قلق في مصر سببه تلويح الإخوان بتطبيق الشريعة الإسلامية

نائب مرشد الجماعة: نواجه بفرقعات إعلامية.. والمعني بتطبيق الحدود هو السلطة التنفيذية والدولة وليست أي جهة أخرى

TT

فيما بدا بداية لنهاية التوافق الوطني حول إمكانية استيعاب جماعة الإخوان المسلمين في مصر داخل المشهد السياسي الذي يتشكل في البلاد في أعقاب الثورة المصرية التي أطاحت بنظام الرئيس مبارك، أثارت تصريحات لنائب مرشد الجماعة الدكتور محمود عزت حول إقامة الشريعة الإسلامية في مصر وتطبيق الحدود قلقا بالغا لدى القوى السياسية الليبرالية واليسارية، واعتبرته خروجا عن الإجماع الوطني عن موقف الجماعة العلني وتنصلها من الالتزام بالدولة المدنية.

وكشفت تصريحات عدد من قياديي الجماعة عن سعي الإخوان لإقامة نظام حكم إسلامي وتطبيق حدود الشريعة الإسلامية في مصر. ونقلت جريدة «المصري اليوم» أمس تصريحات للمهندس سعد الحسيني، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، خلال مؤتمر جماهيري نظمته الجماعة في منطقة بولاق الخميس الماضي، يقول فيها «نحن نريد في هذه الفترة ريادة المجتمع لتحقيق هويته الإسلامية تمهيدا للحكم الإسلامي». كما قالت إن الدكتور محمود عزت نائب المرشد العام أكد «أن تطبيق حدود الشريعة الإسلامية يأتي بعد امتلاك الأرض، فلا بد أن تقام الحدود بعد أن يكون الإسلام في حياة الناس وأخلاقهم وتعاملاتهم». لكن الدكتور عزت نفى ما نشرته الجريدة جملة وتفصيلا، وقال في بيان له أمس «إن هذا الكلام محض كذب وافتراء وتدليس». وأكد عزت أن ما قاله في المؤتمر عندما سئل عن تطبيق الحدود هو أن «كلمة حدود مرتبطة عموما بوجود أرض وأن هذه الأرض هي المجتمع وأخلاقه وتعاملاته»، وشدد على أن «الإخوان» يؤمنون بأن «المعني بتطبيق الحدود هو السلطة التنفيذية والدولة وليست أي جهة أخرى»، موضحا أن مثل هذه الأخبار هي جزء من حملة مشبوهة ضد جماعة الإخوان.

ونفى الدكتور محمود عزت سعي الجماعة لإقامة نظام حكم إسلامي في مصر وتطبيق حدود الشريعة الإسلامية في الوقت الراهن، وقال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «إن تطبيق الحدود يعد تتويجا وتتمة لأمور أساسية، أهمها تحقيق احتياجات الناس ومتطلباتهم».

وأوضح عزت: «قبل الحديث عن تطبيق الحدود، لا بد أن نسعى لتحقيق مطالب الشعب الأساسية وندلهم على الخير وندعمهم، وهذه الأمور تحتاج إلى عمل وجهد ووقت طويل، ولن يكون بهذه البساطة». مشيرا إلى أن هذه الحدود من الإسلام ولا يمكن أن ننكر ذلك، إلا أنه كيف يمكنني محاسبة شخص مخطئ دون أن أهيئ له البيئة الصالحة لتطبيق مثل هذه الأحكام، مشددا على أن هناك أمورا كثيرة وأولويات مطلوبة الآن تعمل عليها جماعة الإخوان المسلمين وتتعلق بكيفية نهضة الأمة، ولا تنشغل بمثل هذا الجدل في الوقت الراهن وتعتبره خارج الأولويات. وقال عزت «الإسلام نفسه رسم خطوات محددة حتى نصل إلى تطبيق هذه الحدود ونحن أبعد ما نكون عن هذه الخطوات». وقال إن تهيئة الظروف وتحقيق مشروع النهضة هذا يتطلب جهدا ووقتا طويلا، عبر سنوات. معتبرا الحديث عن تطبيق الحدود الآن فرقعات إعلامية يراد بها إشغال الرأي العام عن همومه الرئيسية في بناء الدولة.

