بن لادن.. رأس «القاعدة»

الثري العربي الذي تخلى عن ملذات الدنيا وأسس أكبر منظمة إرهابية في العالم

TT

بإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة قرب العاصمة الباكستانية إسلام آباد على يد قوات أميركية خاصة، تكون بذلك قد انتهت أكبر عملية مطاردة لشخص في التاريخ الحديث استمرت لأكثر من عشر سنوات، حيث كان بن لادن مطلوبا لواشنطن «حيا أو ميتا»، ورصدت مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه تساعد في إلقاء القبض عليه، بسبب اتهامات له تتعلق بتنفيذ العديد من العمليات التي وصفتها بأنها «إرهابية»، لعل أشهرها الإشراف على تنفيذ عملية تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في نيويورك، التي راح ضحيتها ثلاثة آلاف قتيل.

ورغم أن مقتل بن لادن، ووفقا للعديد من المراقبين والمنظمات الدولية ومنها الإنتربول، قد يعرض دول العالم بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص للعديد من المخاطر الخاصة بتنفيذ عمليات إرهابية انتقامية من جانب مناصرين له في تنظيم القاعدة، فإنه يعد ضربة كبيرة ضد هذه التنظيمات المسلحة في الحرب العالمية ضد الإرهاب، في ظل اتهامات عديدة كانت توجه للولايات المتحدة والقوى الغربية بأنها شنت العديد من الحروب منها في أفغانستان والعراق، وقامت بالعديد من العمليات العسكرية في مناطق مختلفة من العالم تحت اسم الحرب ضد الإرهاب في حين أنها فشلت في الوصول للرأس المدبر لتنظيم القاعدة، الذي يعتبر المحرك الرئيسي لهذه العمليات.

تاريخ بن لادن منذ صغره وشخصيته الفريدة من نوعها في تركيبتها، ومراحل تكوينه لتنظيم القاعدة، الذي تحول من مجرد تنظيم جهادي ينسب إليه العديد من العمليات الإرهابية إلى مدرسة فكرية تنشر آيديولوجيتها المتطرفة في العالم كله ولها أتباع وفروع تقوم بدور المنظمة الأم نفسه، يبرز التناقض الشديد بين شخصية شاب يولد لعائلة ثرية ويقرر التخلي عن كل ملذات الدنيا ونعيمها ليحاول نشر فكره ومعتقداته، عبر أكبر تنظيم مسلح يقوم بعمليات إرهابية في العالم من أجل محاربة من يعتقد أنهم يقفون في طريقه.

> مولده ونشأته: ولد أسامة بن محمد بن عوض بن لادن بن لادن (54 عاما) في العاصمة السعودية الرياض في 10 مارس (آذار) عام 1957، لأب ثري من أصل يمني وصل إلى جدة من مدينة حضرموت باليمن عام 1930، وأم من أصل سوري.

وترتيب أسامة في العائلة هو الـ17 بين إخوته وأخواته، البالغ عددهم أكثر من 50 ابنا، حيث تزوج والده محمد بن عوض، الذي كان يعمل في المقاولات وأعمال البناء، أكثر من امرأة، ولذلك قيل عن أسامة إنه قضى طفولة مريحة جدا ومرفهة في ظل ثروة والده التي تقدر بمئات المليارات، رغم مقتل والده في حادث سقوط طائرة عام 1967 في السعودية وأسامة لا يزال طفلا.

تزوج أسامة لأول مرة من ابنة خالته السورية عندما كان عمره 17 عاما، ويقال إن له ما يقرب من 23 ابنا، مما لا يقل عن خمس زوجات. وقدر نصيب أسامة من ثروة والده بـ300 مليون دولار.

درس بن لادن الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وتخرج بعد حصوله على البكالوريوس عام 1979، في حين تتحدث بعض التقارير عن أنه نال شهادة في الهندسة المدنية أيضا، ليتولى بعد ذلك إدارة أعمال شركة «بن لادن» وتحمل بعض المسؤولية عن أبيه. وبعد تبنيه الفكر الجهادي تبرأت منه عائلته، كما أُسقطت عنه الجنسية السعودية عام 1994.

