قوات القذافي تدك مصراتة وأجدابيا بالصواريخ.. والثوار يحذرون من مجازر

طائرات الناتو تقصف مسقط رأس القذافي في سرت.. واتهامات دولية لقوات القذافي باستخدام قنابل عنقودية

جندي يعبر عن فرحته في موقع قرب إجدابيا استولت عليه المعارضة (إ.ب.أ)
TT

تمسك نظام العقيد معمر القذافي بالبقاء في السلطة التي يقودها منذ نحو 42 عاما، على الرغم من مطالب الثوار المناوئين له، وتصاعد الهجمات الجوية والصاروخية لطائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد مواقع القوات العسكرية والكتائب الأمنية الموالية للقذافي، في وقت أعلن فيه اللواء عبد الفتاح يونس، القائد العسكري لجيش الثوار، أنهم بصدد إحكام السيطرة على مدينة البريقة النفطية.

وقال يونس، في تصريحات، إن الثوار المناوئين للقذافي يخوضون ما وصفه بالمعركة الشرسة ضد قوات القذافي، ويأملون أن يسيطروا قريبا على الميناء النفطي بالبريقة. وأضاف: «وضعنا جيد جدا، الحمد لله بدأ الزحف على البريقة، هناك اشتباك حاد وكبير جدا في البريقة، وأملنا كبير أن البريقة تكون لنا خلال الساعات القليلة المقبلة ونحن مستعدون استعدادا لا بأس به ومقاتلونا من الجيش والقوات المسلحة والشباب والثوار يقومون الآن بعمل جيد، ومع الصباح ستكون هناك أخبار جيدة». وكشف عن أن الثوار ضمنوا ما يريدون فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة من دول صديقة، لكنه لم يفصح عن المزيد من التفاصيل.

وبينما أعلنت، أمس، وزارة الخارجية الإيطالية أن مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي المناهض للقذافي، سيزور العاصمة الإيطالية روما، قال مقربون منه لـ«الشرق الأوسط» إنه يأمل في إقناع إيطاليا بالانضمام إلى العمليات العسكرية التي يقودها حلف شمال الأطلسي ضد قوات القذافي.

وبدأ عبد الجليل جولة خارجية له تشمل قطر وفرنسا وإيطاليا، هي الأولى منذ ترؤسه المجلس الوطني الانتقالي الذي تأسس في مدينة بنغازي بشرق ليبيا في 9 مارس (آذار) الماضي بعد اندلاع الثورة الشعبية ضد القذافي في 17 فبراير (شباط) المنصرم. وسعت حكومة القذافي إلى استباق أي نتائج متوقعة من هذه الجولة التي ستشمل الدول الـ3 التي اعترفت بشرعية المجلس الانتقالي وأسقطت شرعية نظام القذافي؛ حيث أعلن موسى إبراهيم القذافي، الناطق الرسمي باسم الحكومة الليبية، أنه لا أحد يملك حق تقرير مصير الشعب الليبي من الخارج.

وقال إبراهيم القذافي: نحن دولة شرعية قائمة وجاهزة لإقامة مجتمع سياسي منفتح، معتبرا في تصريحات نقلتها قناة الليبية الرسمية أن المتمردين خائفون من الشعب الليبي والقبائل الداعمة للقيادة الليبية، على حد تعبيره.

ووسط مخاوف من ارتكاب القوات العسكرية والكتائب الأمنية الموالية للقذافي مجزرة بشرية في مدينة مصراتة، ثالثة كبريات المدن الليبية، أسفر القصف، الذي شنته هذه القوات على المناطق السكنية في المدينة بقذائف المورتر، عن مصرع 3 أشخاص وعشرات المصابين.

وأعلن المجلس الوطني الانتقالي المناهض للقذافي أن نظام القذافي قام بتصعيد نوعي في عملياته العسكرية ضد مصراتة باستخدام أسلحة متطورة وثقيلة، ومنها صورايخ غراد، استعدادا لاقتحام المدينة والقيام بمجزرة بشرية تطال المدنيين من شيبها وشبابها ونسائها وأطفالها.

ولفت المجلس في بيان، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، انتباه المجتمع الدولي إلى تصريحات نظام القذافي مؤخرا بشأن اعتزامه استخدام منتهى القوة والعنف لمنع إدخال أي مساعدات طبية وإنسانية إلى مدينة مصراتة المحاصرة، مشيرا إلى أن هذا بدأ يحدث بالفعل منذ صبيحة أول من أمس بالمدينة التي تقع على بعد نحو 200 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس.

