سوريون يبثون رواياتهم على الإنترنت في «تكذيب استباقي» لروايات السلطات

ناشطون قالوا إن السلطات سلمت جثث جنود لذويهم باعتبارهم قتلى المواجهات لكنهم أعدموا بعد رفضهم قتل المدنيين

صورة وزعتها السلطات السورية أمس لتشييع ثلاثة جنود قالت إنهم قتلوا من قبل «جماعات إرهابية» في مستشفى بدمشق (إ.ب.أ)
TT

وجه أحد الناشطين السوريين على موقع «فيس بوك» دعوة للأمير ويليام وعروسته كيت لقضاء شهر عسل في سوريا. وقال: «سوريا المكان الوحيد الذي بإمكانهما قضاء شهر عسل فيه بعيدا عن أعين الصحافيين»، وقصد الناشط في دعوته تلك السخرية من منع وسائل الإعلام والصحافيين من تغطية الأحداث الجارية في سوريا.

وفي ظل التغييب القسري للإعلام الحر والخارجي عن الساحة السورية واحتكار الإعلام الرسمي تغطية الأحداث من جانب واحد وفرض رواية رسمية واحدة، يخوض الناشطون في سوريا معركتين؛ واحدة على الأرض في الإصرار على التظاهر السلمي والاحتجاج، ومواجهة الآلة العسكرية للنظام ومقاومة الحصار المفروض على المدن، وأخرى على مواقع الإنترنت لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، وكل يوم تتكشف معلومات جديدة ومقاطع فيديو تكذب الروايات الرسمية، وكان بارزا أمس بث شهادة مسجلة لمجند قال إنه من الحرس الجمهوري رفض إطلاق النار على المتظاهرين في حرستا بتاريخ 24 أبريل (نيسان) الماضي.

وبداية، عرف المجند وليد القشعمي نفسه على أنه مجند في الجيش العربي السوري - الحرس الجمهوري - قاسيون 227، وأظهر بطاقته العسكرية وأيضا البطاقة المعدنية التي قال إنها تسلم للجندي في أوقات الحرب حصرا. وقال: «لقد تم استدعاؤنا إلى مركز قيادة قاسيون بتاريخ 24/4 وأبلغنا بأن عصابة مسلحة تقتل المواطنين في حرستا، وتم إبدال ملابسنا العسكرية بملابس سوداء خاصة بوحدة مكافحة الإرهاب، وتم تجهيزنا بعتاد حرب كاملة؛ بسلاح وذخيرة حية مباشرة» وأضاف ردا على أسئلة شخص ما كان يسجل شهادته: «كنا 250 مجندا من فرقة الصاعقة في الحرس الجمهوري وذهبنا إلى حرستا، وهناك فوجئنا بعدم وجود عصابة مسلحة وإنما متظاهرون يهتفون للحرية ويدعون لإسقاط النظام». ويتابع: «فوجئنا أيضا بأن قوى الأمن تطلق النار الحي على المتظاهرين العزل تماما وبينهم نساء وأطفال دون سبب» وقال: «رفضنا الانصياع لأوامر الضباط بإطلاق النار على المتظاهرين، التي كانت تطلق دون إنذار مسبق»، وأضاف: «أنا ومعي أحد الرفاق رمينا السلاح أرضا وانضممنا إلى المتظاهرين الذين حمونا، وزميلي أصيب». وناشد المجند كل عسكري مجند بأن «يحقن دماء السوريين لأنه لا يوجد أي عصابة»، وقال: «من حق أي مجند عسكري سوري أن يحق دماء المواطنين».

ويأتي هذا الفيديو ليؤكد معلومات كانت قد تداولتها وسائل الإعلام نقلا عن ناشطين تتهم النظام السوري بإطلاق النار على عناصر الجيش الذين يرفضون إطلاق النار، وقال ناشطون أمس إن «غسان بن عبد الكريم العبدو الذي قالت السلطات إنه استشهد في درعا على يد العصابات المسلحة»، وكما ادعى أيضا العميد والفرقة التي سلمت جثمانه لذويه في مدينة سراقب التابعة لمحافظة إدلب، «قام أهله بالكشف على الجثة بعدما وصلتهم أخبار من زملائه المجندين تقول إن الأمن هم من أعدموه ميدانيا لرفضه إطلاق النار على أهله في درعا»، وردا على ذلك قام الأهالي بطرد العميد والفرقة العسكرية التي سلمت الجثمان وكذلك طردوا التلفزيون السوري الذي جاء ليصور الجنازة ومنعوهم من المشاركة.

