اليمن: كبار العلماء والمشايخ يطالبون صالح بـ «التنحي الفوري».. دون ضمانات

المعارضة تمهله أسبوعين.. ولم ترد رسميا على المبادرة الخليجية

يمني مناوئ للنظام يعطي أحد الجنود زهرة وذلك في مظاهرة بمدينة تعز أمس تطالب بتنحية الرئيس (أ.ب)
TT

أظهر كبار علماء الدين ومشايخ القبائل في اليمن موقفا سياسيا قويا ضد الرئيس علي عبد الله صالح، حيث طالبوه بالتنحي الفوري عن السلطة، دون ضمانات من الملاحقة القضائية مستقبلا، ودعوا الجيش ورأس المال الوطني إلى دعم «ثورة الشباب»، وبهذه الخطوة يفقد الرئيس اليمني تأييد أبرز حلفائه التقليديين في المجتمع اليمني، هذا في وقت أمهلت فيه المعارضة اليمنية الرئيس صالح أسبوعين للتنحي ودعت لتظاهرات جديدة اليوم الجمعة، وهي الدعوة ذاتها التي وجهها صالح لأنصاره للخروج في مظاهرات لتأييد بقائه في الحكم.

وقال علماء ومشايخ اليمن إن الأوضاع في البلاد «دقيقة وخطيرة»، وانتقدوا «الانفلات الأمني وتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية»، كما انتقدوا عدم استجابة الرئيس علي عبد الله صالح لمطالب الشعب في التغيير و«إصراره على التشبث بالسلطة وإن كان الثمن لذلك هو دماء اليمنيين وتبديد المال العام»، وانعقد في صنعاء، أمس، الملتقى التمهيدي الأول للعلماء والمشايخ والشخصيات الاجتماعية تحت شعار «التغيير السلمي والانتقال الآمن للسلطة»، والذي اتهم السلطات اليمنية بـ «التعنت وتهديدها المستمر بإثارة الفتنة والتحريض ضد أبناء الشعب وضد ثورة التغيير السلمية التي يقودها أبناء الشعب اليمني بمختلف فئاته في ساحات الحرية والتغيير في كل محافظات الجمهورية». وقال الملتقى إن «نذر شؤم» تلوح في الأفق.

وصدر عن ملتقى العلماء والمشايخ الذين باتوا في صف «ثورة الشباب»، بيان تضمن 34 نقطه أهمها: «ضرورة تلبية مطالب ثورة الشباب السلمية وفي مقدمة ذلك التنحي الفوري لرئيس الجمهورية عن السلطة وإقالة كافة أقاربه من أجهزة الدولة العسكرية والأمنية وإفساح المجال لأبناء الشعب اليمني لأن يديروا أنفسهم بعيدا عن الوصاية، وتأييد ودعم الثورة الشعبية السلمية والوقوف بقوة وصرامة مع مطالبها العادلة والدفاع عنها، ودعوة بقية أبناء الشعب اليمني بكل فئاته وشخصياته السياسية والاجتماعية للانضمام إلى ثورة الشعب من أجل التغيير والحرية والكرامة، وإقامة مجتمع العدالة والمساواة وبناء الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون وفقا لعقيدة الشعب اليمني، وإعطاء الأولوية لحل القضية الجنوبية في إطار الدولة اليمنية الحديثة الموحدة والمبنية على أساس المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية، ورفض الممارسات التي يقوم بها النظام لإثارة الفتن والنزاعات بين أبناء الشعب واتباع سياسة «فرق تسد»، وتأكيد الملتقى على حق الشباب في مواصلة اعتصاماتهم ومظاهراتهم السلمية في الأماكن العامة في مختلف محافظات الجمهورية حتى تتحقق كل مطالبهم العادلة والمشروعة في التغيير وتتحمل أجهزة الدولة الأمنية المسؤولية كاملة في حمايتهم، واعتبار الأجهزة الأمنية والقيادات العسكرية والمدنية التي ارتكبت جرائم القتل والاعتداء على المعتصمين والمتظاهرين سلميا مسؤولة عن تلك الجرائم، ويطالب الملتقى بسرعة إحالة هؤلاء إلى النيابة العامة وأجهزة القضاء لمحاكمتهم».