وناشد المجلس المجتمع الدولي أن يتحمل كامل مسؤولياته، كما طالب بالتدخل بأقصى سرعة لإيقاف هذه المذبحة، عبر استخدام كل الوسائل الممكنة لحماية المدنيين في مدينة مصراتة، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، وبإعلان المدينة منطقة محمية دوليا، وأن يتولى إدخال جميع المساعدات الطبية والإنسانية إلى سكان مصراتة المدنيين الذين تمارَس ضدهم أعمال القنص والقصف العشوائي المتواصل.

وحث المجلسُ المجتمعَ الدوليَّ على ضرورة أن يواصل دعمه للشعب الليبي من أجل فك الحصار عن العاصمة طرابلس وجميع المدن المحاصرة في الجبل الغربي، وأن يساعد الشعب الليبي في التخلص من نظام القذافي الدموي القامع لتطلعات شعبنا في الحرية والديمقراطية والحياة الإنسانية الكريمة. وطبقا لما أكده، أمس، جمال سالم، المتحدث باسم الثوار في مصراتة، فإن قوات القذافي استهدفت مصنعا لمنتجات الحليب ومصنعا آخر لإنتاج زيت الطهي، مما أدى إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة 25 آخرين. وأضاف: «إنه يريد تجويع الناس، على ما يبدو، واستهدفت قواته مصنع الحليب والآخر الذي ينتج زيت الطهي، علاوة على قيام قواته بقصف 3 مخابز».

كان إبراهيم القذافي، الناطق الرسمي باسم الحكومة الليبية، قد أعلن أن فريقا من الصليب الأحمر قد وصل إلى مدينة مصراتة، التي يسيطر عليها الثوار وتحاصرها قوات موالية للقذافي لتقييم الوضع.

وقال إبراهيم القذافي، للصحافيين، في العاصمة الليبية طرابلس: إن الجيش الليبي نقل الفريق إلى مكان ما في المدينة وإن الصليب الأحمر انتقل إلى المنطقة التي يسيطر عليها الثوار، مشيرا إلى أن الفريق سيصدر تقريرا حول نتائجه الأولية، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل. وذكر الصليب الأحمر أنه سيفتح مكتبا له في طرابلس تلبية لدعوة من الحكومة الليبية وأنه سيرسل فريقا إلى مصراتة لمساعدة المدنيين المحاصرين بسبب القتال.

ومع ذلك، فقد هاجمت قوات القذافي مدينة مصراتة الساحلية بـ100 صاروخ غراد على الأقل، علما بأن هذه القوات تحاصر المدينة التي تعتبر آخر جيب رئيسي في غرب ليبيا منذ أكثر من 6 أسابيع بعد أن انتفضت المدينة مع مدن ليبية أخرى ضد حكم القذافي.

وقال عبد الباسط أبو مزيرق، عبر الهاتف: «أطلقوا (قوات القذافي) صواريخ غراد على المنطقة الصناعية، أطلقوا 100 صاروخ على الأقل»، مشيرا إلى أن قوات القذافي ركزت قصفها على هذه المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية؛ لأنها تريد أن تخيف السفن التي تنقل إمدادات إغاثة أو تسعى لنقل المهاجرين. والمنطقة الصناعية قريبة من الميناء على الجانب الشرقي من المدينة؛ حيث تقطعت السبل بآلاف المهاجرين الذين ينتظرون الإجلاء.

ودارت معارك طاحنة بين قوات القذافي والثوار في غرب مدينة أجدابيا الاستراتيجية، التي تبعد 160 كيلومترا جنوب بنغازي، والتي يتقدم منها الثوار في اتجاه مدينة البريقة النفطية، مما أدى، وفقا لمصدر طبي في المستشفى المركزي بالمدينة، إلى مصرع 6 أشخاص وإصابة 20 آخرين بجروح. وشنت طائرات حلف شمال الأطلسي هجوما جويا على مدينة سرت، مسقط رأس القذافي وعاصمة نظام حكمه السياسية، هو الثاني من نوعه على مدى يومين.

وقالت الوكالة الليبية إن غارات من وصفتهم بـ«المعتدين المستعمرين» استهدفت مدينة سرت الساحلية التي يسكنها نحو 120 ألف شخص، الواقعة على بعد 600 كيلومتر شرق طرابلس، لكنها لم تشر إلى طبيعة هذه الأهداف التي تعرضت للقصف.