وصفه جهاديون مقربون منه بأنه رجل مهذب في غاية الأدب والكرم مع الغرباء، وحتى في ظهوره في التسجيلات التي كان يهدد فيها الغرب بتوجيه ضربات قاسمة لهم وتنفيذ عمليات إرهابية ضدهم، كان يتكلم بصوت هادئ متزن دون أي انفعالات، رغم الكلمات القاسية التي كان يستخدمها. وأصبحت صورة بن لادن ومظهره بعماته البيضاء وجلبابه الأبيض القصير، التي كان يضع عليها جاكيتًا عسكريا، ولحيته الطويلة، من الصور المألوفة في وسائل الإعلام ولدى العالم كله، حيث كانت دائما مقرونة بأي عملية إرهابية أو قتل لمدنين.

وفي توصيف لهيئته قبل موته، وصفه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بأنه طويل القامة يقدر طوله بـ«193 وحتى 198 سم»، ويزن نحو «75 كلغ»، نحيل جدا وأعسر، يمشي عادة متكئا على عصا رفيعة، ويرفض ارتداء غطاء الرأس التقليدي المتعارف عليه في السعودية والخليج (العقال).

> نزعته الجهادية: كانت لأسامة بن لادن توجهات دينية منذ نشأته، ويقال إنه كان في المدرسة والجامعة عضوا في تنظيمات سلفية وجماعات على علاقة بالإخوان المسلمين. كما كان لموت «سالم» الأخ غير الشقيق له عام 1988 في حادث سقوط طائرة عاملا حاسما في تحوله نحو التطرف والتشدد.

كان بن لادن يعتقد ضرورة سيادة الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي وأحكامه التي ستضع المسلمين في موقعهم الصحيح في العالم، كما يعتبر أن كل الآيديولوجيات الأخرى مثل القومية العربية، والاشتراكية، والشيوعية، والديمقراطية، ليس لها أي أساس من الصحة، وأنها كلها دخيلة على البلدان الإسلامية ويجب التخلص منها، مستخدما في نشر أفكاره كل الوسائل الممكنة وأولها الجهاد المسلح ضد المظالم التي ترتكب ضد المسلمين من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية، كما كان يعتقد بضرورة القضاء على دولة إسرائيل.

لكن أكثر ما أساء لأفكار بن لادن هو أن آيديولوجيته وحربه ضد من يسميهم أعداء الإسلام والنظم الكافرة، لا تمنع من قتل المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال لتحقيق الأهداف المشروعة للجهاد.

تبدأ علاقة بن لادن بالجهاد، حين احتل الاتحاد السوفياتي أفغانستان عام 1979، وكان بن لادن حينها قد أكمل دراسته وتعمق في دراسة وقراءة الفكر الإسلامي الجهادي، حيث ذهب بن لادن إلى منطقة بيشاور في باكستان، والتقى بقادة المسلحين الأفغان الذين كانوا يقاومون الاحتلال السوفياتي، أمثال عبد رب الرسول سيّاف، والرئيس برهان الدين رباني. وحينما عاد للسعودية بدأ بحملة لجمع التبرعات لمقاومة السوفيات.

وقام بعدة رحلات إلى باكستان أوصل فيها السلاح والدعم وشارك في القتال ضد السوفيات، وهناك انضم الآلاف من المصريين واللبنانيين والأتراك وغيرهم إلى الأفغان في الصراع ضد السوفيات.. إلى أن أقام بن لادن بيت ضيافة في بيشاور بباكستان كنقطة تجمع للمجاهدين العرب، ومع زيادة أعدادهم أقام لهم معسكرات داخل أفغانستان، وكان يحظى بالاحترام كقائد عسكري عرف بمهاراته التنظيمية وشجاعته.

وفي عام 1982 قرر الدخول إلى أفغانستان والمشاركة في الجهاد ضد القوات السوفياتية، حيث تلقى دعما ماليا من وكالة الاستخبارات الأميركية CIA، قُدر بـ3 مليارات دولار، كما تم تمويله بالسلاح من أجل دحر السوفيات الذين خرجوا من أفغانستان مهزومين.

وفي عام 1984، أسس بن لادن منظمة دعوية في أفغانستان سماها «مركز الخدمات»، وقاعدة للتدريب على فنون الحرب والعمليات المسلحة باسم «معسكر الفاروق» لدعم وتمويل المجهود الحربي للمجاهدين الأفغان، وللمجاهدين العرب والأجانب في ما بعد.

