور، وما إذا كان القذافي سيشارك فيه أم لا، كما لم يتضح على أي نحو سيكون النظام الجديد المقترح مختلفا عن النظام الذي تتبعه ليبيا حاليا، وهو خليط من القواعد الإسلامية والقبلية والاشتراكية.

وتوضيحا حول ما إذا كانت ليبيا ستكون جمهورية رئاسية أو نوعا آخر من أنظمة الحكم، قال إبراهيم مخزم، عضو لجنة صياغة الدستور، إنها ستكون «نسخة ليبية»، مشيرا إلى أن الدساتير ليست مصممة لتتلاءم مع رغبات الأفراد، بل لخدمة البلاد، وأي مواطن يستطيع أن يجد مكانا له في هذا الدستور.

وأضاف أن القذافي بوصفه مواطنا ليبيا يستطيع أن يجد مكانه في الدستور، معتبرا أن الأغلبية العظمى من الشعب تريد بقاءه لأنه رمز ولديه كثير من الوظائف والمهام.

في المقابل، قال مسؤول بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي، إن المجلس مستعد لمناقشة الحل السياسي شريطة تخلي القذافي بشكل كامل عن السلطة.

وأبلغ المسؤول «الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من معقل الثوار في مدينة بنغازي، إنه حتى في دول التحالف الغربي التي شكلت قوات لردع قوات القذافي، هناك من يطالبنا بالنظر إلى المسألة من الناحية السياسية وليس العسكرية.

ويخشى الثوار من أن تؤثر إطالة أمد الصراع على ملايين الليبيين في الداخل والخارج، بالإضافة إلى إلحاق المزيد من الضرر باللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في عمليات الفر والكر بين قوات الثوار والقوات العسكرية والكتائب الأمنية الموالية للقذافي.

إلى ذلك، قالت مصادر ليبية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن أعضاء لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى التي وصلت أمس إلى طرابلس لإجراء مباحثات حول الأزمة الليبية، سيجتمعون في وقت لاحق مع العقيد القذافي ورئيس وزرائه الدكتور البغدادي المحمودي، ووزير خارجيته عبد العاطي العبيدي.

وكانت اللجنة الرئاسية الأفريقية قد عقدت اجتماعا مطولا مساء أول من أمس في العاصمة الموريتانية نواكشوط قررت خلاله العمل على بناء خارطة طريق تبنتها في اجتماع سابق الشهر الماضي وعدت بـ«الوقف الفوري لكل أشكال العنف وفتح معابر آمنة للمساعدات الإنسانية والتفاوض بين طرفي النزاع».

وتعتزم اللجنة ضمان تطبيق قرار الاتحاد الأفريقي حول وقف العمليات العسكرية في ليبيا، علما بأن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، قال في تصريحات عقب الاجتماع، إن «اللجنة تعكف على تطبيق قرارات الاتحاد الأفريقي مع هدف أول يتمثل في وقف العمليات العسكرية من أجل التوصل إلى حلول مناسبة من شأنها تسوية الأزمة التي تمر بها الدولة الشقيقة ليبيا».

وذكر ولد عبد العزيز أن المعارك العنيفة الدائرة على الأراضي الليبية منذ نحو شهرين، وما نجم عنها من تفاقم للوضع، وإزهاق أرواح آلاف البشر، ودمار للممتلكات والبنى التحتية، وأضرار بالعمالة الوافدة، تتطلب من اللجنة جهدا مضاعفا من أجل بلورة مقترحات عملية ترمي إلى إيجاد حل سلمي للوضع المأزوم بليبيا.

وأضاف ولد عبد العزيز، أن هذه المهمة ستمكن من الدخول في حوار بناء يفضي إلى حل سياسي متفاوض عليه لهذه الأزمة، ويضمن تحقيق التطلعات المشروعة للشعب الليبي ضمن إطار يحافظ على وحدته، وإقامة مؤسسات ديمقراطية حقيقية، تطبيقا لجوهر خارطة الطريق الأفريقية، ووفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما يضمن إيصال المساعدات الإنسانية للضحايا، وحماية فعالة للسكان المدنيين.

وأوضح ولد عبد العزيز أن تداعيات الأزمة الليبية لها عواقب خطيرة على مستقبل ليبيا، وعلى وحدتها الوطنية، وانسجام نسيجها الاجتماعي، إضافة إلى الانعكاسات الحتمية على السلم والاستقرار في المنطقة مما سيؤدي إلى انتشار واسع لجميع أنواع السلاح، وبالتالي سيشكل تهديدا للأمن والاستقرار لدول المغرب العربي ومنطقة الساحل والصحراء والقارة الأفريقية برمتها والسلم العالمي.

وعلى صعيد ذي صلة، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة أن السلطات الموريتانية منعت صباح أمس الناها بنت حمدي ولد مكناس، وزيرة الخارجية الموريتانية السابقة من السفر خارج البلاد، وصادرت جوازها في المطار عندما كانت تهم بمغادرة البلاد على متن الخطوط الجوية المغربية. وأضافت المصادر أن بنت ولد مكناس كانت متوجهة إلى السعودية لحضور مهرجان الجنادرية السنوي. ورغم أن السلطات لم توضح أسباب منع الوزيرة السابقة من السفر، بيد أن البعض عزاه إلى علاقتها الوطيدة مع النظام الليبي، ودفاعها المستميت عنه مما أحرج النظام السياسي الموريتاني وكان سببا في إقالتها من منصبها.

ومن جهته، اعتبر وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي، أمس، أن مبادرة الاتحاد الأفريقي لإقناع الجيش الليبي والثوار بوقف المعارك «مهمة لكنها صعبة»، حسب ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال مدلسي، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الكوبي برونو رودريغاز، الذي يقوم بزيارة للجزائر «نتمنى أن تتوج مهمة الاتحاد الأفريقي بالنجاح دون غض النظر عن أن هذه المبادرة مهمة لكنها صعبة في نفس الوقت».