البيت الابيض يدعو لوقف العنف.. ومظاهرات سورية تضع إدارة أوباما في مأزق

بعض المسؤولين يراهنون على قيادة الأسد للإصلاحات.. وتشكيل حكومة ديمقراطية سيضطر واشنطن للضغط على إسرائيل لإعادة الجولان

محتجون سوريون يرفعون لافتة ضد الرئيس بشار الأسد وحزب البعث خلال مظاهرة في بانياس، أمس (أ.ف.ب)
TT

أعرب البيت الأبيض، أمس (الجمعة)، عن قلقه بشأن العنف الدائر في سورية، ودعا الحكومة السورية وكافة الأطراف إلى وقف الاضطرابات بعد أن ذكر حقوقيون وشهود أن العشرات قتلوا خلال مظاهرات في أنحاء سورية أمس.

وقال جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض «نستنكر استخدام العنف»، مضيفا أن الولايات المتحدة تراقب الوضع عن كثب.

وأضاف «ندعو الحكومة السورية إلى الوقف والامتناع عن استخدام العنف وندعو جميع الأطراف إلى الوقف والامتناع عن استخدام العنف».

من جهته، أدان وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ عمليات قتل المتظاهرين في سورية، أمس، ووصفها بأنها «غير مقبولة»، داعيا إلى إلغاء حالة الطوارئ في سورية بالفعل وليس بالقول.

وقال هيغ في تصريح «أنا قلق للغاية من الأنباء بشأن القتلى والجرحى في أنحاء سورية».

وأضاف «أدين عمليات القتل غير المقبولة التي ترتكبها قوات الأمن بحق المتظاهرين».

وتابع «وأدعو قوات الأمن السورية إلى ممارسة ضبط النفس بدلا من ممارسة القمع، كما أدعو السلطات السورية إلى احترام حق الشعب في التظاهر السلمي».

وقال تقرير لـ«واشنطن بوست» إن المظاهرات المتصاعدة المناوئة للحكومة في سورية تضع إدارة أوباما في مأزق، في وقت تحاول فيه الإدارة تأمين نطاق عريض من المصالح الأميركية مع دعم ما تصفه بالطموحات المشروعة للشعب السوري.

ومنذ اندلاع المظاهرات قبل خمسة أسابيع، وصولا لما يطلق عليه منظمو المظاهرات «الجمعة العظيمة»، أدانت الإدارة الأميركية الإجراءات الصارمة من قبل الحكومة السورية، غير أنها رفضت اتخاذ خطوات ملموسة للضغط على دمشق. ويشير مسؤولون أميركيون حسب «واشنطن بوست» إلى أن لهم نفوذا محدودا على سورية، التي تم حرمانها من المعونات الأميركية ومن معظم اتفاقات التجارة الثنائية من قبل وزارة الخارجية الأميركية بوصفها دولة راعية للإرهاب وبموجب قوانين أخرى.

وقال مسؤول إداري رفيع المستوى «لدينا بالفعل عقوبات. ويمكننا البحث عما إذا كانت هناك وسائل إضافية لزيادة الضغط، أم لا، لكنني لا أرغب في أن أشير إلى أن ثمة أي شيء وشيك الحدوث».

ويعزى جانب من تردد الإدارة الأميركية بلا شك إلى الشعور الملموس بالإرهاق السائد بين صناع السياسة بسبب أشهر من الأزمات السياسية التي اجتاحت أرجاء الشرق الأوسط. إلا أن هناك مزيدا من الأسباب الملموسة في ما يتعلق بسورية، بما فيها رفض إضافة المزيد من الضبابية على عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية غير واضحة المعالم؛ وعدم رغبة تركيا وحلفاء آخرين في التخلي عن الأسد مقابل مستقبل مجهول؛ فضلا عن الاعتقاد الخفي السائد بين البعض بأنه يمكن إقناع القائد السوري بتبني إصلاحات حقيقية.

وكانت الإدارة الأميركية قد تواصلت مع الأسد على مدار العامين الماضيين، وسمحت بشحن بعض التقنيات ذات الاستخدام المزدوج، رافعة القيود عن قطع الغيار المصنوعة في أميركا الخاصة بشركة الطيران السورية. وكجزء من التخلي عن التحفظ الدبلوماسي، أرسلت الإدارة الأميركية العام الماضي أول سفرائها إلى دمشق منذ 2005، عندما تم سحب التمثيل الدبلوماسي رفيع المستوى بعد أن تم اتهام سورية في حادث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.

ولقي أكثر من 200 شخص مصرعهم في إطار الحلقات المتصلة من أحداث العنف والتنازلات من جانب الحكومة السورية التي بدأت في سورية الشهر الماضي. والأسبوع الماضي، حتى بعدما استجاب الأسد إلى مطلب أساسي من جانب المتظاهرين برفع قوانين الطوارئ المعمول بها منذ عقود طويلة والتي تمنح رجال الشرطة سلطات غير محدودة تخول لها المراقبة واحتجاز واعتقال المتظاهرين، أطلقت قوات الأمن النيران على حشد من المتظاهرين في حمص، ثالث أكبر المدن السورية، مما أدى إلى مقتل أربعة أفراد على الأقل.

وعلى عكس رفضها القاطع للقمع في دول عربية، مثل مصر والبحرين، وبعيدا عن تدخلها المباشر في ليبيا، وقفت إدارة أوباما ضد إلقاء اللوم على الأسد الذي تلقى تعليما في الغرب وتولى مقاليد السلطة منذ 10 سنوات عقب انتهاء مدة حكم والده التي امتدت لثلاثة عقود. وقد استخدمت عائلة الأسد، التي ينتمي أفرادها إلى الطائفة العلوية، القوات العسكرية لإحكام قبضتها على الأغلبية من المسلمين السنة في سورية.