وتصاعدت أمس حدة الإدانات الدولية لاستخدام القوات الليبية الحكومية القنابل العنقودية في محاولتها إخماد الثورة الشعبية ضد القذافي، بعدما كشفت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأميركية لحقوق الإنسان عن استخدام قوات القذافي هذه الذخائر المحظورة دوليا منذ عام 2008 في مدينة مصراتة. وقالت مديرة منظمة «تحالف ضد الذخائر العنقودية»: إنه يتعين «على ليبيا أن تتوقف فورا عن استخدام الذخائر العنقودية لما لهذه الأسلحة المحظورة دوليا من آثار مروعة، كما من شأن الذخائر غير المنفجرة أن تطيل معاناة المدنيين حتى بعد انتهاء النزاع».

ونقلت منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن روايات شهود عيان استخدام القوات الليبية للذخائر العنقودية في الأيام الأخيرة، مطالبة باتخاذ خطوات عاجلة لضمان مسح وتطهير المناطق التي لم تنفجر فيها تلك القنابل لمنع المزيد من الوفيات أو الإصابات الناجمة عنها. ووفقا للمنظمة الأميركية فقد استخدمت قوات القذافي 120 قذيفة هاون تم إنتاجها في إسبانيا عام 2007، حسب ما تشير العلامات الواضحة على بقايا تلك الذخائر، لافتة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تستخدم ليبيا الذخائر العنقودية؛ إذ سبق أن استخدمتها في صراعها مع تشاد خلال الفترة بين عامي 1986 و1987.

لكن الناطق باسم الحكومة الليبية نفى هذه المعلومات وقال في المقابل: «أخلاقيا وقانونيا لا يمكننا القيام بهذا بحق السكان المدنيين من شعبنا، وفي حال استخدام هذه القنابل، فإن الأدلة ستبقى أياما وأسابيع». وأضاف: «نعلم أن المجتمع الدولي سيأتي إلى بلدنا قريبا، إذن لا يمكننا القيام بذلك. لا يمكننا تجريم أنفسنا، إذا كنا بالفعل مجرمين». ودعا المنظمات الحقوقية إلى زيارة كل المدن الليبية بما فيها مصراتة «وأخذ شهادات من الجانب الآخر»، معتبرا أن هذه المنظمات تستند إلى «شهادات متمردين أو اتصالات هاتفية ترد إلى مكاتبهم في العواصم الأوروبية».

ولا يعرف حجم مخزون ليبيا من هذه الأسلحة؛ نظرا لأنها لم تنضم بعدُ إلى اتفاقية 2008 التي تحظر استخدامها.

ومنذ أسبوعين تردد أن القوات المسلحة الليبية وضعت ألغاما أرضية مضادة للأفراد محظورة دوليا أيضا بمقتضى معاهدة حظر الألغام لعام 1997 بسبب طبيعتها العشوائية وآثارها العنيفة والضارة على المدنيين.

إلى ذلك، نفت تشاد، على لسان وزير خارجيتها موسى فقي محمد، أن يكون هناك ضباط تشاديون يقاتلون إلى جانب جنود القذافي. وقال موسى فقي محمد، وهو يخاطب مبعوثين دبلوماسيين في العاصمة التشادية: إن التقرير الذي رفعه المجلس الوطني الانتقالي إلى مجلس الأمن، والذي يفيد بأن ضباطا في الجيش التشادي موجودون في ليبيا، هو تقرير غير صحيح. وأضاف: «نريد أن ننفي رسميا هذه المزاعم.. وللدلالة على ذلك فالضباط المذكورون في التقرير موجودون هنا». وأشار إلى 9 جنود جالسين في القاعة.

وأعلن أن تشاد طلبت من فرنسا المساعدة في مراقبة حدودها مع ليبيا، معتبرا أن المزاعم بأن آلاف المقاتلين التشاديين عبروا الحدود إلى ليبيا وأن القذافي قد نقل كمية كبيرة من الذهب إلى تشاد هي مزاعم غير صحيحة. وتساءل: «كيف يمكن إرسال أطنان من الذهب الذي يخص القذافي إلى تشاد من دون أن يراها أحد ويقول الثوار المتمردون على نظام القذافي إنه جلب مرتزقة أفارقة من دول مثل تشاد وزيمبابوي لمساعدة قواته على إخماد الانتفاضة ضد حكمه؟».