تركيا قلقة من «القمع الدامي» في سورية.. وتدعو قيادتها إلى عدم «إضاعة الوقت»

وسط تحذيرات من فقدان أنقرة مصداقيتها في المنطقة بسبب «الصداقة مع الطغاة»

TT

أعربت تركيا عن «ضيق صدرها» إزاء «تردد النظام السوري في الاستماع إلى مطالب شعبه». وحذرت مصادر تركية رفيعة المستوى من «عواقب لسياسة القمع»، معتبرة أن الاستمرار في هذه السياسات من شأنه «تعريض العلاقات الثنائية إلى توتر لا نريده ولا نسعى إليه». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن القيادة التركية «بعثت بالعديد من الرسائل في هذا الإطار عبر قنوات الاتصال المشتركة، وهي تريد أن ترى ترجمة للوعود، وعدم رمي المشكلة وراء الظهر بردها إلى (تدخلات خارجية)». وقالت المصادر إن «الكثير من النصائح أسديت، لكننا لم نر بعد أي مؤشرات على أن النظام فهم ما نعنيه»، من دون أن تصل إلى حد اعتبار البيان الرسمي التركي الصادر أمس «قطعا للأمل من الاستجابة السورية، بل تحفيز لها».

وفي موقف لافت، أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا أعربت فيه عن «قلقها الكبير» مما سمته «القمع الدامي»، في وقت تصاعدت فيه أصوات في الداخل التركي تشكك في السياسات التي اتبعتها أنقرة في التعاطي مع ملفات المنطقة، وتحديدا في ليبيا وسورية. ودعت الخارجية التركية في بيان أصدرته «السلطات إلى التصرف بأقصى قدر من ضبط النفس، والإحجام عن العنف واعتماد الوسائل الملائمة أمام المظاهرات الضخمة». وقال البيان إن الإصلاحات في سورية «ينبغي إجراؤها بتصميم وإنهاؤها بأسرع وقت ممكن وتطبيقها من دون إضاعة الوقت. كما على السلطات السورية التصرف عملا بروح ونص الإصلاحات المعلنة».

وتأتي هذه المواقف، على خلفية نقاش داخلي تركي، ينتقد «تفضيل القيادة التركية العلاقات الشخصية على المصلحة العامة»، في إشارة إلى العلاقات المميزة التي تربط رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، فيما بدا واضحا «التخبط» التركي في التعاطي مع الملف السوري، من خلال الإشارات المتناقضة، ففي حين كانت البيانات الرسمية التركية تتحدث عن دعم الإصلاحات التي يقوم بها الأسد، كانت التصرفات التركية تشير إلى غير ذلك، من خلال استضافتها القيادي في حركة (الإخوان السورية) المحظورة رياض الشقفة، وعقده لمؤتمر صحافي في إسطنبول، بالإضافة إلى استضافتها مؤتمرا لشعراء الثورات العربية يضم عددا من السوريين المعارضين تنطلق أعماله الثلاثاء المقبل.

وتحت عنوان «هل تخسر تركيا مصداقيتها؟» في الشرق الأوسط، كتبت الناقدة آماندا بول في صحيفة «زمان توداي» الواسعة الانتشار والقريبة من حزب «العدالة والتنمية» (الحاكم) تقول إن بعض الإجراءات الأخيرة، وتصريحات القيادات التركية «هزت مصداقية أنقرة التي حصلت عليها من خلال تعاطيها خلال الأزمة في مصر، وإن هذه المصداقية انحسرت بسرعة بعيدا بسبب تصرفاتها فيما يتعلق بليبيا وسورية الآن، البلدين اللذين يداران من قبل طغاة يتمتعون بعلاقات حميمة برئيس الوزراء (رجب طيب) أردوغان وآخرين في فريقه». ولاحظت الكاتبة بقلق «المشاعر المعادية للأتراك من إخوانهم المسلمين»، واصفة الثناء الذي يقدم للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأنه بمثابة «ملح يفرك في هذا الجرح».

وإذ لاحظت أن آخر بيان لوزارة الخارجية التركية طلب عدم تمرد السوريين ودعم الإصلاحات التي اقترحها الرئيس السوري بشار الأسد، اعتبرت أن هذا الموقف «خطأ فادح». وقالت: «الأسد وعشيرته القوية يديران واحدة من الديكتاتوريات في العالم الأكثر وحشية. وكانت رسالة تركيا خاطئة لإرسالها إلى سكان بلد قد يكون شعبه من أكثر المعجبين بالسياسة التركية نظرا لقربها، مما أتاح للعديد من السوريين عبور الحدود»، مشيرة إلى أنه بدلا من إظهار التفهم «أرسلت الرسالة أن أنقرة تدعم هذا النظام القاسي والغادر».

وإذ رأت أن رفع حالة الطوارئ، ليس كافيا، قالت إن أردوغان وغيره يجب أن يبلغوا الأسد بالرسالة نفسها التي قدموها للرئيس مبارك، حيث الاستماع إلى الناس وترك الحكم. وقالت: «السوريون يريدون رحيل هذا الرجل ونظامه (...)، وهم يستحقون الدعم وليس خرافة الإعلانات والوعود الفارغة بأن هذا الرجل قد تغير، ويمكن أن يحقق لهم الإصلاح والديمقراطية».