بقي بن لادن هناك حتى عام 1989 حيث عاد إلى السعودية، وكغيره من «الأفغان العرب» كما كان يطلق عليهم، توقع بن لادن - بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي والانسحاب من أفغانستان - أن يلاقي ترحيبا حارا في بلده وتكريما لدوره، إلا أنه سرعان ما شعر بالغبن لعدم تقدير إنجازاته. وأصبح أسامة بن لادن كغيره من العرب العائدين من أفغانستان معارضا شرسا لنظم دولهم، ومن ثم بدء توجيه جهوده ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.

وفي عام 1991 طرد من السعودية بسبب نشاطاته المعارض للدولة، حيث اتجه إلى السودان، وهناك قوبل بترحيب حار جدا من الحكومة السودانية، وأمضى خمس سنوات هناك استغل أمواله خلالها في دعم عدد من مشروعات البنية التحتية للحكومة الإسلامية في الخرطوم. وخلال هذا الوقت فشلت كل محاولات المصالحة بينه وبين الحكومة السعودية، التي قامت بتجميد حساباته المصرفية وسحبت منه جنسيته السعودية عام 1994، كما مارست الولايات المتحدة ضغوطا على السودان كي يطرده، مما أدى لعودته إلى أفغانستان مرة أخرى، بفكر أكثر راديكالية وتوجهات أكثر تطرفا تجاه الغرب والنظم العربية التي يعتقد أنها متعاونة معه ضد المسلمين.

> تأسيس تنظيم القاعدة: أسس بن لادن بمشاركة عدد من كبار قادة الجهاد الإسلامي المصري، أمثال أيمن الظواهري وسيد إمام الشريف وعبد الله عزام، تنظيم القاعدة في الفترة بين أغسطس (آب) 1988 وأواخر عام 1989، خلال الوجود الأول له في أفغانستان، حيث أنشأ ما سماه هو ومعاونوه «سجل القاعدة»، وهو عبارة عن قاعدة معلومات تشمل تفاصيل كاملة عن حركة المجاهدين العرب قدوما وذهابا والتحاقا بالجبهات. وأصبحت هذه السجلات مثل الإدارة المستقلة، واستمر استعمال كلمة «القاعدة» من قبل المجموعة التي استمر ارتباطها بأسامة بن لادن.

واتفق بن لادن مع معاونيه على أن «القاعدة» ستكون الجماعة الرسمية التي تجمع الفصائل الإسلامية التي هدفها رفع كلمة الله والانتصار لدينه، وكانت هناك قائمة شروط للعضوية؛ مثل: السمع والطاعة، وحسن الخلق، والتعهد بطاعة القادة. لكن اسم «القاعدة» لم يستخدم في التصريحات العلنية في ذلك الحين لأن وجودها كان لا يزال سريا حتى ظهرت بشكل علني في نهاية التسعينات.

فبعد دخوله أفغانستان مرة أخرى، وفي الوقت ذاته الذي استولت فيه حركة طالبان الإسلامية على العاصمة كابل عام 1996، استطاع بن لادن كسب دعم وولاء طالبان بفضل سخائه وأمواله. وشمل أنصار بن لادن مجندين من وسط آسيا وجنوبها والشرق الأوسط وأفريقيا، حيث وحدهم كرههم للولايات المتحدة وإسرائيل والحكومات العربية التي اعتقدوا أنها تعادي تطبيق المنهج الإسلامي الصحيح من وجهة نظرهم.

ولذلك دعا بن لادن لحرب عالمية على الأميركيين واليهود بسبب حربها ضد العراق وتدخلها في الخليج، حيث أصدر فتواه الشهيرة في 23 فبراير (شباط) 1998، التي تدعو إلى «قتل الأميركان وحلفائهم أينما كانوا وإلى إجلائهم من المسجد الأقصى والمسجد الحرام»، وبعدها بأشهر تعرضت السفارتين الأميركيتين لدى كينيا وتنزانيا لهجمات عنيفة بالقنابل، وفي حين لم يعترف بن لادن بمسؤوليته عن هذه الهجمات، فإن عددا ممن اعتقلوا بتهم المشاركة في التفجيرات قالوا إنه من دعمهم. وظل بن لادن حينها مقتنعا بأن العالم الإسلامي ضحية الإرهاب الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.