أسامة بن لادن.. اختلف العرب حوله في حياته ومماته

اعتبره البعض صدى لحقبة انتهت غلبت عليها الفرقة بين الغرب والشرق

TT

قبل عقد من الزمن كانت الكلمات مألوفة في العواصم العربية الغاضبة، فكان أسامة بن لادن بطلا وشيخا، بل زعيما للبعض. غير أن الرجل الذي أقسم بتحرير العالم العربي تحول بعد مصرعه إلى مجرد هامش في الثورات والانتفاضات التي تعيد تشكيل منطقة يحاول هو وأتباعه فهمها.

ردود الفعل في الشرق الأوسط إزاء مقتل بن لادن تباينت ما بين الغضب الشديد في صفوف الإسلاميين المحافظين إلى الفرحة بين المسلمين الشيعة، ضحايا المذابح التي ارتكبتها «القاعدة».

لكن ربما كانت ردود الفعل الأبرز في دول مثل مصر وتونس، بأن اسم بن لادن لم يكن سوى صدى لحقبة انتهت غلبت عليها الفرقة بين الغرب والشرق، من الجبروت الأميركي والعجز العربي والديكتاتورية. خلال الشهور الأخيرة بدا واضحا أن اسم بن لادن لم يتردد في المنطقة سوى من أبواق معمر القذافي والرئيس المصري السابق حسني مبارك، اللذين حاولا استغلال تهديد «القاعدة» لتبرير التمسك بالسلطة في العالم العربي الذي لا يحمل شبها كبيرا بالمشهد الذي استغله وأسهم في إنشائه.

يرى كثيرون أن موت بن لادن، الذي يحمل بعض المسؤولية عن حربين وتعميق التدخل الأميركي في شمال أفريقيا واليمن والعراق، نهاية لحقبة من الزمن لا أكثر، فهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بالنسبة للكثيرين في العالم العربي، الذي يشكل الشباب فيه دون سن الثلاثين نسبة 60 في المائة، ليست سوى مجرد ذكريات للطفولة.

ويقول رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية في بيروت: «بن لادن كان ظاهرة لأزمة زمن آخر».

ويرى السيد أن العالم العربي تتنازعه أسئلة مختلفة: «فالمشكلة ليست في كيفية تدمير شيء ما، بل في كيفية بناء شيء ما جديد، دولة جديدة، وسلطة جديدة، وعلاقة جديدة بين الشعب والقيادة، ومجتمع مدني جديد».

وعززت مطاردة الولايات المتحدة لبن لادن شكوكا داخل العالم العربي الذي لا يزال متشككا في الدوافع والأهداف الأميركية بالنظر إلى دعم الولايات المتحدة للطغاة في العالم العربي والتحالف غير المحدود مع إسرائيل. والآن تبرز شكوك بشأن توقيت قتله.

فيرى البعض أن مخابئ بن لادن كانت معروفة من قبل، وأن توقيت قتله جاء لمصلحة أطراف معينة، كإدارة أوباما وباكستان وآخرين.

وحملت بعض ردود الأفعال دعوات بالانتقام لمقتل بن لادن، وجاء بعضها على لسان إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني في الحكومة المقالة ورئيس حركة حماس الإسلامية، الذي وصف بن لادن: «بالمحارب العربي المسلم»، بينما أصر آخرون على أن المعركة التي يمثلها بن لادن بين الولايات المتحدة والمقاتلين الإسلاميين مستمرة، فحركته من التشعب بما يكفي لأن تستمر بعد وفاته.

وقال بلال البارودي، خطيب مسجد سني في مدينة طرابلس اللبنانية: «قال أوباما (لقد أنجزت العدالة)، فلنر ما سيحدث».

وأضاف: «نحن نشجب ردود الفعل والاحتفالات التي شهدتها الولايات المتحدة، فما هذا النصر العظيم؟ وما الشيء الكبير الذي حققوه؟ بن لادن ليس النهاية، فالباب لم يوصد بعد بيننا وبين الولايات المتحدة».

لكن الاستنكارات غالبا ما تستنكر، فمروان شحادة الناشط الإسلامي والباحث في الأردني، يؤكد أن العالم العربي سيرى موت بن لادن من منظور كراهيتهم للسياسات الأميركية - التدخل في أفغانستان والعراق ودعم إسرائيل - دون النظر إلى وجهات نظره الشخصية، فيقول شحادة: «أسامة بن لادن شخصية كاريزمية محبوبة لدى الكثيرين من الناس، حتى بين المعتدلين، فهم يعتبرون بن لادن نموذجا لمحاربة الهيمنة الأميركية. والناس يرون فيه مناضلا ثوريا سواء اتفقوا مع آيديولوجياته أو لا».

