الإدارة الأميركية تتحرك بحذر.. ضد سوريا

رغم وصول عدد القتلى إلى أكثر من 500 فإن أوباما لم يطالب الأسد بالتنحي بعد

TT

حاكم ديكتاتوري عربي يتسم بالوحشية، وله تاريخ طويل من العداء مع الولايات المتحدة، يوجه دباباته وجنوده ضد شعبه، وقتل المئات من المعارضين، وتهدد دولته بظهور انقسامات طائفية وعرقية، مع احتمالية انتشار العنف إلى دول مجاورة، البعض منها حلفاء مقربون لواشنطن..

هل هذه هي ليبيا؟ الإجابة: نعم. لكن الأمر نفسه ينطبق على سوريا.

على الرغم من زيادة وتيرة الإجراءات الوحشية الدامية التي قامت بها الحكومة السورية يوم الجمعة، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يطالب باستقالة الرئيس السوري بشار الأسد من منصبه، ولم يفكر في اتخاذ إجراء عسكري ضده. وبدلا من ذلك اتخذ البيت الأبيض يوم الجمعة خطة يرى معظم الخبراء أثرها متواضعا، وذلك بإعلان عقوبات مركزة ضد ثلاثة مسؤولين بارزين من بينهم شقيق وقريب للأسد.

وتظهر الاستجابات الأميركية المتباينة الحسابات المختلفة بشكل كبير الخاصة بالولايات المتحدة إزاء هذه الدول. وبالمقارنة مع ما حدث داخل ليبيا، نجد أن الأسد أقل عزلة دولية من الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. ولا يزال قائدا لجيش أقوى، ويقول خبراء إنه من غير المحتمل أن يتحول هذا الجيش ضده، مثلما فعل الجيش داخل مصر ضد الرئيس حسني مبارك. كما أن الآثار الناجمة عن الإطاحة بالأسد ستكون أوسع نطاقا، بل ولا يمكن التنبؤ بما قد يحدث، وذلك عند المقارنة مع حالة القذافي. وقال ستيفن كوك، الزميل البارز المتخصص في دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية «تحظى سوريا بأهمية لا تحظى بها ليبيا، ولا توجد مصلحة أميركية محورية داخل ليبيا. لكن في حال زعزعة الاستقرار داخل سوريا ستكون لذلك آثاره على العراق، وسيكون لذلك أثره على لبنان، وسيكون لذلك أثره على إسرائيل».

وقد جعلت هذه التعقيدات من حالة سوريا أقل وضوحا، حتى بالنسبة لمن دعوا إلى إجراء أميركي قوي ضد ليبيا. ودعا السيناتور جون ماكين، إلى جانب اثنين آخرين هما السيناتور ليندسي غراهام والسيناتور جوزيف ليبرمان، أوباما مطلع الأسبوع الحالي إلى المطالبة باستقالة الأسد. لكن ماكين قال إنه يعارض القيام بإجراء عسكري داخل سوريا، على الرغم من كونه ضمن أوائل الداعين إلى فرض حظر جوي على ليبيا.

وتتوخى منظمات حقوق الإنسان قدرا أكبر من الحذر. ويقول جوي ستورك، نائب مدير شعبة منطقة الشرق الأوسط بمنظمة «هيومان رايتس ووتش» التي عارضت القيام بإجراء عسكري داخل ليبيا «لو دعا أوباما الأسد للرحيل، فلا أعتقد أن ذلك سيغير شيئا على الأرض». وتجمد هذه الإجراءات أصول ثلاثة مسؤولين بارزين، يبرز بينهم ماهر الأسد، شقيق الرئيس الأسد وقائد العمليات داخل درعا. لكن يميل الزعماء السوريون إلى الاحتفاظ بأموالهم في مصارف أوروبية وداخل منطقة الشرق الأوسط، مما يجعلها بعيدة عن نطاق نفوذ وزارة الخزانة.

كما تستهدف الإجراءات وكالة الاستخبارات السورية وقوة القدس التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وهي وحدة نخبوية شبه عسكرية عليها بالفعل عقوبات قوية من جانب الولايات المتحدة. وقال مسؤولون إن إيران تستخدم القوة تمرير غاز مسيل للدموع وهراوات وغيرهما من وسائل مكافحة الشغب إلى سوريا.