وضمن ما صدر عن الملتقى: «إدانة الملتقى لكافة الإجراءات التي تتخذ ضد موظفي الدولة المنضمين للثورة الشعبية واعتبار ما يصدر في حقهم إجراء غير قانوني»، وحيا المشاركون فيه «الموقف الشجاع لأبناء القوات المسلحة وفي مقدمتهم اللواء علي محسن صالح وبقية المحاور وضباط وصف وأفراد القوات المسلحة الباسلة والحرس الجمهوري والأمن والقيادات الأمنية في وزارة الداخلية الذين أعلنوا انضمامهم وتأييدهم لثورة التغيير السلمية، ويدين الملتقى محاولات الاغتيال الآثمة التي تعرض لها اللواء علي محسن صالح والتي كان آخرها تلك المحاولة أمام بوابة الفرقة الأولى مدرع»، وضمن النقاط: «دعوة الملتقى ما تبقى من قيادات وأفراد القوات المسلحة والأمن إلى الانضمام لثورة الشباب السلمية ودعمها حتى يتحقق لها الانتصار».

وحمل الملتقى كافة محافظي المحافظات ومديري الأمن مسؤولية ما يتعرض له المعتصمون والمتظاهرون السلميون في ساحات الحرية من قمع واعتداءات متكررة، كما طالب بسرعة إعلان نتائج التحقيقات حول المجازر الإجرامية البشعة التي ارتكبت في حق المعتصمين سلميا في ساحات الحرية والتغيير من مختلف المحافظات وخاصة جريمة جمعة الكرامة في صنعاء وجريمة مصنع الذخائر في أبين، وإدانة الملتقى لعملية توزيع الأسلحة في المدن والأحياء والحارات وتشكيل ميليشيات مسلحة وتحريض الغوغائية ضد أبناء الشعب اليمني، وتأكيد الملتقى على أن الشرعية الدستورية التي يدعيها النظام قد سقطت بانطلاق شرارة الثورة الشعبية وإيغال السلطة بسفك دماء المواطنين الأبرياء الصامدين في ميادين الحرية في مختلف المحافظات كما أنها سقطت بانتهاك الدستور والقوانين والأعراف والقيم المتعارف عليها في كل الشرائع والمواثيق الإنسانية».

وطالب العلماء والمشايخ بـ «بإطلاق السجناء والمعتقلين على خلفية الاعتصامات والمظاهرات السلمية وقضايا الرأي ودعوة كافة المنظمات الحقوقية لتحمل مسؤولياتها في رصد ومتابعة هذه الانتهاكات الحقوقية والإبلاغ عنها»، وأكدوا على «ضرورة استجابة الرئيس لمطالب الثورة الشبابية والشعبية في سرعة التنحي وفي حالة عدم الاستجابة فإنهم سيتقدمون هذه الاعتصامات والمسيرات في مختلف المحافظات»، وتضمن بيانهم، أيضا «دعوة أبناء الشعب اليمني إلى الالتجاء إلى الله بالدعاء والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والابتعاد عن الذنوب والمعاصي ليعجل الله بالفرج ويزيح الغمة عن الشعب» ودعوة إلى إعداد وثيقة عهد ووفاء وإخاء بين كافة قبائل اليمن بعدم الانجرار وراء أي دعوة للاحتراب والقتال بين أبناء اليمن الواحد».

وحيا علماء اليمن ومشايخه «القيادات الحزبية والشخصيات الاجتماعية وأعضاء مجلسي النواب والشورى والوزراء والسلك الدبلوماسي ورجال الفكر والثقافة والصحافيين وأعضاء المؤتمر الشعبي العام والتجار الذين أعلنوا انضمامهم وتأييدهم للثورة الشعبية المطالبة بالتغيير»، وناشدوا «أبناء القوات المسلحة والأمن بالحفاظ على أمن واستقرار اليمن والسكينة العامة»، كما دعوا «المنظمات الحقوقية والأهلية والعربية والدولية والإنسانية للوقوف إلى جانب الثورة السلمية وتأييد مطالبها»، وأشاروا إلى أن هذه الثورة «ستكون صمام أمان للأمن المحلي والإقليمي والدولي وأن الثورة ستعمل مع الأسرة الدولية على تجفيف منابع الإرهاب أينما وجد»، وأعربوا عن رفضهم «أي مبادرة للأشقاء والأصدقاء لا تتضمن صراحة القبول بمطالب ثورة التغيير والمتمثلة في تنحي رئيس الجمهورية عن منصبه أولا».

