نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لـ «الشرق الأوسط»: الإصلاح حتمي لاستقرار المنطقة

إدارة أوباما تواصل دعمها للمجتمعات المدنية في الدول العربية بهدف «تغييرات تتماشى مع احتياجات الشعوب»

تمارا ويتيس
TT

بينما تعمل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على التعامل مع متغيرات الشرق الأوسط، فإن هناك بلورة جديدة لمفهوم «الاستقرار» في المنطقة، من حيث التحالفات والشراكات في المنطقة. واعتبرت نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية تمارا ويتيس أن الاستقرار في المنطقة بات مرتبطا، لا محالة، بالإصلاح ومعالجة التحديات المتفاقمة في المنطقة، رافضة في الوقت نفسه التهم الموجهة للإدارة الأميركية بتحريك الشارع العربي ضد الأنظمة العربية. وشرحت ويتيس في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» أن الأمر لا يتعلق بتغيير الأنظمة، بل إحداث تغييرات تتماشى مع احتياجات الناس، وأعتقد أنه «في دول حول المنطقة هذه حتمية يشعر بها الجميع».

وهناك رؤية واضحة في الأوساط الأميركية السياسية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان في ما يحدث في المنطقة. وقالت ويتيس: «من حق كل مواطن ممارسة النشاط المدني والتعبير عن مشكلة في بلده والعمل على معالجتها، وكدولة وحكومة نحن ندعم الحقوق العالمية، مثل حق التعبير الحر وحرية تكوين التجمعات والتنظيمات من أجل قضية معينة، بالإضافة إلى حرية التظاهر السلمي، هذه حقوق عالمية وغالبية الدول العربية وقعت على الوثائق الدولية حولها». وأضافت: «النقاش في العالم العربي حول الإصلاح يدور منذ سنوات»، مما يؤثر على التطورات الآن. ودافعت ويتيس عن موقف الولايات المتحدة، قائلة: «دورنا ليس وضع أجندة معينة، بل دورنا هو الدفاع عن الحقوق الدولية ودعم الأشخاص الذين يعملون في إطارهم المحلي لإحداث التغييرات في مجتمعاتهم». وتولت ويتيس منصب نائبة مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، مع التركيز على دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009.

وبالطبع، هناك مصالح أميركية أبعد عن السياسة المعلنة لدعم «المبادئ» و«الحقوق». وهذا أمر تقره ويتيس، ولكنها تصور المصالح الأميركية بصورة مختلفة، قائلة: «مصالحنا في المنطقة حول الاستقرار، لدينا مصلحة قوية في (حماية) أمن حلفائنا في المنطقة، وذلك يتطلب الاستقرار، ولدينا مصلحة في إعادة اندماج العراق في العالم العربي، وذلك يتطلب الاستقرار، ولدينا مصلحة في التدفق الحر لمصادر الطاقة للأسواق العالمية، وذلك يتطلب الاستقرار، ولدينا مصلحة في مكافحة التطرف العنيف ومنع انتشاره الذي يستهدف الناس حول العالم، وذلك يتطلب الاستقرار». وبينما كانت السياسة الأميركية عادة تعتبر «الاستقرار» يتبع استقرار الأنظمة الحليفة لواشنطن، فإن ويتيس قدمت تفسيرا مختلفا للاستقرار، قائلة: «استقرار المنطقة يتطلب بوضوح الإصلاح. التحديات التي تواجه دول المنطقة تتفاقم منذ فترة طويلة، وهذه لحظة وقفت فيها الشعوب، وقالوا لا يمكن لنا الانتظار بعد الآن لمعالجة هذه التحديات، كمواطنين نقول حان الوقت لمعالجة هذه التحديات». وأضافت أن على القادة السياسيين وقادة المجتمع المدني والقادة في القطاع الخاص العمل سويا من أجل «استقرار ونجاح المنطقة». وردا على سؤال حول انتقال السياسة الأميركية من اعتبار الأنظمة الحليفة مصدر الاستقرار إلى اعتبار الإصلاح هو مصدر الاستقرار، أجابت ويتيس: «وزيرة الخارجية (كلينتون) قالت قبل أيام إنه عندما تكون هناك فجوة بين الحكومة من جهة واحتياجات الشعب وطموحاته من جهة أخرى، ذلك يجعل الدولة أكثر هشاشة وليست أكثر استقرارا». وأضافت: «نحن نقر بذلك منذ فترة، وهذه الإدارة تحديدا تعترف بضرورة تواصلنا مع الناس حول المنطقة، وهذا ما نركز عليه منذ خطاب القاهرة» الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما في يونيو (حزيران) 2009 حول «بداية جديدة» بين الولايات المتحدة والمسلمين. وتابعت: «نحن نتحدث مع حكومات المنطقة حول الحاجة للإصلاح منذ فترة طويلة، ولم يكن لدينا بالضرورة التأثير الذي نريده، ولكن هناك الكثير من الأسباب وراء ذلك، ولكننا نثير هذه القضية من خلال دبلوماسيتنا، وليس فقط لالتزامنا بهذه المبادئ، بل أيضا لاهتمامنا بالاستقرار بعيد الأمد ونجاح المنطقة».