وقالت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، نهاية الشهر الماضي، في تعليق عرض في برنامج «واجه الأمة» (فيس ذا نيشن) الذي يبث على قناة «سي بي إس»، وولد حالة من النقد السياسي واسع النطاق «هناك قائد مختلف في سورية الآن»، كما يعتقد كثيرون أن الأسد «إصلاحي».

ويوم الأربعاء، أدانت كلينتون «أعمال العنف المستمرة التي يتم ارتكابها ضد المتظاهرين السلميين من قبل الحكومة السورية»، وأدانت أيضا «أي استخدام للعنف من جانب المتظاهرين». وقالت «واشنطن بوست» إنه اعتمادا على ما سيحدث أثناء مظاهرات الجمعة، ربما يمارس بعض أعضاء الكونغرس ضغوطا من أجل توقيع عقوبات أقوى ضد سورية عند عودتهم إلى واشنطن الأسبوع القادم من عطلتهم. وذكرت النائبة إلين روز ليهتينن، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في بداية هذا الشهر أن الإدارة سبق أن «تجاهلت» تهديدات سورية خطيرة على الأمن الأميركي. وقالت روز ليهتينن «بدلا من إعادة سفيرنا إلى دمشق وإعادة توطيد العلاقات الأميركية مع هذه الدولة المنبوذة، كما فعلت الإدارة الحالية، على الولايات المتحدة فرض عقوبات صارمة ضد النظام السوري». وذكر توم مالينوفسكي، مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش» في واشنطن، أنه «ربما كان من العدل القول إن الولايات المتحدة وحدها لا يمكنها أن تفعل الكثير في ما يتعلق بفرض العقوبات». لكنه قال «ربما يكون لجهودها تأثير قوي إذا تعاونت مع الاتحاد الأوروبي»، أكبر شريك تجاري لسورية وأحد المستوردين الرئيسيين لبترولها.

واتهم بعض المحللين الرئيس أوباما بالعجز عن إدراك كيف أن رحيل الأسد سيعزز السياسة الأميركية في المنطقة، بما فيها التفاوض مع إيران. وسورية هي الحليف العربي الوحيد لإيران، وطالما كانت نقطة تساعد على توصيل الأسلحة الإيرانية لحزب الله في لبنان، والذي يعتبره الأسد عنصر ضغط في مواجهة إسرائيل. كما تستخدم إيران الموانئ السورية كمخرج للبحر الأبيض المتوسط.

وربما تمنع الإطاحة بالأسد إيران من تلك المزايا، وهي «مكسب ضخم للولايات المتحدة وخسارة ضخمة لإيران»، كما ذكر إليوت أبرامز، مدير شؤون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي في فترة إدارة جورج دبليو بوش.

وبعيدا عن الاعتبارات الاستراتيجية، قال أبرامز إن سجل حقوق الإنسان «الوحشي» للأسد يجب أن يكون كافيا وحده لتحفيز أوباما على اتخاذ إجراء أكثر صرامة. وقال أبرامز «نظر إلينا النظام بوصفنا عدوا، وأنا فقط لا أستوعب فكرة أن الأسد إصلاحي، وأن هذا النظام يمكن إصلاحه. لا يمكن أن يحدث ذلك». وأضاف «أكثر ما يزعجني أن هذه الإدارة تعتقد أننا سنكون أفضل حالا في ظل وجود النظام، وتعجز عن إدراك المكسب الضخم الذي يمكننا تحقيقه إذا ما سقط النظام».

وكان آخرون أكثر تعاطفا مع مأزق إدارة أوباما. وقال جوشوا إم لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما، الذي عاش في سورية، إن المؤسسات الوطنية الضعيفة والتيار الإسلامي الراسخ، وإن كان كامنا، لا يجعلان أمام الإدارة الأميركية الكثير من البدائل الجيدة. وقال لانديس إن اللاعبين الرئيسيين لديهم مصلحة في بقاء الأسد. وأضاف لانديس «سيكون رد الفعل المتسرع من جانب جميع الأطراف هو الأمل في أن يتمكن الأسد من استعادة سيطرته على زمام الأمور»، لأن «هناك احتمالات كبيرة لأن تتداعى المؤسسات الوطنية (في سورية)، مثل العراق. وحينها، ستكون هناك انشقاقات لا نهاية لها».

وحسب تقرير «واشنطن بوست»، فإنه من المنتظر أن يدفع تشكيل حكومة ديمقراطية جديدة في سورية أوباما إلى الضغط على إسرائيل من أجل إعادة هضبة الجولان، التي استولت عليها في حرب 1967، من أجل منحها الشرعية. ولطالما فضلت إسرائيل تحديد توقيت وشروط مثل تلك المحادثات. وتخشى تركيا من أن يسعى الأكراد في سورية إلى الانفصال إذا ما ترك الأسد الحكم، معيدين الحياة من جديد إلى الحركة الانفصالية الكردية في تركيا. ويخشى المسيحيون في لبنان من ظهور حكومة إسلامية محافظة على حدودها الشرقية.

وقال لانديس «إذن، ما الذي تفعله أميركا؟ هل هو معاداة كل هؤلاء الحلفاء في المنطقة لإعطاء دفعة لهذه المرحلة الانتقالية في وقت يعتبر محور اهتمامها الأساسي فيه هو الخروج من العراق؟» وأضاف «نحن نواجه مدا ديمقراطيا في المنطقة، ويعتقد كثيرون أن الأمر سيقف عند حد معين. لكن بالطبع الأمر ليس كذلك، ومن الصعب جدا توضيح سبب اختلاف التغيير في سورية».