علماء الدين في مصر: إلقاء جثمان «بن لادن» في البحر تمثيل وانتهاك لحرمة الموتى

شيخ الأزهر: إكرام الميت دفنه.. ومفتي مصر: الأمر مخالف للشريعة الإسلامية

TT

أدان علماء الأزهر الشريف بالقاهرة إلقاء جثمان أسامة بن لادن في البحر، مؤكدين على أن في ذلك مخالفة للشريعة الإسلامية، وأنه يعد تمثيلا بجثمان ميت واستهانة بجلال الموت، مشيرين إلى أنه لا يجوز انتهاك حرمات الميت حتى لو كان كافرا، وأن الحالة الوحيدة التي يجوز فيها إلقاء جسمان الميت في البحر إذا وافته المنية في سفينة وسط البحر واليابسة بعيدة وقد تتعفن الجثة قبل أن تصل إليها. واصفين تكفين بن لادن قبل إلقاؤه في البحر بـ«غير المنطقي». لافتين إلى أن باكستان أو أفغانستان لم تكن لترفض دفن بن لادن، وكان على الولايات المتحدة الأميركية أن تحاول مع الدول، وإذا رفضت المحاولة وفشلت ألقته في مياه البحر.

وأعلن مسؤولون أميركيون أن جسمان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن تم إلقاؤه في البحر بعد تكفينه مراعاة للشريعة والتقاليد الإسلامية. مؤكدين على أن أميركا قررت ذلك لصعوبة إيجاد دولة في العالم تقبل بدفنه على اعتبار أنه أكثر الإرهابيين المطلوبين. وأرجع المسؤولون الأميركيون سبب إلقائه في البحر لعدم رغبة الأميركيين في أن يكون لابن لادن قبر معروف يمكن أن يتدفق إليه أتباعه.

من جانبه، أدان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف إلقاء جثمان أسامة بن لادن في البحر، قائلا: «هذا التصرف يتنافي مع كل القيم الدينية والأعراف الإنسانية»، مؤكدا على أنه «لا يجوز في الشريعة الإسلامية التمثيل بالأموات مهما كانت مللهم ونحلهم، فإكرام الميت دفنه».

وعلق الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، على حكم الشرع في إلقاء جثمان الميت في البحر بعبارة واحدة، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: إن «هذا التصرف مخالف تماما للشريعة الإسلامية». وأكد الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية على أن المسلم في جميع الأمور مكرم حيا أو ميتا، ولا بد من دفنه لقول الله تعالي في القرآن الكريم: «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى»، لافتا إلى أن مسألة دفن الموتى من الأمور الدينية الواجب اتباعها مع أي مسلم حتى لو كان عاصيا، وإنه بمجرد قوله: «أشهد أن لا إله إلا الله» يدفن في الأرض وفي مقابر المسلمين.

وقال واصل لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يجوز في أي حال من الأحوال دفن المسلم في البحر»، مشيرا إلى أنه قد يجوز إلقاء الميت في البحر، إذا ثبت ارتداده عن دين الإسلام، لافتا إلى أنه حتى في هذه الحالة اختلف الفقهاء فيها، بدليل أن رسول الله صلي الله علية وسلم قد دفن الكفار أثناء الحروب في الأرض ولم يرميهم في البحر أو يتركهم للحيوانات الضالة لافتراس أجسادهم، وإنما كرم الميت بصفته إنسانا ودفنه.

وأضاف مفتي مصر الأسبق أنه «لا يجوز انتهاك حرمات الميت حتى لو كان كافرا»، لافتا إلى أن القول بأن أميركا قامت بتكفين بن لادن وفق الشريعة الإسلامية، لا يتفق مع الشرع بأي حال من الأحوال ويعد اعتداء على المسلمين، واصفا التكفين قبل رميه في البحر بـ«غير المنطقي».

واتفق الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الشريف، عضو مجمع البحوث الإسلامية مع الرأي السابق، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «إلقاء بن لادن في البحر يعد تمثيلا بجثته، وهو الأمر الذي نهي عنه الإسلام»، لافتا إلى أن تكفين جسد بن لان ليس هو القضية، وإنما القضية هي إلقاؤه في النهر».

وأضاف أبو كريشة أن القتل من أساسه يرفضه الإسلام، لأن ذلك يدخل تحت قول الله تعالي: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُّتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما»، وأنه لا فرق في ذلك بين مسلم أو غيره. ووصف الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين الأسبق‏، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف إلقاء جسد بن لادن في مياه البحر بأنه استهانة بجلال الموت واستخفاف بالشريعة الإسلامية، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أنه ربما يكون الأميريكان قد أشفقوا على أنفسهم من أن يتحول قبره إلى مزار لدى بعض المتشددين الإسلاميين، إلا أن جلال الموت فوق كل احتمال»، لافتا إلى أنه «كان يجب أن يعاملوا الرجل (أي بن لادن) معاملة إنسانية محترمة، رغم أنه عدوهم، ورغم أننا في الأزهر الشريف نختلف معه في كثير من مواقفه، فالرسول محمد صلي الله عليه وسلم علمنا احترام الإنسان حيا وميتا وإن كان عدوا، فقد مرت عليه جنازة فهب واقفا، فقال له الصحابة: يا رسول الله (إنها ليهودي)، قال عليه الصلاة والسلام: أليست نفسا». وأضاف بيومي أن الحالة الوحيدة التي يجوز فيها إلقاء الميت في مياه البحر، إذا وافته المنية في سفينة أو مركب وسط البحر، واليابسة بعيدة، وقد يتعفن الجثمان قبل أن تصل السفينة إلى اليابسة، فيجب إلقاؤه في البحر، لكن هذه الظروف ليست متوفرة في حالة بن لادن، ووصف بيومي قول أميركا بأنه لا توجد دولة في العالم تقبل بدفنه بأنها «تعلة فاسدة»، موضحا أن «باكستان لم تكن لترفض دفنه أو أفغانستان، وكان على أميركا أن تحاول مع الدول، وإذا رفضت المحاولة وفشلت فعلت ذلك، أي ألقته في البحر».

وأكد الدكتور عبد الفتاح عساكر، أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر على أن إعلان أميركا بأنه تم تكفين بن لادن على الشريعة الإسلامية قبل إلقائه في البحر «لامتصاص غضب المسلمين»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «لا يجوز دفن بن لادن في البحر»، واتفق عساكر مع الرأي السابق في إجازة إلقاء الجثمان في البحر في حالة واحدة. ووصف عساكر إلقاء جثمان بن لادن في البحر بـ«الغباء»، لافتا إلى أن إلقاءه في مياه البحر سوف يزيد من شعبيته والتعاطف معه.