نائب الأمين العام للجامعة العربية: اجتماع 8 مايو لتقرير مصير قمة بغداد ومنصب الأمين العام

بن حلي لـ«الشرق الأوسط»ـ: الجامعة ستواكب التحولات الحالية.. وستستفيد من مناخ الثورات العربية لتطوير أهدافها

السفير أحمد بن حلي
TT

كشف نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد بن حلي ما يدور من ملابسات حول إلغاء أو تأجيل القمة العربية المقرر انعقادها في بغداد، وأكد أن اجتماع وزراء الخارجية العرب تم تقديمه من 15 مايو (أيار) إلى 8 من نفس الشهر، مشيرا إلى حرص الدول العربية على الإعداد الجيد والتمثيل المناسب لهذه القمة المهمة، التي ستعقد في توقيت حساس ومهم للغالية نظرا لما يحدث من تطورات في المنطقة العربية. وتحدث بن حلي حول البدائل المطروحة لانعقاد القمة واختيار أمين عام جديد للجامعة العربية، مؤكدا أن الأمانة العامة تسلمت حتى الآن مذكرة ترشيح لمنصب الأمين العام من مصر وقطر فقط، وسيتم البت في الترشيح في اجتماع وزراء الخارجية المقبل. واستبعد بن حلي أن تستغل إيران ما يحدث من سوء فهم بين الدول العربية والعراق للسيطرة على الأخيرة باعتبارها جسما عربيا غريبا داخل المجموعة العربية. وأكد أن الجامعة العربية ستواكب التحولات الجارية وستدفع بقوة حركة الإصلاحات والاقتراب أكثر من مشاغل المواطن العربي، كما ستستفيد من مناخ الثورات العربية لتطوير أهدافها. وفي ما يلي نص الحوار:

* أليس قرار تأجيل القمة العربية المقبلة في بغداد سيكون له رد فعل سلبي لدى العراقيين وعلى مستقبل العمل العربي المشترك، وألا ترى أن التطورات الحالية في العالم العربي تدفع للإسراع بانعقاد القمة وليس تأجيلها؟

- بالفعل هناك عدم ارتياح في العراق لتأجيل انعقاد القمة العربية، خصوصا أن العراق قد استكمل جميع التحضيرات اللازمة لانعقاد القمة، وتزينت بغداد لاستقبال هذه المناسبة العربية الهامة. ولكنني أعتقد أن الإخوة في العراق يتفهمون جيدا الظروف العربية الراهنة ويدركون أن انعقاد القمة ليس هدفا في حد ذاته كما جاء على لسان هوشيار زيباري وزير خارجية العراق. أضف إلى ذلك بعض التعقيدات التي سببتها التصريحات الصادرة عن مسؤولين عراقيين على أعلى مستوى بخصوص دول عربية معينة، خصوصا تجاه التعامل العربي مع الوضع في مملكة البحرين، وهذه التصريحات العراقية كانت تنقصها الحصافة السياسية، وكانت خارجة عن الإطار العربي المتفق عليه خلال اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب.

ولذلك لا بد من التريث لمعالجة آثارها وإصلاح ذات البين بشأنها، كما أن هذه القمة ستعقد في مرحلة فارقة من تاريخ المنطقة العربية التي تشهد ثورات شعبية جارفة تدعو إلى الإصلاح والتغيير السريع في الأنظمة والمؤسسات الدستورية، ولذلك لا بد أن ينعكس ذلك على جدول أعمال القمة، فضلا عما يشهده الصراع العربي الإسرائيلي من جمود في عملية السلام وتصدع الصف الفلسطيني وتمادي سلطات الاحتلال في مخططاتها الاستيطانية لتغيير الواقع على الأرض، وكل هذه التطورات تتطلب إعدادا جيدا استعدادا للقرار الدولي الذي من المفترض أن يصدر خلال الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن في شهر سبتمبر (أيلول) القادم بخصوص الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس. وكذلك الوضع الإقليمي المضطرب، خصوصا في منطقة الخليج العربي، كل هذه الأمور لا بد من دراستها بعمق وروية وإيجاد التوافق العربي عليها للخروج بالنتائج المرجوة لقمة عربية ناجحة.

