في حمص.. نجحت المعارضة في إخراج الطبقة الوسطى السنية للشارع

عشرات الآلاف من المتظاهرين حاولوا الدخول في اعتصام على النمط المصري بساحة رئيسية

متظاهرون في حمص يتجمعون في ساحة الساعة التي أطلقوا عليها اسم «ساحة الحرية» أول من أمس (رويترز)
TT

صعدت الحكومة السورية من جهودها الرامية لقمع المظاهرات المستمرة منذ أسابيع أول من أمس (الثلاثاء) بعدما أطلقت الذخيرة الحية على جمع من المتظاهرين في إحدى المدن السورية، حتى مع إلغائها قانون الطوارئ الذي تطبقه منذ عقود في محاولة تهدف لإرضاء منتقديها.

وجاءت هذه الإجراءات في أعقاب أجرأ مسيرة مناهضة للحكومة وأكثرها تنظيما خلال الثورة التي اندلعت منذ شهر في سورية، مع احتلال الثوار ساحة في ثالث أكبر مدينة سورية أثناء مطالبتهم بإنهاء حكم عائلة الأسد الذي بدأ منذ 40 عاما.

ولم يظهر أي جانب علامات على التراجع، وبدت أحداث الثلاثاء وكأنها تشير إلى أن الصراع قد يتحول إلى صدام أكثر دموية. ففي مدينة حمص، قتل أربعة أشخاص بعد محاولة عشرات الآلاف من المتظاهرين الدخول في اعتصام على النمط المصري في ساحة رئيسية، حسبما ذكر نشطاء سياسيون. وبعد إطلاق طلقات تحذيرية في الهواء، أطلقت قوات الأمن النار على الحشد وقامت بتفريقهم، واستخدمت دبابات من أجل تأمين المنطقة، حسب روايات شهود العيان. وبعدها بساعات، أعلنت الحكومة السورية عن وقف العمل بقانون الطوارئ المزري الذي يحظر تنظيم تجمعات كبيرة مع إصدار وزارة الداخلية بيانا يحث السوريين على الامتناع عن الخروج في أي «مسيرات جماعية أو مظاهرات أو إضرابات تحت أي عنوان كان».

وكانت أحداث الثلاثاء تمثل نسخة مصغرة لدورات مبكرة من العنف والتنازلات. وقد قتل أكثر من 200 شخص في الأعمال القمعية التي ارتكبتها الحكومة السورية بحق المتظاهرين على مدار الشهر الماضي، حسبما أفاد عدد من جماعات حقوق الإنسان. وقال أعضاء من جماعات المعارضة إنهم لا يصدقون الحزمة الجديدة من القوانين، التي تؤكد على حق السوريين في التظاهر، ولكنها تطالب بالحصول على موافقة وزارة الداخلية للخروج في أي مظاهرات. وقال وسام طريف، مدير منظمة «إنسان»، وهي منظمة سورية لحقوق الإنسان كان لديها مراقب في مدينة حمص يوم الثلاثاء الماضي: «عندما تكون موافقة الحكومة مطلوبة وضرورية، فإن هذا يعني أننا ندخل في مرحلة جديدة من القمع». وأضاف طريف أن الإصلاحات تفتقر إلى مكونات كبرى مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين ورفع الحصانة عن موظفي الأمن الحكوميين. ولكن من المستبعد أن تقدم الحكومة السورية مزيدا من التنازلات، حسبما ذكر جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما. وقال لانديس: «بإعلانه عن القوانين الجديدة، فإن النظام أظهر تحديه للمتظاهرين، وأنه قد رسم خطا في الرمال».

