في ضاحية حزب الله.. لا مكان للسوريين المتعاطفين مع الاحتجاجات

العمال المؤيدون يتظاهرون علنا في بيروت.. والمعارضون يتحدثون سرا

TT

منذ اندلاع المواجهات الأخيرة في سورية، يشهد الشارع اللبناني حركة لافتة للعمال السوريين الذين يقدر عددهم بنحو 300 ألف عامل، فتوزع هؤلاء - كما في بلادهم - بين مؤيد ومعارض للنظام، غير أن التحركات الطافية على السطح بقيت اليد الطولى فيها للمؤيدين للنظام الذين نظموا عددا من التحركات المؤيدة له، أما المعارضون، فقد اختاروا أن يبقوا بعيدا عن الأضواء باعتبار أن العوامل التي تحكم صمتهم في سورية لا تتغير كثيرا في لبنان، خصوصا في المناطق التي يهيمن عليها الوجود المؤيد لسورية بين اللبنانيين.

ويقول أحد العمال، الذي رفض ذكر اسمه: إن ضغطا مورس على المعارضين السوريين في لبنان، سواء من قبل أجهزة أمنية رسمية، أو من قبل جهات حزبية لبنانية، مشيرا إلى أن زميلا له في الضاحية تم تسريحه من عمله في ضاحية بيروت الجنوبية - معقل حزب الله - بعد أن جاهر بتأييده المظاهرات، موضحا أن رب عمله قال له: «في الضاحية لا مكان للمعارضين».

يشكل لبنان بالنسبة إلى السوريين نقطة التحول.. إيجابية كانت هذه النقطة أم سلبية، لا بد أن تكون خطوة انتقال من بلدهم الأم إلى البلد «الجار» الذي طالما التجأوا إليه من أجل العمل وهربا من الضائقة الاقتصادية والبطالة التي وضعتهم أمام الأمر الواقع. ولم تكن «الثورة» التي اندلعت الشهر الماضي في بلادهم ضد حكم الرئيس بشار الأسد عائقا أمام وجودهم في لبنان.. فقادوا مظاهرات مناهضة للثورة ومؤيدة للحكم من داخل الأراضي اللبنانية تحت عنوان «لي (الذي) منعرفو أحسن من لي ما منعرفو».

فالعمال السوريون في لبنان اتفقوا في العلن على تأييد الحكم واختلفوا في السر؛ فكانت لبعضهم آراء شخصية لا تعارض الرئيس بشار إلا فيما يخص الإصلاحات الاقتصادية. فالتناقضات التي لا يفشونها أمام بعضهم البعض تبقى «غصة في قلبهم» على عائلة تركوها على الأراضي السورية ليؤمنوا لها لقمة العيش. صحيح أن الحياة في لبنان بالنسبة إليهم غير مريحة، إلا أنها «أفضل الموجود»، خصوصا أن المسافة التي تفصل بين البلدين تجعل منهما «بلدا واحدا» على حد تعبير أحدهم، حتى خلال الثورة المشتعلة في بعض المحافظات فقد حافظ العمال على علاقتهم بعائلاتهم؛ حيث تمكنوا من السفر والعودة، كما جرت العادة في الأيام العادية.

يقول أحد العمال السوريين في بيروت، من المشاركين في المظاهرات التي تنظم في العاصمة اللبنانية، حاملا الشعارات المطالبة بقمع الثورة وعودة الحياة إلى مجاريها: لسنا بحاجة إلى ثورات إصلاحية أو تغييرية في سورية؛ لأننا سبق أن قدمنا ولاءنا إلى الرئيس الذي لم يتخلف يوما عن دعمنا ومساعدتنا في المجالات الحياتية كلها. ويعقب صديقه، الذي أتى الأسبوع الماضي من اللاذقية: لأنه يساعدنا نحن نشعر كشعب أننا محور اهتمامه وفي قلبنا نحمل له عرفانا بالجميل، وأقله أن نقف إلى جانبه. وعند سؤاله إن كان قد هرب من الثورة، يقاطع قائلا: أنا أدعم الرئيس إن كنت في لبنان أو في سورية.

وبينما يدور الحديث بين العاملين حول ولائهم للحكم في سورية، ينضم إليهم زملاؤهم لدعم مواقفهم، معلنين ولاءهم للرئيس، مؤكدين أن الحياة في سورية طبيعية وأن الثورة تمثيلية لن تنتهي إلا بعد عودة كل سوري في الشارع إلى منزله مرغما على القبول بما سيقدمه الرئيس.

الصورة مختلفة في المناطق البعيدة عن العاصمة اللبنانية.. حذر يلف حديث مجموعة من العمال السوريين في بلدة عالية.. تردد في الإجابات وتناقض في المواقف؛ فالعامل منهم لا يجرؤ على إبداء رأيه صراحة بوجود الآخرين، فينتهي به الأمر في القول: كل الأديان والطوائف في سورية تدعم الرئيس بشار.. وكل المفاهيم تنقلب خلال الأحاديث الجانبية حين عبر أحدهم عن رأيه في مشاركة الأكراد في الثورة، وفي تحليلاته أن انضمام الأكراد إلى الثوار «سيمحو» النظام السوري، ولم يخفِ رغبته في إحضار عائلته إلى لبنان هربا من الأوضاع الخطيرة التي سيعيشها الشعب السوري في الأيام المقبلة. ويهمس العامل الذي أتى من درعا منذ أقل من سنة كي لا يسمعه زملاؤه، متحدثا عن أبعاد الثورة التي ستنتصر فيها الأكثرية. ويشكل السوريون الدروز القادمون من محافظة السويداء النسبة الأكبر من العمال في جبل لبنان ومحيطه، ويعترفون بأنه لا مطالب لهم سوى إيجاد عمل مرموق يناسبهم في بلدهم للبقاء إلى جانب عائلاتهم، وهم يفضلون بقاء الرئيس بشار على رأس الحكم بحجة «لي منعرفو أحسن من لي ما منعرفو». وبالنسبة إلى آخرين، فإن الثورة، التي تزداد عنفا يوما بعد يوم، لا أساس لها من الصحة، معلقين أن بعض «الخونة» يستغلون الثورات في الدول العربية للاستيلاء على النظام وتبديل وجه سورية. وشدد هؤلاء على أن الثورة لم ولن تؤثر في مواقفهم، معبرين عن توقهم للعيش إلى جانب أهلهم في سورية، مرددين: يمكننا أن نعيش «أحسن عيشة» في بلادنا، والدولة السورية قادرة على إبقائنا في أرضنا.

قلائل هم السوريون الذين يتحدثون بالتفاصيل، إلا أن تكرار السؤال الاستفساري عن أوضاعهم خلال الثورة في لبنان يجبرهم على الإجابة بصوت واحد: نحن مستعدون للتضحية من أجل الرئيس، ولا فرق بين لبنان وسورية؛ فالبلدان واحد، خصوصا أن لبنان يحضننا في كل المحن، اقتصادية كانت أم سياسية، أما العمل فهو نصيب. وأبدى أحدهم انزعاجه من منع السلطات السورية دخوله أراضيها، بينما كان بأمسّ الحاجة إلى زيارة أهله. ويرى أحد العاملين الحماصنة أن الثورة لن تغير من الواقع شيئا، لا بل ستزيد الطين بلة؛ فمنذ أن اندلعت «خرب البلد». وبطريقة دبلوماسية يتساءل: هل مستحيل أن تتم الإصلاحات إلا إذا قامت الثورة؟