اليمن: تصريحات صالح عن الاختلاط تفجر غضبا ومظاهرات نسائية عارمة

السلطة تتهم خصومها بمحاولة التشويش على المبادرة الخليجية.. ووفد من المعارضة سيلتقي وزراء خارجية دول مجلس التعاون

TT

أدت تصريحات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، التي اتهم فيها المعتصمين في «ساحة التغيير» بالعاصمة صنعاء بالاختلاط، إلى ردود فعل منددة وموجة سخط في الساحة اليمنية وصفها البعض بـ«التسونامي». فقد خرجت في معظم المحافظات اليمنية مسيرات نسائية حاشدة منددة بتلك التصريحات، في الوقت الذي رفعت فيه دعوى قضائية ضد صالح أمام القضاء اليمني بتهمة القذف، في حين أعلنت المعارضة أنها سترسل وفدا إلى العاصمة السعودية بالرياض لشرح تطورات الأوضاع في الساحة اليمنية.

واجتاحت المدن اليمنية، خلال الساعات الـ48 الماضية، موجة احتجاجات نسائية ضد تصريحات الرئيس علي عبد الله صالح التي أطلقها، أول من أمس، في «ميدان السبعين» بصنعاء، والتي قال فيها إن الرجال والنساء يختلطون في «ساحة التغيير» بصنعاء. وخرج مئات الآلاف في صنعاء، وتعز، وعدن، وحضرموت، وإب، وذمار، والحديدة، ومحافظات ومدن أخرى، يهتفون بسقوط النظام، ويطالبون برحيل الرئيس علي عبد الله صالح وأبنائه وأقاربه عن السلطة، كما طالبوا بمحاكمته في عدة تهم منها «القذف» بحق النساء اليمنيات المعتصمات في الساحات للمطالبة برحيله.

في هذه الأثناء، قالت مصادر قضائية في صنعاء إن النائب العام، الدكتور عبد الله العلفي، وجه بفتح تحقيق قضائي في تلك التصريحات بناء على دعاوى قضائية رفعت ضد الرئيس علي عبد الله صالح من قبل ناشطات ومنظمات حقوقية يمنية تطالب بـ«إقامة الحد» عليه إزاء ما صرح به، كما أن مشايخ القبائل والشخصيات الاجتماعية البارزة في اليمن، استهجنوا تصريحات صالح التي حذفها الإعلام الرسمي (المرئي والمسموع والمقروء) من تغطياته الخبرية لـ«جمعة الحوار» التي احتشد فيها أنصار النظام اليمني في «ميدان السبعين» بصنعاء، أول من أمس، والتي أطلق فيها صالح تصريحاته.

وكان آلاف النساء خرجن في مسيرة، أمس، نحو مكتب النائب العام لتسليم الدعوى القضائية رسميا ضد الرئيس اليمني، وطالبت بـ«اتخاذ الإجراءات القانونية»، واعتبرت كلام صالح «إساءة لكل نساء اليمن»، وأنه «طال أعراض النساء وسمعتهن». كما أن مواقع التواصل الاجتماعي، كموقع «فيس بوك»، امتلأت مئات الصفحات فيها بالتعليقات المنددة والساخرة.

ودعت اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية بـ«ساحة التغيير» في صنعاء، إلى مظاهرات مليونية جديدة اليوم (الأحد) تحت شعار ومسمى «الشرف والكرامة»، وذلك على خلفية تصريحات الرئيس اليمني. وقالت في بيان لها إن ما ورد في تلك التصريحات هو «استمرارا لانتهاكاته الدموية والأخلاقية في حق الشعب اليمني، بعد أن قتلهم ووصفهم بالعملاء وقطاع الطرق». وأضاف البيان أن «علي صالح بخطابه المسيء لشرف اليمنيات، عاد لأدواته القديمة في استخدام خطابه التحريضي والذي يكشف النفسية المريضة للنظام»، بحسب تعبير البيان.

وفي اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من لندن، قال عبد الحفيظ النهاري، رئيس الدائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي العام، في تعليق على تسريبات حول وجود جهود أميركية لعمل جدولة زمنية للمبادرة الخليجية «لا أساس لهذه الأخبار، والهدف من هذه التسريبات هو التشويش على استجابة الجانب الرسمي وجاهزيته للذهاب إلى الرياض، وتشتيت أذهان الناس وصرف نظرهم عن تباطؤ المعارضة في القبول بالمبادرة». وأكد النهاري «اننا جاهزون في المؤتمر الشعبي العام بوفدنا للذهاب إلى الرياض، أما هذه التسريبات فإنها مجرد بالونات اختبار» حسب تعبيره.

وقال النهاري إن معلوماته تشير إلى توجه لدى المعارضة لإرسال وفد إلى الرياض، ليس للحوار مع الحكومة وإنما للتشويش على المبادرة الخليجية، ولتبرير موقفهم السلبي منها». وأكد النهاري أن بعض الأطراف من المعارضة جاهز للذهاب إلى الخليج، مثل اللواء علي محسن الأحمر. وقال النهاري «إن المعارضة تعيش تناقضات شديدة بين الرغبة في مسايرة الشباب والرغبة في قبول المبادرة الخليجية».