وذكر لانديس أنه من غير الوارد أن تتراجع المعارضة، مضيفا أن حجم المشاركة الكثيف في المظاهرة التي خرجت بمدينة حمص، أكبر مدينة من حيث تعداد السكان السنيين، وهم أكبر مجموعة دينية في سورية، أشار إلى حدوث نقطة تحول في قدرة المعارضة على حشد وإخراج السكان من الطبقة الوسطى إلى الشوارع. وقال: «ما دامت الثورة باقية في مناطق زراعية، يمكن للنظام أن يحتويها. ولكن الزخم الذي اكتسبته المظاهرات، وما حدث في مدينة حمص كان بالفعل مخيفا للنظام، وأظهر أن السكان السنيين في المناطق الحضرية الرئيسية قد بدأوا في الخروج إلى الشوارع. وإذا وصلت المظاهرة إلى دمشق، عاصمة سورية وأغنى مدنها، بأعداد كبيرة، فسوف تصبح هذه هي اللحظة الجيدة».

وقد ابتعد معظم السوريين عن المشاركة في المظاهرات، إما بسبب ولائهم للحكومة أو خوفا من الأعمال الانتقامية أو الخوف من انتشار أعمال الفوضى في البلاد إذا ما سقط نظام الأسد.

وفي ليلة يوم الثلاثاء الماضي، تظاهر 1.000 شخص في حي الزبداني بالعاصمة السورية دمشق، ونظم نحو 200 طالب مظاهرة داخل جامعة دمشق في بداية ذلك اليوم، حسبما ذكر طريف. كما أفادت تقارير بحدوث مظاهرات في مدينتي بانياس ودرعا.

وكان من غير الممكن التأكد بشكل مستقل من الأحداث بسبب منع وسائل الإعلام الأجنبية من العمل في سورية. وعلى أي حال، بدا أن التوجه الحكومي المزدوج قد أعطى زخما لهذه المظاهرات.

وقالت رزان زيتونة، وهي ناشطة حقوقية ومحامية في دمشق: «إذا اتخذوا قرارا بمنع المظاهرات السلمية في اليوم نفسه الذي أعلنوا فيه عن إلغاء العمل بقانون الطوارئ، فما جدوى ذلك؟ والآن يسخر الأشخاص العاديون من القوانين الجديدة بإصدار نكات لاذعة، لأنهم لم يعودوا يصدقونها».

وينتمي بشار الأسد، البالغ من العمر 45 عاما، والذي أصبح رئيسا لـ«سورية» بعد وفاة والده عام 2000، للطائفة العلوية التي تمثل أقلية في سورية، وهي فرقة من الشيعة. وكان والده، حافظ الأسد، اللواء السابق في القوات الجوية، قد وصل إلى السلطة عام 1971 في أعقاب انقلاب عسكري.

وقد أنحت حكومته باللائمة في حدوث هذه المظاهرة على «عصابات إجرامية» مسلحة وعلى متطرفين إسلاميين، واتهمت المتظاهرين بتلقيهم دعما من عملاء أجانب. وخلال يوم الاثنين الماضي، أشار التلفزيون الحكومي السوري بشكل متكرر إلى تقرير نشرته جريدة «واشنطن بوست» عن المساعدات الأميركية المقدمة إلى المنشقين السوريين، كدليل على التدخل الأجنبي، حسب ما ذكر ناشطون.

وقد تحاشى المتظاهرون اللجوء للعنف إلى حد كبير، ولكن في حالتين على الأقل، يوم السبت الماضي في مدينة بانياس وصباح يوم الثلاثاء في حمص، أطلق متظاهرون النار على قوات الأمن، حسب ما أشار طريف.

وقال لانديس إنه من الوارد أن يزيد عدد هذه الحوادث مع تصاعد أحداث العنف ضد المتظاهرين. وأضاف: «سوف تقع أحداث عنف، ومن المحتمل أن تكون وحشية. وقد تبنت حكومة الأسد أسلوب القمع مع السوريين لمدة 40 عاما. والناس غاضبون. وسوف يبحث الشعب عن فرصة لتخفيف هذا القمع، وهم لا يرغبون في ممارسة لعبة الإشارات مع النظام الحاكم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»