كما كان لافتا أمس بث مقطع فيديو على موقع «يوتيوب» من مدينة الرستن المحاصرة التي تشهد أعمال قمع مروعة، حيث سقط نحو ستة عشر شهيدا يوم «جمعة الغضب»، ويوثق المقطع شهادة عبد الرزاق وردة، وهو مدرس لغة عربية وموجه اختصاصي لمادة اللغة العربية، وقد استشهد ابنه 15 عاما وابن أخته يوم الجمعة الماضي، وقال إنه يسجل شهادته أمام كل أهالي الرستن لشكوك لديه بأن النظام سيستخدم صوره في فيلم مفبرك يقول عنه إنه إرهابي أو زعيم مجموعة إرهابية. وبعد أن أعلن استقالته من حزب البعث، يقول عبد الرزاق وردة في خيمة عزاء وأمام جمع غفير من الأهالي، إنه في يوم الجمعة 29 أبريل (نيسان) بلغه أن ابن أخته الشهيد حسان الحمصي قد أصيب، فذهب يبحث عنه مصطحبا أحد الأصحاب، لكنه فوجئ بأن الشاب الذي يحملونه ليس ابن أخته حسان، وإنما ابنه علي وردة، الطالب في الصف التاسع، وقد أصيب بطلق ناري في رأسه. فانطلقوا به إلى المستشفى الوطني في الرستن، لكن هناك رفضوا استقباله بحجة عدم وجود جهاز تنفس صناعي، وشكك عبد الرزاق وردة في هذه الحجة وعزاها إلى «عدم قدرة رجال الأمن على السيطرة على مستشفى الرستن والقيام باختطاف الجرحى، لذا فإنهم يطلبون من المستشفى تحويل الجرحى إلى مستشفى مدينة حماه». ويتابع عبد الرزاق روايته لما حصل، بالقول: «توجهنا إلى قرية تومين وهناك أمدنا المستشفى بسيارة إسعاف أوصلتنا إلى المستشفى بحماه، وكان ابني يلفظ أنفاسه الأخيرة وبدل أن يتركني الأمن معه تم إلقاء القبض علي وأدخلت في زنزانة تابعة لأحد الفروع الأمنية، قضيت فيها ليلة كاملة، وحققوا معي، وجرى تصويري وتسجيل صوتي ووضعوا على صدري بطاقة كتلك التي كانت على صدور من قالوا إنهم مجموعة إرهابية وعرضوها في التلفزيون السوري. أنا وأربعة آخرون». وفي نهاية كلامه، أقسم عبد الرزاق وردة أنه لم ينطق بحرف واحد، معبرا عن ظنه بأنهم سيقومون بتزوير صوته وصورته «لاستخدامهما في فيلم مفبرك يبثه الإعلام السوري الكاذب». وناشد أهالي بلدته بأن لا يصدقوا «الإعلام السوري الكاذب».

وفي السياق ذاته، في محاولة تكذيب مسبق للروايات الرسمية، قال ناشطون آخرون إن «باصات تقل رجالا ونساء يلبسون اللباس الحوراني التقليدي وصلت إلى محافظة درعا، وإن قوى الأمن بالتزامن مع ذلك أخلت المنازل على جانبي الطريق الرئيسي المؤدي إلى مدينة درعا عند قرية النعيمة وتحديدا الطريق المؤدي إلى المسجد العمري، بغية إنزال المجموعات المدنية التي جاءت بالباصات لتصوير مشهد يبدو فيه أهالي درعا يرحبون بالجيش ويرشون الورود والأرز على الدبابات، بهدف تضليل الرأي العام وهيئة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان»، وناشد الناشطون الجميع «بتنبيه وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان وأهالي درعا إلى هذه المسرحية».

ومن تلبيسة، أرسل ناشطون فيديو إلى موقع «يوتيوب» قيل إنه تم تصويره يوم السبت 30 أبريل الماضي، وسمع صوت شخص يقول إن هذا الفيديو يهدف إلى تصوير القذائف التي أطلقت بكثافة على قرية تلبيسة التابعة المحافظة حمص يوم الجمعة، متمنيا على الخبراء العسكريين تحديد نوعها، ويظهر الشريط غرفة إسمنتية صغيرة على أحد الأسطح وقد اخترقت جدارين متقابلين فيها قذيفة محدثة فجوة قطرها 40 سم تقريبا، ولا تزال قطعها المعدنية على الأرض، وقال الذي سجل مقطع الفيديو إنها أسلحة استخدمها النظام في قصف خزانات المياه، لمحاصرة المتظاهرين العزل الذين خرجوا ينادون بالحرية.

وفي ما يشبه مظاهرة تحد، بث ناشطون من الرستن مقطع فيديو على موقع «يوتيوب»، لمسير قافلة من الدراجات النارية تنطلق بسرعة كبيرة على الطريق الدولي الذي يمر بجانب الرستن، قيل إنها لاستقبال أحد الذين شاركوا في تحطيم تمثال الرئيس حافظ الأسد وقد وقع جزء منه على رجله، أدت إلى بترها، وخرج الأهالي لاستقباله بوصفه «بطلا بعد خروجه من المستشفى» حيال هذه الروايات التي يبثها الناشطون لمواجهة الرواية الرسمية لا يمكن التسليم بدقتها، أو على الأقل تقدير حجم المبالغة في قراءة مقاطع الفيديو المسجلة بالصوت والصورة، ما دام أن الإعلام المستقل ووسائل الإعلام الخارجي محظور عليها الاقتراب من موقع الحدث. وأضعف الإيمان يبقى في ذكر كل المعلومات والعمل على تجميع صورة متكاملة أقرب للمنطق كي لا نقول أقرب للحقيقة.