وأؤكد هنا أن العراق الذي يشكل ركنا أساسيا في النظام العربي من حقه أن يستضيف القمة العربية ويدير دفة العمل العربي المشترك على مدار سنة كاملة، كما ينص على ذلك ميثاق الجامعة العربية.

* ألا ترى أن كل هذه الأسباب والظروف تدفع باتجاه انعقاد القمة وليس تأجيلها، خصوصا أن وجهة نظر البعض تقول: إذا لم تكن هناك قمة عادية فإن الوضع العربي يستوجب عقد قمة طارئة؟

- نحن مع مبدأ انعقاد القمة العربية وانتظامها، لكن لا ينبغي التركيز على هدف الانعقاد في حد ذاته وإنما يجب الإعداد لها على أعلى مستوى من حيث التمثيل والأجندة ورصد ما يحدث من تطورات، وهذا يحتاج إلى توافق على جدول الأعمال الذي لن يكون تقليديا وإنما سيكون متميزا.

فهناك ثلاثة أمور أساسية لا بد أن تبحثها أي قمة مقبلة، وهي: أولا: التحولات الكبرى والثورات التي تحدث في المنطقة وتأثيرها على الأمن القومي والتعامل معها. ثانيا: الأمن الإقليمي العربي في ظل تطورات الوضع في البحرين. ثالثا: النظر في تطوير جامعة الدول العربية، بمعنى أن لا يجب أن نبقى في دائرة إدارة الأزمات الطارئة والدائمة، وننسى الملفات والقضايا الكبرى، وخصوصا موضوع التكامل بين الدول العربية، ومصالح المواطن العربي.

* هل هناك اتجاه أو تفكير لعقد قمة العراق في أي دولة خليجية وبرئاسة العراق أيضا، كنوع من تحسين العلاقات العراقية - الخليجية، على أن تعقد قمة طارئة بعد ذلك في العراق؟

- موضوع القمة وتأجيلها غير مرتبط بالأوضاع الأمنية واستقرارها في العراق، لأننا اتفقنا على أن تعقد القمة في العراق لمدة يوم واحد، وهذا الأمر يمكن التحكم فيه أمنيا وكل الاجتماعات التحضيرية في مقر الجامعة. لكن المسؤولين العراقيين يصرون على عقد القمة في بغداد، وهذا ما ألمسه من خلال اتصالاتي اليومية معهم، وذلك بهدف عودة العراق إلى دوره العربي بعد أن غاب عنه لفترة طويلة.

* البعض يرى أن عقد القمة في بغداد في الوقت الحالي مهم لتوجيه رسالة واضحة تؤكد أن أمن العراق والمنطقة جزء أساسي من الأمن القومي العربي , خصوصا في ظل قلق خليجي من التدخلات الإيرانية في المنطقة؟

- المنطقة العربية كلها في حالة غليان، ومنطقة الخليج جزء مهم منها، وتيار التغيير الجارف الذي تشهده المجتمعات العربية يتطلب الرصانة والحصافة السياسية وبُعد النظر للتعامل مع هذه المطالب الشعبية. العراق جزء منه، وهو ثائر حاليا نحو التغيير والتخلص من الوجود الأجنبي ومتمسك بهويته وانتمائه العربي، وقد بدأ بالفعل يتعافى ويستعيد توازنه، كما بدأ يتحصن أكثر من التأثيرات الخارجية في مصيره ومقدراته، لذلك لا خوف عليه من التأثيرات الإقليمية، العراق سيستعيد خلال الفترة القصيرة القادمة دوره المؤثر في الأوضاع من حوله وليس العكس.

نحن مطمئنون بأن العراق الذي يتعافى ويعيد توازنه سيكون عراقا جديدا، وسوف يسترجع دوره ومكانته لدرجة سوف يؤثر في محيطة ولن يكون تابعا، بدليل أن تشكيل حكومته استغرقت مشاورات ستة أشهر من أجل التوافق على حكومة وحدة وطنية يدل أيضا على أن أهل العراق أمسكوا بزمام أمورهم.

