مظاهرة نسائية في محيط بانياس تغلق الطريق العام وشهود يؤكدون أن قوات الأمن أطلقت النار على الجيش

السلطات السورية تتهم «مسلحين مجرمين» بقتل الجنود.. و«سانا» تنقل بشكل مطول تشييع «الشهداء»

نساء يتظاهرن على الطريق العام في البيضة أمس للمطالبة بإطلاق سراح رجالهن الذين اعتقلوا قبل يوم (رويترز)
TT

أغلقت أمس مجموعات من النساء السوريات خرجن للتظاهر مطالبات بإطلاق سراح المعتقلين، تضامنا مع قرية البيضة والقرى المحيطة في بانياس، والطريق العام بين اللاذقية وطرطوس.

وقال مدافعون عن حقوق الإنسان إن مئات من النساء، في بلدة سورية شهدت اعتقالات جماعية لسكانها من الرجال، خرجن إلى الطريق السريع الساحلي الرئيسي في سورية أمس للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.

وتم بث مقطع فيديو للاعتصام على موقع «يوتيوب»، تظهر فيها سيدة في العقد السادس من العمر تقول: «أنا بنت بانياس الحرة.. حرة بنت حرة. أهالي بانياس محاصرون في رأس النبع كبارا وصغارا.. الهواتف والماء والخبز مقطوعة عنا. قطعوا كل شي ما خلوا شيئا. الأطفال عم ياخدوهم.. نناشد العالم العربي، أهل اللاذقية، أهل حلب، أهل الشام أن يقوموا ويعينوا بانياس، ليهتف الشباب الأحرار، فلتعيش بانياس، فلتعيش بانياس حرة حرة. الله أكبر فليسقط النظام».

وقال نشطاء إن قوات الأمن السورية، وبينها قوات من الشرطة السرية، داهمت بلدة البيضة أمس وانتقلت من منزل لآخر واعتقلت رجالا تصل أعمارهم إلى الستين بعدما انضم أهالي البلدة إلى احتجاجات لم يسبق لها مثيل على حكم الرئيس السوري بشار الأسد الممتد منذ 11 عاما.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن النساء وهن من البيضة تظاهرن على الطريق السريع الرئيسي المؤدي إلى تركيا ورددن شعارات للمطالبة بالإفراج عن نحو 350 شخصا اعتقلوا. وكان محام مدافع عن حقوق الإنسان قد قال في وقت سابق إن قوات الأمن السورية ألقت القبض على 200 شخص من سكان بلدة البيضة وأن شخصين قتلا. وقال المحامي الذي اتصل بسكان في البيضة الواقعة على بعد 10 كيلومترات جنوب مدينة بانياس على ساحل البحر المتوسط: «هم أحضروا طاقما تلفزيونيا وأجبروا الرجال الذين قبضوا عليهم على أن يهتفوا (بالروح.. بالدم نفديك يا بشار) أثناء تصويرهم». وأضاف: «سورية هي الدولة البوليسية العربية بامتياز. لكن النظام ما زال يراقب رد الفعل الدولي، وعندما يشعر بأن رد الفعل قد ضعف فإنه سيصبح أكثر دموية».

وقال نشطاء إن البيضة استهدفت لأن سكانها شاركوا بمظاهرة في بانياس الأسبوع الماضي وهتف المحتجون خلالها قائلين «الشعب يريد إسقاط النظام» وهو الشعار الذي ردده متظاهرون في تونس ومصر وأسفر عن الإطاحة بالرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك. وقال أحد النشطاء إن بعض المقيمين في البيضة كانت بحوزتهم أسلحة وأن مواجهة مسلحة اندلعت على ما يبدو. لكن إمام مسجد في بانياس قال إن سكان البيضة لم يكونوا مسلحين في غالبيتهم، وأنهم يدفعون ثمن دعوتهم السلمية إلى الحرية. وقال مدافع عن حقوق الإنسان في بانياس إن أفرادا من الشرطة السرية قتلوا أربعة أشخاص في المدينة يوم الأحد الماضي، وهو ما زاد التوتر في سورية. وظلت بانياس - التي توجد بها إحدى مصفاتين نفطيتين في سورية - محاصرة خلال الليل، وتمركزت نحو 20 دبابة قرب المداخل الشمالية والجنوبية للمدينة.

وكان قد نقل كل من تلفزيون «بي بي سي» و«الجزيرة» عن شهود في سورية، أن قوات الأمن السورية أطلقت النيران على عناصر من الجيش رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين. وقال الشهود إن بعض الجنود رفضوا إطلاق النار بعد أن انتقل الجيش إلى بانياس في أعقاب الاحتجاجات الشديدة يوم الجمعة الماضي.

وسمت منظمات حقوقية، مراد حجو وهو مجند من بلدة ميادة، على أنه أحد الذين أطلقت النيران عليهم من قبل قناصة قوى الأمن. وقال وسيم طريف، وهو ناشط حقوقي في سورية: «عائلته وبلدته يقولون إنه رفض إطلاق النار على شعبه».