ولم تفرض الإدارة الأميركية عقوبات على الرئيس الأسد، قائلة إنها ركزت على هؤلاء المسؤولين بشكل مباشر عن انتهاكات حقوق الإنسان. وذكر مسؤول بارز أن الولايات المتحدة لن تتردد في إضافته إلى القائمة إذا لم يتوقف العنف في سوريا. لكن يبدو أن البيت الأبيض يرى إمكانية إقناعه بضبط النفس. وقال ناطق باسم مجلس الأمن القومي، تومي فيتور «هدفنا إنهاء حالة العنف وإيجاد مساحة لتحقيق الطموحات المشروعة للشعب السوري». وأضاف «مثل هذه الإجراءات من بين أقوى الأدوات المتاحة للحكومة الأميركية لتحقيق هذه النتائج».

وذكر الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة أنه يخطط لإصدار قرار بفرض حظر سلاح ضد سوريا، مهددا بفرض مزيد من العقوبات وتقليل المساعدات المقدمة لسوريا. وفي جنيف، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا يدين العنف، مع أن بيانه كان أخف في لهجته من ذلك البيان الذي صاغته الولايات المتحدة.

وقد أظهر الجدل بشأن قرار الأمم المتحدة صعوبة في توجيه انتقاد دولي ضد سوريا. وفي جنيف، أيدت 26 دولة القرار، في حين صوتت تسع دول ضده، من بينها روسيا والصين. كما عرقلت الدولتان جهدا مماثلا لإصدار قرار بمجلس الأمن هذا الأسبوع، وهو ما يأتي مناقضا تماما للإجراء الصارم الذي تم اتخاذه ضد ليبيا.

وحتى بالنسبة لإدارة أوباما، كان للتخلي عن الأسد ثمنه. فلعامين، وطدت العلاقة معه على أمل أن تنهي سوريا مأزق عملية السلام في الشرق الأوسط بتوقيع معاهدة مع إسرائيل. وحاولت الولايات المتحدة إبعاد سوريا عن إيران، أكبر خصوم أميركا في المنطقة. حتى إن احتمالية حدوث تغيير في القيادة في سوريا كان لها صدى هذا الأسبوع، بالاتفاق المفاجئ الذي عقد بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية لتشكيل حكومة وحدة. وبحسب معظم الروايات، كان أحد دوافع حماس هو خوفها من أنه في حالة ما إذا تمت الإطاحة بالأسد، ربما تفقد نصيرها في دمشق.

إن من شأن الفوضى في سوريا أن تهدد أمن إسرائيل بصورة مباشرة. ففي الوقت الذي يشير فيه مسؤولون إسرائيليون إلى أنه من الصعب وصف الأسد بأنه صديق لإسرائيل، فإنه إذا ما تم استبدال نظام حكمه بحكومة سنية عسكرية، فإن هذا يمكن أن يثير مخاوف أكبر. فحساسية إسرائيل تجاه سوريا شديدة جدا، إلى حد أنه عندما بدأ تداول تقارير هذا الأسبوع تشير إلى أن مسؤولين إسرائيليين ضغطوا على البيت الأبيض ليكون أقل قسوة تجاه دمشق، طلب سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة مايكل بي أورين من المراسلين الصحافيين التأكيد على أن حكومته لم تفعل شيئا من هذا القبيل.

ومن بين الدول الأخرى الحساسة تجاه الوضع في سوريا، تركيا التي تربطها حدود بسوريا، ومواطنون أكراد يمكن أن تثيرهم حالة عدم الاستقرار، والمملكة العربية السعودية التي لا ترغب في أن تشهد سقوط حكومة عربية أخرى. وعلى الرغم من أن سقوط الأسد قد يضر طموحات إيران الإقليمية، فإن محللين يحذرون من بعض الأشياء.

وقال أندرو جيه تابلر، خبير متخصص في الشأن السوري بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى «سيكون تحول النظام بسرعة وبشكل منظم إلى حكومة سنية بمثابة عقبة لإيران، لكن ليس هذا ما سيحدث». وأضاف «نحن متجهون نحو وضع أكثر فوضوية. ويمكن أن يتلاعب الإيرانيون بهذا الوضع».

وفي الوقت الذي تقيم فيه الإدارة الأميركية خياراتها، فإنها تواجه حقيقة خطيرة: فللولايات المتحدة تأثير محدود على دمشق. غير أن بعض الباحثين قالوا إنه يتعين على الولايات المتحدة ترك احتمال اتخاذ إجراءات أعنف ضد الحكومة السورية قائما. وذكر مارتن إس إنديك، مدير السياسة الخارجية بمعهد «بروكينغز»: «إذا كان هناك تهديد بحدوث مجازر على غرار ما حدث في بنغازي، سيكون علينا التفكير في تدخل إنساني انطلاقا من المبدأ نفسه». وأضاف «من الصعب تخيل هذا في الوقت الذي يصل فيه إجمالي حالات القتلى إلى 500 حالة. لكن ماذا لو وصل العدد إلى عشرات الآلاف؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»