القاهرة تعيد رسم سياسة خارجية تعكس اتجاه الرأي العام

المتحدثة باسم الخارجية: مصر تستعيد دورها الذي تركته

TT

ترسم مصر في الوقت الراهن مسارا جديدا لسياستها الخارجية بدأ بالفعل يغير من المنظومة القائمة داخل منطقة الشرق الأوسط، وتخطط مصر حاليا لفتح الحدود مع قطاع غزة وتطبيع العلاقات مع اثنين من أعداء إسرائيل والغرب؛ حماس وإيران.

ويقول مسؤولون مصريون، مثلت الثورة لهم عنصر قوة وأعينهم على الانتخابات المقبلة، إنهم يتحركون تجاه سياسات تعكس بدرجة أكبر الرأي العام. وخلال هذه العملية يسعون إلى استعادة نفوذ مصر داخل المنطقة بعد أن تراجع مع تحوّل مصر إلى حليف لواشنطن والإسرائيليين خلال أعوام ما بعد التوقيع على معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

وجاء أول استعراض مهم لهذا المسار الجديد في اتفاق توصلت إليه مصر يوم الأربعاء للمصالحة بين حركة فتح الفلسطينية العلمانية وحركة حماس المنافسة. وقالت السفيرة منحة باخوم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية المصرية: «نفتح صفحة جديدة، لقد بدأت مصر تستأنف دورها الذي تركته».

ومن المتوقع أن تؤدي التحولات المصرية إلى تغير في توازن القوى داخل المنطقة، وأن تتيح لإيران قدرة جديدة على التواصل مع ما كان في السابق خصما يصعب إرضاؤه. وفي المقابل ستؤدي إلى بُعد بين مصر وإسرائيل، التي تراقب التغيرات الحادثة بحذر. ويقول مسؤول إسرائيلي: «نشعر بالقلق إزاء بعض الإجراءات الأخيرة المقبلة من مصر»، وذكر «التقارب بين إيران ومصر» و«تحسن العلاقات بين مصر وحماس».

وقال المسؤول الإسرائيلي، شريطة عدم ذكر اسمه لأن هذه القضايا ما زالت محل نقاش في القنوات الدبلوماسية: «قد يكون لهذه التطورات تأثيرات استراتيجية على الأمن الإسرائيلي».

واستطرد قائلا: «في الماضي كانت حماس قادرة على إعادة تسليح نفسها، بينما كانت مصر تبذل محاولات لمنع ذلك. والآن إلى أي مدى يمكنهم بناء منظومتهم الإرهابية في غزة لو توقفت مصر (عن هذه المحاولات)؟». وكانت إسرائيل تعتمد على مساعدة مصر في مراقبة الحدود مع قطاع غزة، حيث يتم تهريب الأسلحة والسلع إلى حماس عبر الأنفاق.

وفي معرض إحداث التوازن بين استقلالها الجديد وولاءاتها القديمة، تؤكد مصر على جميع التزاماتها، بما في ذلك معاهدة السلام مع إسرائيل، بحسب ما أكدته السفيرة باخوم، وقالت إنها تأمل في أداء أفضل فيما يتعلق بالالتزام ببعض بروتوكولات حقوق الإنسان التي وقّعت عليها. ولكن، قالت إن الحصار المفروض على الحدود مع غزة وقيام مصر في السابق بذلك يعد شيئا «مخزيا»، وإن مصر تنوي فتح الحدود «بصورة كاملة» في وقت قريب.

وأضافت أنه في نفس الوقت فإن مصر في معرض تطبيع العلاقات مع إيران، تلك القوة الإقليمية التي تعتبرها الولايات المتحدة دولة منبوذة وخطرة.

وقالت السفيرة باخوم: «لدى جميع الدول علاقات دبلوماسية مع إيران باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل. ننظر إلى إيران على أنها جار داخل المنطقة يجب أن تكون علاقتنا طبيعية معه. لا تعتبر إيران عدوا كما كان الحال إبان النظام السابق، ولا تعتبر صديقا».

ويقول الكثير من المحللين والدبلوماسيين السابقين إنه من خلال رسم طريق أكثر استقلالا، ستستعيد مصر أيضا معيارا للقوة يأتي مع المرونة في تقديم الدعم ومنعه.

ويقول نبيل فهمي، عميد كلية الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأميركية في القاهرة، والسفير المصري السابق لدى الولايات المتحدة، إنه إذا كانت مصر ترى في رفض إسرائيل وقف بناء المستوطنات بالضفة الغربية عقبة أمام السلام، على سبيل المثال، فحينئذ «لا معنى للتعاون مع الإسرائيليين بإغلاق الحدود مع قطاع غزة، رغم الاختلاف مع ما تقوم به حماس».

ويقول الكثير من المحللين المصريين، بمن فيهم مسؤولون سابقون ودبلوماسيون خدموا إبان حكم الرئيس السابق، حسني مبارك، إنه يشعرون بالسعادة إزاء هذا التحول. ويقول عماد جاد، خبير السياسة الخارجية المتخصص في العلاقات مع إسرائيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: «هناك شعور جديد داخل مصر، وهو أن مصر في حاجة لاحترامها كقوة إقليمية»، وأشار إلى أن مصر تعترف بحماس لنفس السبب الذي دفع رئيس الوزراء المصري أخيرا إلى تناول الإفطار مع عائلته في مطعم عام من دون وجود حراس شخصيين مدججين بالسلاح، فأي مسؤول يريد البقاء في الحكومة يفكر في الانتخابات. ويضيف جاد: «هذا شيء جديد في التاريخ المصري».

ويقول محمود شكري، السفير المصري السابق لدى سوريا، إبان حكم مبارك: «دائما ما كان مبارك ينحاز إلى الولايات المتحدة، ولكن الطريقة الجديدة في التفكير مختلفة بالكامل. نرغب في أن نقدم نموذجا للديمقراطية داخل المنطقة، ونضمن أن مصر لديها تأثيرها الخاص بها».

وفيما يتعلق بإيران، وهي قوة إقليمية منافسة، تشير باخوم إلى أنه على الرغم من أن مصر قطعت العلاقات مع الحكومة الإسلامية في أعقاب ثورتها عام 1979، ظلت الدولتان تستأنفان علاقات محدودة عام 1991 على مستوى القائمين بالأعمال، ولذا فإن تطبيع العلاقات تطور أكثر منه بداية جديدة.

واعتمد الاتفاق بين الفصيلين الفلسطينيين على عوامل ظهرت داخل المنطقة في أعقاب الثورة المصرية، حيث وجدت حركة حماس راعيها الرئيسي المتمثل في نظام الأسد داخل سوريا يواجه حركة احتجاجات داخلية، بينما واجهت حكومة فتح في الضفة الغربية جموعا من الشباب يرفعون نفس شعارات الثورة المصرية من أجل تحقيق وحدة فلسطينية.

وكانت مصر قد رسمت مقترحا متطابقا تقريبا مع الاتفاق الحالي لكلا الجانبين في مطلع عام 2009، بحسب ما يقوله عدة مشاركين من كل الأطراف. ولكن كانت نقطة التحول في أواخر مارس (آذار)، أي بعد مرور قرابة ستة أسابيع على الانتفاضة.