* طرح البعض فكرة عقد القمة العربية الطارئة الثانية في البحرين لدعمها في مواجهة ما تتعرض له من تدخلات إيرانية، إذا ما اتفق على عقد القمة العادية في بغداد.. ما إمكانية تحقيق ذلك؟

- كل الأفكار مطروحة للنقاش.. لكن الجامعة اقترحت الآن بعد المشاورات التي أجراها الأمين العام مع عدد من الدول العربية ووزراء الخارجية أن يعقد يوم 8 مايو اجتماع وزاري خاص للنظر في أجندة القمة العربية وتاريخها، وتعيين أمين عام جديد خلفا للسيد عمرو موسى. وهناك مقترحات لعقد هذا الاجتماع قبل حتى هذا التاريخ. وبشكل عام، الأمانة العامة للجامعة مع انعقاد القمة العربية في موعدها ومكانها، لكن الدول العربية هي التي لها الكلمة الأولى والأساسية، وتقرر موعد ومكان القمة. ودور الجامعة هو التنسيق والمتابعة.

* كيف سيتم انتخاب الأمين العام الجديد في غياب انعقاد القمة التي من بين اختصاصها تعيين الأمين العام؟ وهل هناك ترشيحات أخرى من الدول غير مصر وقطر؟

- تسلمت الأمانة العامة حتى الآن مذكرة ترشيح لمنصب الأمين العام من مصر وقطر فقط. وبخصوص الجزائر فقط أعلن وزير خارجيتها أن بلاده ليس لها مرشحا لهذا المنصب ودعا للتوافق من أجل اختيار الأمين العام الجديد. وقد قامت بتعميم هذه الترشيحات على الدول الأعضاء، ونظرا لتأجيل انعقاد القمة فقد طلبت الأمانة العامة من رؤساء وفود الدول الأعضاء الذين يشاركون في اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم 8 مايو القادم. أن يأتوا للاجتماع بتفويض من قبل رؤساء وملوك دولهم للبت في موضوع تعيين الأمين العام الجديد، ونتطلع أن يتم هذا التعيين بالتوافق على غرار ما هو جار العمل به في السابق. أما في حالة اللجوء إلى التصويت فإن الفائز لا بد وأن يحظى بموافقة ثلثي الدول الأعضاء وهذا إجراء قانوني سليم ينبغي النظر إليه بعين الرضا والقبول.

أما موضوع تدوير منصب الأمين العام، فهو لم يعد مطلبا. لكني تابعت بعد ثورة 25 يناير في مصر ما صدر من تعليقات لعدد من الكتاب والمفكرين المصريين الذين يرون انه ليس بالضرورة أن يكون منصب الأمين العام مقتصرا على دولة المقر، والواقع أن الأمين العام عمرو موسى قد أحدث توازنا عربيا غير مسبوق في الجامعة العربية ومؤسساتها بعد أن أفسح المجال للشباب العربي من مختلف الأقطار العربية للالتحاق بالجامعة عن طريق إجراء مسابقات مقتصرة على الدول غير المتمسكة لحصتها في وظائف الجامعة، وعلى سبيل المثال نجد أن رؤساء بعثات الجامعة في العواصم الأجنبية يمثل أكثر من 15 دولة عربية، إضافة إلى مستشاري الأمين العام والنائب وكلهم ليسوا من دولة المقر.

* هل يعني تفويض الملوك والرؤساء العرب لوزراء الخارجية اختيار المرشح لمنصب الأمين العام، إلغاء انعقاد القمة؟

- إذا كان تأجيل انعقاد القمة إلى ما بعد 15 مايو، ومدة عمل الأمين العام الحالي عمرو موسى سوف تنتهي في هذا التاريخ، فلا بد من حل في اتجاه، إما انتخاب الأمين العام الجديد وإما تأجيل انتخابه ووضع آلية لإدارة المدة الباقية لحين انعقاد القمة، وكل هذه المقترحات مطروحة في اجتماعات وزراء الخارجية يوم 8 مايو.

* هل ترى أن بعض الاعتراضات التي تقف في طريق المرشح المصري الدكتور مصطفى الفقي قد تؤثر على اختياره لهذا المنصب؟

- الموضوع سوف يتم حسمه بمواقف الدول العربية وليس بما يثار في وسائل الإعلام المصرية، والذي اعتبره نوعا من الحراك الديمقراطي، والجميع يتحدث عما يريد، لكن مصر رشحت شخصية، وهي مطروحة، وسوف يتم التعامل مع الترشيح المصري في الاجتماع الوزاري وفقا لميثاق الجامعة واللوائح التي تقتضي ذلك.