وفي موضوع ذي علاقة، قال الدكتور عيدروس النقيب، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني، القيادي في تكتل أحزاب «اللقاء المشترك» المعارضة، إن الرئيس صالح ومن حوله «يعيشون في حالة تخبط وعشوائية، فتارة يدعون إلى إشراك المرأة اليمنية، وتارة يقولون إن الاختلاط حرام، وتارة يدعون المرأة إلى الاشتراك في فعالياتهم ويحرمونها على فعاليات المعارضة، وتارة أخرى رئيس الجمهورية يتحدث عن إصلاحات سياسية ودستورية، وأخرى يتحول إلى مفتي ديني». واستغرب النقيب أن يدعو صالح المعارضة إلى الحوار، وفي الوقت نفسه يتهمهم بأنهم «قطاع طرق»، واعتبر ذلك «تخبطا يدل على حالة من الإفلاس وفقدان التوازن السياسي والأخلاقي».

من جهة ثانية، قالت أحزاب المعارضة اليمنية إنها سترسل وفدا إلى العاصمة السعودية الرياض لمقابلة المسؤولين الخليجيين بشأن المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن. وقال الدكتور النقيب لـ«الشرق الأوسط» إن الوفد لن يجري حوارا، وإن الأمر برمته هو أن المعارضة «طلبت من الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي تفسيرا لفهم هذه الدول للمبادرة وما لديها من إيضاحات واستيضاحات، وبناء على ذلك جرى التوافق مع الإخوة في مجلس التعاون على أن يقوم وفد من قيادة اللقاء المشترك بمقابلة وزراء خارجية دول المجلس لإيضاح هذه القضايا». أما بشأن مشاركة الوفد في اجتماعات فقال إنه «لم يدر بعد الحديث بشأن اجتماعات محددة في مكان معين أو زمان معين، ونحن كنا نقول للأشقاء في الخليج إن أي مبادرة تحمل عناصر الفشل فإن وجودها كعدمه، وشعرنا بأن السلطة تسعى إلى التضليل والخداع على إخواننا في دول مجلس التعاون الخليجي، وتستغل مخاوفهم على أمن اليمن لتسخيرها لبقاء السلطة واستمرار هيمنتها على البلاد، وجرى تشويه الكثير من مضامين مبادرة مجلس التعاون المقدمة في 3 أبريل (نيسان)، فكان لا بد للمشترك أن يوضح ما لديه، وبالتالي ليس هناك حديث عن انعقاد مؤتمر في مكان محدد وزمان محدد، هناك حديث من أجل تواصل من أجل جعل المبادرة قابلة للتطبيق».

وكانت المعارضة اليمنية أمهلت الرئيس علي عبد الله صالح أسبوعين للتنحي، لكن الدكتور عيدروس النقيب، أكد في سياق تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن الحديث عن مهلة ليوم أو يومين هو «اجتهادات شخصية، وشخصيا أفضل أن يتنحى الرئيس هذه الليلة». وقال إن المشكلة ليست في المهلة أو من يحددها، لكن الموضوع أن الرئيس كلما تنحى مبكرا، جنب نفسه من الوقوع في المزيد من الأخطاء ومزيد من الجنايات في حق المجتمع وفي حق الشعب اليمني»، وأشار إلى أن موضوع جدولة مسألة التنحي «هو مسألة ترتبط بتوفير متطلباته (التنحي)»، وإلى أن المجتمع الدولي «صار اليوم شريكا لليمنيين في الضغط باتجاه تنفيذ مطالب الشعب اليمني وفي مقدمتها تنحي رئيس الجمهورية والشروع في إصلاحات سياسية».

وعلى الصعيد ذاته، دخلت حالة العصيان المدني التي تشهدها مدينة عدن، كبرى مدن جنوب اليمن، أسبوعها الثالث وهي متواصلة من دون انقطاع. وأكد شهود عيان في المدينة أن كل المرافق الحكومية والخدمية ووسائل النقل العامة والخاصة، متوقفة تماما عن العمل، تنفيذا للعصيان المدني الذي دعا إليه شباب الثورة في المحافظة، وكنوع من الاحتجاج الشعبي من أجل تنحي الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة، في حين توجد في عدن أكثر من ثلاث ساحات اعتصام مفتوح للمطالبة بإسقاط النظام، وفي هذه المدينة سقط في فبراير (شباط) الماضي، أكثر من 30 قتيلا برصاص قوات الأمن، مع اندلاع الاحتجاجات. وبحسب منظمات حقوقية فإن أجهزة الأمن بعدن ما زالت تعتقل العشرات وتخفي عددا من قادة الحراك الجنوبي البارزين، ومنذ انطلاق «ثورة الشباب» وحتى اليوم، تعيش محافظة عدن من دون محافظ بعد أن استقال محافظها، أحمد قعطبي، احتجاجا على قمع وقتل المتظاهرين، وقد شكل وجهاء المدينة مجلسا أهليا لإدارة شؤونها.