وفي تعليقه على تصريحات عزت، قال الناشط السياسي جورج إسحاق القيادي في الجمعية الوطنية للتغيير التي تمثل جماعة الإخوان أحد أركانها إن «هذه تصريحات خطيرة.. كلما حاولنا طمأنة الرأي العام حول رغبة الجماعة في الانخراط داخل حركة مدنية تصدمنا تصريحات من هنا وهناك». وتابع إسحاق المنسق العام السابق لحركة كفاية «نحن كجماعة وطنية نمر بمرحلة حساسة ودقيقة ولا يصح أن نسمع مثل هذه التعليقات من الإخوان وعليهم أن يقدموا على الفور موقفا واضحا ومحددا لفهمهم للدولة المدنية التي يقولون إنهم يؤمنون بها لكي يمكننا مراجعتهم حال تراجعهم عنها».وأضاف إسحاق أن تصريحات عزت تمثل تهديدا لبقاء الإخوان ضمن أفق الجماعة الوطنية وهو ما يمثل «خسارة للجانبين» بحسب تعبيره.

كما انعكست تصريحات عزت على موقف شباب «الإخوان» المنضوين داخل ائتلاف شباب الثورة المصرية بعد أن أثارت قلق بعض الأطراف داخل الائتلاف، فقال محمد القصاص ممثل شباب «الإخوان» داخل ائتلاف شباب الثورة المصرية إن عددا من قيادات الائتلاف اتصلوا بي هاتفيا لاستيضاح الأمر وأعربوا عن قلقهم من تصريحات نائب المرشد لكن هذا القلق وعلامات الاستفهام التي أثيرت لن تؤثر على الائتلاف.

وتابع بقوله: «شرحنا لهم وجهة نظرنا في الأمر وقلنا إن تطبيق الحدود ليست هي الإسلام.. وعلى كل حال نؤكد أن مثل هذه التصريحات جاءت في وقت غير مناسب، وعلينا التدقيق في قراءة التصريحات والتأكد من صحتها كما على قيادات الجماعة أن تكون أكثر حرصا في هذه المرحلة الدقيقة».

من جهته قال الناشط السياسي الدكتور عمرو حمزاوي: إن هذا الموقف لا يتفق مع الموقف العلني للجماعة الذي يؤكدون عليه دائما وهو أنها تسعى لإقامة «دولة مدنية»، حتى وإن كانت بمرجعية دينية. وهو ما يشير إلى وجود عدم توافق داخل الجماعة. مشيرا إلى أن هذا الموقف خطير للغاية وأنه يخرج عن الإجماع الوطني، القاضي بقيام دولة مدنية تحترم حقوق المواطنة دون تمييز.

واعتبر حمزاوي هذه الأحاديث خروجا عن روح الثورة المصرية التي رفعت شعارات الحرية والديمقراطية ولم نسمع عن أن أحد أن مطالب الثورة كانت تطبيق الشريعة الإسلامية. وقال: هذه تصريحات مقلقة للقوى السياسية الأخرى في مصر بكل تأكيد، متمنيا أن يكون موقفا شخصيا بعيدا عن الموقف الرسمي.

كما عبر محمد مصطفى شردي المتحدث باسم حزب الوفد عن قلقه من مثل هذه التصريحات في هذا التوقيت، وقال: «لا يجب أن نتحدث عن أشياء تخيف الناس»، مؤكدا أن «الأهم في هذه المرحلة هو أن يظهر الوجه السياسي لمصر أولا، ولا مانع من تطبيق روح الشريعة الإسلامية برؤية عصرية».