وفي خطوة لافتة، أيضا، دعا المشاركون في الملتقى «كافة الفعاليات الشعبية لتلبية نداء الشباب من أجل تنفيذ برنامج العصيان المدني المتدرج»، وأعربوا عن خشيتهم من استخدام المال العام من قبل النظام الحاكم، واستنكروا «إفراغ الخزينة العامة للدولة من أموال الشعب لدعم المهرجانات الهزلية الداعمة للسلطة»، ودعوا النائب العام اليمني والأجهزة القضائية إلى «تحمل مسؤوليتهم في الحجز على المال العام والحفاظ عليه من أيدي العابثين»، وفي الوقت ذاته وجهوا دعوة إلى رأس المال الوطني من أجل دعم الثورة الشبابية في مختلف المحافظات، وأعلنوا رفضا صريحا بإعطاء الرئيس صالح وأركان نظامه أية «ضمانات تتعلق بسفك الدماء باعتبار ذلك حقا شرعيا أصيلا لأولياء الدم لا يجوز للغير التنازل عنه»، إضافة إلى بنود أخرى وردت في البيان، تتعلق بمختلف التطورات على الساحة اليمنية.

إلى ذلك، ذكر سياسيون يمنيون أن المعارضة اليمنية ممثلة في تكتل «اللقاء المشترك» لن تشارك في مباحثات الرياض بشأن الأزمة في اليمن، لكن موقفا رسميا عن المعارضة لم يصدر، وقال مصدر دبلوماسي خليجي في صنعاء لـ «الشرق الأوسط» إن دول مجلس التعاون الخليجي لم تتلق، حتى اللحظة، ردا رسميا من السلطة والمعارضة بشأن المشاركة.

ودعت أحزاب المعارضة واللجنة التنظيمية للثورة الشبابية السلمية المواطنين اليمنيين إلى الخروج في مسيرات ومظاهرات مليونية فيما سميت «جمعة الإصرار»، هذا في وقت تتواصل فيه المظاهرات والاعتصامات لمئات الآلاف من اليمنيين بصورة شبه يومية للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة ومحاكمته وأركان نظامه عن قتل المتظاهرين والأخطاء التي ارتكبت خلال فترة حكمه الممتدة لأكثر من 3 عقود حتى الآن، وفي المعسكر الآخر يواصل النظام حشد أنصاره من المحافظات ونقلهم إلى العاصمة صنعاء للمشاركة في مظاهرات مؤيدة لـ «الشرعية الدستورية» والرئيس صالح.

في هذه الأثناء، نفت وزارة المالية في حكومة تصريف الأعمال اليمنية الأنباء الصحافية التي تحدثت عن سحب الوزارة لمبلغ 150 مليون دولار أميركي من حساب الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية، من أجل تغطية تكاليف ونفقات نقل المؤيدين للشرعية والنظام والرئيس، وقال مصدر مسؤول في الوزارة لوكالة الأنباء اليمنية «سبأ» إن هذه المعلومات «تزييف للحقائق وتضليل للرأي العام»، وأضاف أن من «حق الحكومة سحب أي مبالغ من أي مؤسسة حكومية في حالة الضرورة لما فيه الصالح العام وليس للعبث بها أو التصرف بها خارج الأهداف الوطنية المحددة»، وتواجه السلطات اليمنية اتهامات من المعارضة والأطراف السياسية الأخرى بتبذير المال العام وإنفاقه على حشد وإقامة مهرجانات مضادة للثورة الشبابية ومؤيدة لبقاء صالح في الحكم.

في موضوع آخر، نفت السفارة الأميركية في صنعاء أن تكون تدعم المعارض اليمني البارز، الشيخ حميد عبد الله الأحمر، حسبما نقلت بعض التقارير الصحافية مؤخرا عن تسريبات موقع «ويكيليكس»، وقالت السفارة في بيان لها على موقعها على شبكة الإنترنت «إننا لا ندعم أي شخص أو حزب، وموقفنا لا يزال يدعم عملية الحوار والتفاوض»، وكانت التسريبات تحدثت عن أن حميد الأحمر قال لمسؤول في السفارة الأميركية بصنعاء، قبل أكثر من عامين، إنه سيقود حركة احتجاجات شعبية للإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح على غرار ما حدث للرئيس الإندونيسي الأسبق (سوهارتو)، هذا ويعد الأحمر من أبرز معارضي الرئيس صالح وهو من كبار رجال الأعمال في اليمن، وحاليا أمين عام اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، أحد حلفاء أحزاب المعارضة.