وردا على سؤال حول دعم الولايات المتحدة لأحزاب أو حركات معارضة للأنظمة العربية، التي تعمل كمنظمات مجتمع مدني بسبب أن الكثير من الدول العربية لا تسمح بالعمل الحر للأحزاب السياسية، قالت ويتيس: «إن الكثير من منظمات المجتمع المدني تعمل على قضايا متعلقة بالسياسة، ولكن الأحزاب السياسية تدخل في سباق سياسي، بينما منظمات المجتمع المدني تعمل في إطار الحكومة الموجودة». وأضافت: «الحكومة الأميركية لا تختار فائزين ولا تمول أحزابا سياسية، وعندما نعمل على برامج تنمية أحزاب سياسية أو تدريب مرشحين سياسيين، برامجنا تكون حيادية، وهذا أمر مهم. ما ندعمه هو مجموعة من المبادئ منها الحقوق السياسية البسيطة وحرية الاختيار في انتخابات حرة وعادلة وخيار القادة السياسيين والحصول على القضاء العادل والحيادي».

وعند الحديث عن التطورات في المنطقة خلال الأشهر الماضية، عادة ما يشير مسؤولون أميركيون إلى خطاب القاهرة، بالإضافة إلى خطاب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الذي ألقته بداية العام وناشدت فيه الأنظمة العربية التواصل مع شعوبها ومعالجة التحديات أمامها. وفي ذلك الخطاب، الذي ألقي في «منتدى المستقبل» في الدوحة، أكدت كلينتون ضرورة انتهاز الفرص والعمل الفوري، الأمر الذي تقول ويتيس إنه بات ملزما لتقدم المنطقة.

وشددت ويتيس على أن المطالب بالإصلاح والتطورات في المنطقة «لا تتعلق بتغيير الأنظمة، بل إحداث تغييرات تتماشى مع احتياجات الناس، وأعتقد أنه في دول حول المنطقة هذه حتمية يشعر بها الجميع». وأضافت: «النقاش حول ضرورة الإصلاح ليس مفاجئا واستمر منذ فترة، إلا أنه باتت له ضرورة أكبر الآن في التطبيق الأسرع».

وهناك جدال في المنطقة، وأيضا في الولايات المتحدة حول دور واشنطن في تدريب ودعم الجماعات التي نظمت الاحتجاجات في المنطقة، من تدريب رموز من المجتمع المدني إلى تزويدهم بالتقنيات التي ساعدت في توسيع نطاق النشاط السياسي. وترفض ويتيس تحمل الولايات المتحدة مسؤولية ما حدث من ثورات في مصر وتونس أو اضطرابات في المنطقة، قائلة: «لا يمكننا أن ننسب ذلك لتصرفاتنا، ما يحدث في المنطقة ومصر وتونس إنجازات حققها المصريون والتوانسة، والشعوب هي التي حركت هذه الثورات بطريقة لم يكن من الممكن لأحد أن يتوقعها، وكانت لديها نتائج لم يكن من الممكن توقعها أيضا، إذ كيف يمكن لأحد أن ينسب هذه الإنجازات لنفسه؟». وأضافت: «أعتقد أن ما أدى إلى هذه الأحداث هي أمور داخلية في المنطقة وأنماط أخذت تتطور منذ زمن، العدد المهول من الشباب المتعلمين بشكل جيد والواعين الذين يعرفون ما يريدونه ويريدون تحقيقه، هذا ليس أمرا اختلقه أحد، بل هو واقع ديمغرافي، بالإضافة إلى وقع تقنية المعلومات وتحول الإعلام إلى إعلام عالمي وحصول الشعوب على المزيد من المعلومات وإمكانهم الاتصال مع بعض وحول المنطقة، وكان بإمكانهم رؤية الفرص التي يحصل عليها الآخرون وأرادوها لأنفسهم»، موضحة: «كل هذه أنماط كانت تنمو في المنطقة وما حدث يخص تلك المنطقة». وتحدثت ويتيس عن أهمية «نمو المجتمع المدني»، بالإضافة إلى «المشاركة المدنية» خلال السنوات الماضية في دفع التطورات في المنطقة وإشراك المزيد من المواطنين في التحركات الحالية. وهنا لفتت ويتيس إلى دور «مبادرة الشراكة الأميركية – الشرق أوسطية» (المعروف بـ«ميبي» وهي الأحرف الأولى بالإنجليزية لاسم المبادرة) وهو البرنامج الأميركي الرسمي لدعم منظمات المجتمع المدني في المنطقة. وقالت ويتيس وهي المسؤولة الأولى عن البرنامج: إن «ما حاولنا أن نفعله من خلال (ميبي) هو التواصل مع هؤلاء في المنطقة الذين كانوا يعملون على هذه القضايا». ويذكر أن الدعم المالي الذي يقدمه البرنامج الأميركي يأتي بناء على تقديم منظمة ما مقترحا بمشروع ما ومن ثم تقيم وزارة الخارجية ذلك المشروع وتقرر ما إذا كان سيمول. وقالت ويتيس: «هم الذين يقدمون المقترح ويوضحون ما يحتاجونه». ولفتت ويتيس إلى أهمية التواصل بين منظمات المجتمع المدني في المنطقة وتتعلم كل واحدة من الأخرى، قائلة: «البرنامج ساعد في خلق الروابط بين المنظمات في المنطقة والتواصل بينها، على سبيل المثال أحد مشاريعنا ساعد في بناء رابط بين سيدات الأعمال في المنطقة، فسيدات الأعمال في دبي يساعدن سيدات الأعمال في الجزائر». وأضافت: «إلا أن ما يفعله الناس بالدعم أو التدريب الذي يحصلون عليه، هو أمر عائد لهم، ومن هنا تأتي قوة ما رأيناه يحدث». وردا على سؤال حول دور واشنطن في دعم النشطاء في مصر وتونس تحديدا، في تحقيق الثورات هناك، أجابت: «النشطاء الشباب في مصر وتونس كانوا يعرفون ما يريدونه ويحتاجونه وكانوا يبحثون عن طرق لتطوير المهارات وتعلم التقنيات لتحقيق أهدافهم، وقدرتهم على التواصل مع النشطاء ومنظمات غير حكومية مبنية على حق التواصل مع الآخرين». وأضافت: «من حيث لعبنا دورا في ذلك، كان الأمر يتعلق بتسهيل هذا التواصل بدلا من خلقه».