* في ظل الثورات العربية التي يقودها الشباب.. كيف يمكن تفعيل دور الشباب في الجامعة العربية في الفترة القادمة؟

- نحن سبقنا ثورة الشباب، والسيد عمرو موسى الأمين العام الحالي فتح أبواب الجامعة لاستقطاب الكفاءات الدبلوماسية العربية الشابة من خلال تنظيم مسابقة كل عام تعتني بهذا الموضوع، كما أنه وفي كل القمم العربية يتقدم الشباب بمقترحات تقدم للقادة العرب مباشرة.

* هل ما زالت الدول العربية حريصة على أن يكون للجامعة دور يمكن تقويته، أم أنها تريد التخلص منها لأنها أصبحت عبئا عليها؟

- بالعكس الجميع حريص على الجامعة العربية وتقويتها وعلى إعطائها دورا متقدما ولكن بشكل متدرج وحتى لا تحدث هزات، ونحن نريد أن يكون التطوير بشكل سلس ويخدم المصالح العربية. الآن نعيش عهدا عربيا جديدا يهتم بالإصلاحات، والجامعة العربية هي جزء من هذا المناخ الديمقراطي.

* ما الصلاحيات الجديدة التي يجب أن تعطى للجامعة العربية وأمينها العام من أجل تنشيط دور الجامعة؟

- لا بد أن يمكّن الأمين العام من إصدار بعض القرارات التي لا تحتاج إلى العودة إلى مراجعة الدول الأعضاء فيها، وعلى سبيل المثال أن يقترح الأمين العام مشاريع اقتصادية، أو توحيد زي رجال الإسعاف، أو أن يحصل رجال الأعمال العرب على تأشيرة لمدة عشر سنوات حتى لا تعاق مهامهم، فهناك كثير من الأمور التي تشبه العمل بها في الاتحاد الأوروبي.

* في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها عدد من الدول العربية.. كيف يمكن الحديث عن مستقبل الإصلاح والتغيير في الجامعة؟

- هذا موضوع كبير، لكن يمكن الرد عليه ضمن عناوين عامة مثل:

أولا: أن تواكب الجامعة التحولات الجارية في الدول العربية وتدفع بقوة حركة الإصلاحات والاقتراب أكثر من مشاغل المواطن العربي، وأن تستفيد من مناخ الثورات العربية لتطوير أهداف الجامعة، ومنها بعض التخصصات الجديدة بحيث يتنازل أعضاؤها عن قدر مناسب من السيادة القطرية لصالح العمل الجماعي في المسائل الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي تخدم المواطن العربي.

ثانيا: إعادة ترتيب الأولويات لأجندة الجامعة والتخفيف من التركيز على إدارة الأزمات السياسية وإعطاء الأولوية لتنفيذ المشاريع الكبرى.

ثالثا: الابتعاد عن القرارات الارتجالية والاعتماد على مراكز الأبحاث والدراسات والخبراء لإعداد الخطط والبرامج العربية ذات الصبغة الاستراتيجية في مجالات معينة، مثل الأمن القومي العربي والمشاريع التنموية والإصلاحات السياسية وقضايا البحث العلمي والصناعات التكاملية والتقدم التكنولوجي، التي تتطلب أموالا طائلة وإجراءات عربية عالية المستوى.

رابعا: القيام بدراسات جادة للمشروع الذي قدمه عمرو موسى خلال القمة الماضية في سرت حول رابطة الجوار العربي الإقليمي، وذلك من منظور عربي جماعي، وفي ضوء المبادرات والسياسات القائمة على المستوى الإقليمي.

* ما موقف الجامعة العربية من مبادرة مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة في اليمن؟

- الجامعة تؤيد مبادرة مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة اليمنية، وتعتبرها عملا جادا يصب في النهج السليم لأسلوب معالجة الأزمات العربية في الإطار العربي، ونأمل أن يتجاوب الإخوة في اليمن، وأن يبتعدوا عن التعنت، وذلك من أجل مصلحة الوطن واستقراره.