حرصت باريس، أمس، على استقبال رئيس المجلس الانتقالي الليبي، مصطفى عبد الجليل، في زيارته الأولى إلى فرنسا، كرئيس دولة، ووفرت له الإجراءات البروتوكولية المناسبة، وودعه الرئيس ساركوزي على عتبة قصر الإليزيه، وأدت له التحية ثلة من الحرس الجمهوري. غير أن الأهم من ذلك كله هو أن الرئيس ساركوزي، الذي لعب منذ البداية دورا رياديا في الدفع إلى تدخل عسكري دولي في ليبيا، وعد بتلبية المطالب التي تقدم بها عبد الجليل، وأهمها: تكثيف الضربات الجوية الفرنسية على المواقع العسكرية التابعة لنظام العقيد معمر القذافي، وخصوصا في محيط مدينة مصراتة المحاصرة، والإسراع في توفير مساعدة إنسانية للمدينة نفسها.
وأفادت مصادر قصر الإليزيه، عقب الاجتماع الذي حضره منسق الشؤون الخارجية في المجلس، علي العيساوي، وممثلون عن بنغازي وطبرق، إن ساركوزي قال للوفد الليبي: «سنساعدكم». وبحسب هذه المصادر، فإن ساركوزي وعد بتكثيف العمليات العسكرية الجوية ضد المواقع الليبية، مستجيبا بذلك لما طلبه كافة أعضاء الوفد الليبي الذي وصف الوضع في مصراتة بأنه «بالغ الخطورة». ونفت المصادر الرئاسية الفرنسية أن يكون المعارضون الليبيون قد طلبوا إرسال قوات أرضية إلى ليبيا، وهو ما لا تريده فرنسا أساسا، وأكد عليه وزير دفاعها، جيرار لونغيه، مجددا، عقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء، أمس.
وكان رئيس الحكومة الفرنسية، فرنسوا فيون، قد أعلن، أول من أمس، من كييف، أن القوات الجوية الفرنسية ستزيد من وتيرة طلعاتها، مما يعكس قلق باريس من المسار الذي تسلكه الأحداث في ليبيا ومن محدودية تأثير الضربات الجوية على نظام القذافي وعجزها عن دفعه إلى التنحي.
واستبعد الوزير لونغيه إرسال قوات برية إلى ليبيا باعتبار أن ذلك يخالف منطوق القرار الدولي رقم 1973، وباعتبار أن فرنسا «تعمل من داخل إطار» القرار المذكور. وكان الناطق باسم الحكومة الفرنسية، فرنسوا باروان، عبر أيضا عن الموقف نفسه بقوله إن «موقف فرنسا واضح، فنحن لا ننوي البتة إرسال قوات أرضية بأي شكل كان». واستبعد باروان أن تسعى بلاده إلى استصدار قرار جديد من مجلس الأمن.
غير أن باريس، التي تريد تفادي إدامة النزاع في ليبيا إلى ما لا نهاية، لا تغلق، في واقع الأمور، الباب نهائيا أمام تطور المواقف الدولية؛ وما يدل على ذلك قول لونغيه إن إرسال قوات دولية برية «أمر يستحق التفكير الدولي فيه». وأفادت مصادر مطلعة في باريس أن ثمة نقاشا يدور حاليا داخل الحكومة الفرنسية ودوائر القرار العسكرية والسياسية حول هذا الموضوع، خصوصا أن بقاء القذافي في السلطة سيكون له مردود سياسي سلبي على ساركوزي، فضلا عن أنه يطرح إشكالية صعبة على دول التحالف. وحرصت المصادر الرئاسية على القول إن الوفد الليبي لم يطلب إرسال قوات أرضية إلى ليبيا.
ومع ترقب حسم الجدل، قررت باريس احتذاء حذو بريطانيا وإرسال مجموعة ضباط اتصال إلى بنغازي؛ وهو ما قررته أيضا إيطاليا. أما مطلب المعارضة المسلحة بشأن تكثيف المساعدات الإنسانية، فقد أعلنت باريس أنها ستستجيب أيضا له، وأن مبادرة ستتخذ بحر الأسبوع الحالي بالنسبة إلى مصراتة.
وكان عبد الجليل قد اغتنم فرصة وجوده في باريس لتوجيه عدة رسائل إلى الدول التي كانت سباقة في مساعدة الثورة الليبية أو إلى الأسرتين، العربية والدولية، مؤكدا أنه حصل من الرئيس ساركوزي على وعود بالمساعدة. ووجه عبد الجليل دعوة إلى الرئيس الفرنسي لزيارة بنغازي، معتبرا أن تلبيتها ستشكل دعما معنويا للثوار. وقالت مصادر الإليزيه إن ساركوزي «أخذ علما بالدعوة»، ولم تقل إنه وعد بتلبيتها.
وتجدر الإشارة إلى أن باريس هي أول دولة ترسل سفيرا لها إلى بنغازي، هو أنطوان سيفان. وشكر عبد الجليل فرنسا على «موقفها الشجاع» في دعم الثورة الليبية، واعدا إياها بأن يكون لها «دور كبير» في تنمية ليبيا المستقبلية، مما يعني إفراد موقع خاص لها في العقود المستقبلية.
وتوجه عبد الجليل إلى الأسرة الدولية بتأكيد وعد قيام دولة ديمقراطية في ليبيا «يصل الرؤساء فيها إلى أعلى السلطة عبر صندوق الاقتراع، وليس على دبابة»، كما وعد بمحاربة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، وهو ما تعاني منه الدول الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا.
ولم ينس عبد الجليل الدول العربية التي سارعت إلى دعم الثورة الليبية، ذاكرا منها قطر، والإمارات العربية المتحدة، «وكافة البلدان العربية التي لكل منها ظروفه الخاصة».