وتقول النبذة عن برنامج «ميبي» في موقعه الإلكتروني إن «(ميبي) برنامج متميز صمم خصيصا للتواصل المباشر مع الناس والاستثمار في شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا... تعمل (ميبي) على إيجاد شراكات حيوية مع المواطنين لتعزيز تنمية مجتمعات تعددية تشاركية ومزدهرة مع المنظمات غير الحكومية المحلية منها والإقليمية والدولية، ومع القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والحكومات عبر المنطقة». ولدى البرنامج مكتبان إقليميان في أبوظبي وتونس، ويقول الموقع الرسمي للبرنامج الأميركي إنه يقوم بـ«بتمويل برامج تساعد على وضع لبنات الإصلاح الديمقراطي في أماكنها الصحيحة». وخلال الأعوام السبعة الماضية، خصص البرنامج أكثر من 530 مليون دولار لأكثر من 600 برنامج في17 بلدا. ويشكل تمويل مبادرة الشراكة الشرق أوسطية إضافة للمساعدة الاقتصادية الثنائية التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا لبلدان المنطقة. ويذكر أن أكثر من نصف المشاريع التي تقوم بها «ميبي» هي مشاريع تمويل مباشر للمنظمات غير الحكومية، بينما هناك برامج أخرى للتواصل بين المنظمات في المنطقة. ويعتبر «منتدى المستقبل» الذي أطلق قبل سبعة أعوام أحد أهم العناصر لدعم المجتمع المدني في المنطقة. وقالت ويتيس إن المنتدى، الذي يجمع بين وزراء خارجية دول مجموعة الثماني ووزراء الخارجية العرب وممثلين عن المجتمع المدني، «ساعد مجموعات المجتمع المدني بالعمل سويا ومناقشة أولوياتهم من خلال تقديم مقترحاتهم سنويا للمنتدى، وكانت هذه عملية مهمة لهم». ولفتت إلى توليد الأفكار خلال هذه العملية والتواصل بين المنظمات من خلال المجتمع الدولي، بالإضافة إلى تقديم مقترحات معينة تم تبنيها من قبل الحكومات مثل «قضايا متعلقة بالاستثمار ودعم التعليم وغيرها من أولويات تم تحديدها في المنتدى». ولكنها أردفت: «بشكل أساسي، كان هدف المنتدى توليد حوار بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع الدولي وكل المؤسسات، حول توليد الحوار في اجتماع كبير، وشكل ذلك تحديا، ولكن كان اجتماع العام الحالي مختلفا»، مشيرة إلى مشاركة أعضاء من الأطراف الثلاثة في ندوات مشتركة وحضور ممثلين عن المجتمع المدني في اجتماع صياغة البيان الختامي للمنتدى.