وأظهرت أشرطة فيديو عرضت على موقع «يوتيوب» جنديا مصابا يقول إنه تعرض لطلق ناري في ظهره من قبل قوات الأمن، بينما أظهر شريط آخر جنازة محمد عواد كنبر الذي قالت مصادر لصحيفة «غارديان» إنه قتل لأنه رفض إطلاق النار على المتظاهرين. وكان التلفزيون السوري الرسمي، قد قال إن الجنود أصيبوا في كمين نصب لهم من قبل مسلحين في بانياس.

ولكن ناشطين قالوا إنه ليس كل الجنود الذين قتلوا أو أصيبوا، كانوا قد تعرضوا لإطلاق نار بسبب رفضهم استعمال سلاحهم ضد المتظاهرين. وقال طريف: «إننا نحقق في تقارير أشارت إلى أن بعض الناس استعملوا أسلحتهم الشخصية في الدفاع عن النفس». وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلا عن طريف أيضا، إن بلدة البيضة «يتم معاقبتها» لأنها استقبلت لاجئين من بانياس، وبسبب شائعات عن استعداد سكان البلدة إلى بدء مظاهرات.

وكان هيثم المالح، معارض بارز في سورية، قد قال لوكالة «أسوشييتد برس» أول من أمس، إن قوات موالية للحكومة هاجمت بلدتين قريبتين من بانياس، هما البيضة وبيت جناد، وأن المسلحين يستعلمون بنادق أوتوماتيكية. ونقل عن شهود في البيضة أن «شبيحة» من الأمن ضربوا رجالا في وسط البلدة، بينما قالت منظمات حقوقية إنه تم اعتقال المئات، من بينهم طلاب شاركوا في مظاهرات غير مسبوقة في جامعة دمشق الاثنين الماضي.

وكتبت وكالة «سانا» للأنباء الرسمية، خبرا مطولا عن تشييع «شهداء الجيش» وأحاديث مع عائلاتهم. ومما كتبته: «بالزغاريد ونثر الأرز وباقات الورد والغار شيعت محافظات حلب ودير الزور واللاذقية وريف دمشق وطرطوس أمس سبعة من شهداء الجيش والوطن الذين استهدفتهم يد الغدر في كمين نصبته مجموعة مسلحة على طريق عام اللاذقية - طرطوس في منطقة بانياس لحافلة للجيش يوم الأحد الماضي».

من جهتها، قالت مصادر رسمية محلية إن «مجموعة من المسلحين في بانياس سلمت أسلحتها بعد مواجهة استمرت يومين بين قوى الجيش الوطني ومجموعات مسلحة كان حصيلتها تسعة شهداء بينهم ضابطان وعدد كبير من الجرحى من قوات الأمن والمدنيين». وبحسب تلك المعلومات «فإن مجموعة من ستين مسلحا استسلمت في مدينة البيضة التي حاصرها الجيش، وسط معلومات غير مؤكدة بأن إحدى مدرعاته تعرضت للتدمير».

وقال مصدر مسؤول في دمشق إن مدينة بانياس شهدت «جريمة جديدة نفذها القتلة المجرمون قبل ظهر أول من أمس (الثلاثاء)، حيث قاموا بالاعتداء على القوى الأمنية وحاولوا قطع الطرقات العامة وأطلقوا النار بشكل عشوائي لترويع الناس، مما أدى إلى وفاة عدد من المدنيين الأبرياء وجرح عدد آخر من القوى الأمنية التي طلبت المساعدة من الجيش، وعلى الفور تم التصدي للمجرمين القتلة ومداهمة أماكنهم مع الحرص الشديد على تفادي وقوع إصابات بين المدنيين العزل». وأضاف: «تمت ملاحقة فلول أفراد المجموعة المسلحة الإجرامية إلى خارج القرى والتجمعات السكنية، وقد أسفرت المواجهة عن استشهاد عنصر من الجيش وجرح اثنين، إضافة إلى جرح ستة من عناصر القوى الأمنية».

وتابع المصدر قائلا: إن «المواجهة أسفرت عن مقتل ثلاثة من أفراد المجموعة المسلحة الإجرامية وإصابة ثمانية آخرين بجروح وإلقاء القبض على عدد من المخربين والمشتبه بهم لإحالتهم إلى العدالة والاستيلاء على سيارة سياحية يستخدمها أربعة من المخربين». ولفت المصدر المسؤول إلى أن ذلك تم في إطار استمرار القوى الأمنية المختصة بالبحث عن «المجموعات المسلحة» التي قامت بعمليات «القتل والإجرام» في مدينة بانياس وضواحيها وملاحقة أفرادها الذين «اعتدوا» على وحدة عسكرية كانت تتحرك على طريق عام طرطوس - اللاذقية يوم الاثنين الماضي.