لكن شحادة يؤكد في الوقت ذاته على أن هناك من بين المسلمين من سيعتبرون مصرع بن لادن بداية لنوع مختلف من الثورات، والتحول من العنف إلى الحوار السياسي نتيجة الأمل في التغيير الديمقراطي الذي أحدثه الربيع العربي الموسع. وقال شحادة في مقابلة معه: «أعتقد أن هذه الأنباء ستكون بمثابة نقطة تحول في تاريخ الحركة الإسلامية. فالحركات الإسلامية المتطرفة تشهد تراجعا في مقابل التيارات الأكثر وسطية التي تتمتع بمفهوم أكثر شمولية ودعائم سياسية».

من ناحية أخرى، قال موقع «الإخوان المسلمون» إنه بموت بن لادن «ينبغي على الولايات المتحدة أن ترحل عن العراق وأفغانستان».

سينظر البعض إلى مصرع بن لادن في نهاية الأمر على أنه علامة أخرى في تطور علاقة الإسلام السياسي بالدولة العربية. ففي عام 2001 كان بن لادن رمزا لدين يتعرض للحرب وتجسيدا لإحباطات الأفراد من طغيان جبروت الغرب تجاه دينهم. وكانت النتيجة المباشرة قمع الناشطين الإسلاميين داخل العالم العربي، فأشار الكثيرون إلى أن أيمن الظواهري نائب أسامة بن لادن والرجل الثاني في تنظيم القاعدة، حمل الفكر الراديكالي في سجون النظام المصري.

ويقول إسلام لطفي، الناشط وقائد جناح الشباب في حركة الإخوان المسلمين، أكثر التيارات الإسلامية في مصر: «بعد انتهاء الحرب الباردة وخروج أميركا كقوة عظمى، كان هو القوة الوحيد التي توازن القوة الأميركية».

وعلى الرغم من الانتفاضات التي شهدها العالم العربي مؤخرا، خاصة في مصر وتونس، فإنها قدمت صيغة سياسية جديدة، ربما يكون للتيارات الإسلامية نصيب فيها. وعلى الرغم من أن هناك غضبا كبيرا تجاه السياسة الأميركية للمعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين لا يزال قائما في العالم العربي، فإن الانتباه غالبا ما كان ينصب في اتجاه الداخل، حيث تركزت نقاشات الناشطين حول شكل الدول المستقبلية في المنطقة.

وقد أبدى البعض قلقا من إمكانية أن يصرف مصرع بن لادن الانتباه عن مثل هذا التحدي.

ويضيف لطفي: «كنا على مدى الأسابيع الماضية نتحدث بشأن الربيع العربي والثورات في العالم العربي، ونحن بشأن مستقبلنا. والآن أنا قلق بشأن رد فعل المجموعات القريبة من بن لادن التي ربما تعيد صورة العرب الإرهابيين الذين يكرهون أميركا».

حقيقة الأمر أن المشاعر مختلطة في العالم العربي، فعلى موقع صحيفة «اليوم السابع» كتب أحد القراء تعقيبا على خبر مقتل أسامة بن لادن: «لا أعلم إن كنت مقاتلا تقاتل في سبيل الله أم إرهابيا قتل الكثير من المسلمين».

بينما وصف عدد قليل آخر بن لادن بالشهيد، فكتب أحدهم: «عشت أسدا ومت ميتة الأسود رحمك الله أيها البطل».

بينما توعد آخرون بالانتقام لبن لادن، فكتب أحدهم: «كل الرؤساء الأميركيين السابقين والحاليين والمستقبليين أصبحوا هدفا للقاعدة».

وكتب آخر: «لن يكون العدو الأخير للولايات المتحدة، صحيح أنه تسبب في أضرار كبيرة لهم، لكنهم من صنعوا أعداءهم وسيخلقون بن لادن آخر وآخر».

على النقيض من ذلك، ابتهج آخرون بطي صفحة من التاريخ، فكتب أحدهم: «من الواضح أن هذا العام حمل الكثير من الخير بالنسبة للعرب. فتحرير أوطاننا من الطغاة والإرهابيين يعني دفعة إلى الأمام نحو الحداثة والتقدم».

هذا الشعور المتفائل الذي تردد صداه في أرجاء المنطقة، أكد أن الانتفاضات التي شهدتها مصر وتونس ألغت وسائل بن لادن.

ويقول سيد: «الآن بات هناك طريق ثالث. فعلى مدى أكثر عام لم يتحدث أحد فعليا عن بن لادن. وأصبحت القضية الآن كيف يمكننا التخلص من هذه الأنظمة؟».

* كتب أنتوني شديد من بيروت وديفيد كيركباتريك ومنى النجار من القاهرة وأسهمت ندا بكري وهويدا سعد من بيروت في الإعداد للتقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»