فرنسا وألمانيا وبريطانيا تلوح بعقوبات مشددة ضد مسؤولين سوريين

جوبيه: نأمل أن تشمل العقوبات الأسد نفسه.. والحكومة التي تقتل مواطنيها تفقد الشرعية

فرنسيون يتظاهرون أمام السفارة السورية بباريس أمس وقد رفعوا صورا للرئيس بشار الأسد شوهت برشّ الدهان عليها احتجاجا على هجوم الأمن السوري على الصحافيين (إ.ب.أ)
TT

صعدت 3 دول أوروبية رئيسية، أمس، موقفها تجاه النظام السوري في اتجاه فرض عقوبات، وأعلنت باريس وبرلين أنهما تسعيان إلى فرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي على قادة سوريين، بينهم الرئيس بشار الأسد، جراء قمع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في البلاد. في الوقت ذاته قال وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، إن بريطانيا تعمل مع شركائها الأوروبيين على وضع عقوبات موجهة تستهدف مسؤولين سوريين.

وقال هيغ أمام البرلمان البريطاني: «نحن نعمل الآن مع شركائنا الأوروبيين على وضع عقوبات موجهة تتضمن تجميد الأموال وحظر السفر. وسأناقش هذه الإجراءات بمزيد من التفصيل مع وزير الخارجية الفرنسي هذا المساء (مساء أمس)».

من جانبه قال ألان جوبيه، وزير خارجية فرنسا: «نحاول العمل مع شركائنا الأوروبيين»، وأجاب ردا على سؤال ما إذا كان الأسد يجب أن يكون بين المستهدفين بالعقوبات قائلا: «هذا هو ما تريده فرنسا».

وصرح نائب وزير الخارجية الألماني، فيرنر هوير، أن الوقت حان للتحرك، وقال: «لا تترك التصرفات الوحشية المستمرة للحكومة السورية للاتحاد الأوروبي خيارا سوى الضغط بقوة لتطبيق عقوبات موجهة ضد النظام».

ويوم الجمعة الماضي وافقت 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي على فرض حظر على بيع السلاح لسورية ودراسة إجراءات أخرى في ظل اتفاق مبدئي توصل إليه السفراء يجري الانتهاء منذ خلال الأيام المقبلة.

وبعد أن كان جوبيه أعلن صباح أول من أمس، الاثنين، أن النظام السوري معرض للسقوط إذا استمر في عمليات القمع ضد شعبه، اجتاز، أمس، عتبة إضافية في الضغوط المتواصلة على دمشق عبر إدخال عنصرين إضافيين: الأول تأكيده أن باريس تطالب بفرض عقوبات تطال الرئيس السوري نفسه، والثاني تطبيق القاعدة التي التزمت بها فرنسا في التعاطي مع النظام الليبي، إذ اعتبر جوبيه، وللمرة الأولى، أن السلطات السورية فقدت شرعيتها بسبب الأوامر التي أعطتها والتي أدت إلى مقتل متظاهرين.

وفي مؤتمر صحافي عقد ظهر أمس في مقر الوزارة بمناسبة يوم الصحافة العالمي، أعلن جوبيه أن فرنسا «تتمنى» أن تشمل العقوبات التي تتشاور بشأنها دول الاتحاد الأوروبي الرئيس الأسد.

وكانت اللجنة السياسية بدأت يوم الجمعة الماضي النظر في لائحة من العقوبات التي يريد الاتحاد فرضها على سوريا، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة. غير أن ما تريده باريس على المستوى الأوروبي يذهب أبعد ما ذهبت إليه واشنطن التي أقرت لائحة أسماء ليس من ضمنها اسم الرئيس السوري، بينما يوجد على اللائحة المذكورة اسم شقيقه الضابط ماهر الأسد. وتندرج العقوبات الأوروبية التي تحظى بموافقة الدول الكبرى (فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا) في شقين: عقوبات فردية، وعقوبات تطبق على الدولة السورية، وأول بند فيها وقف مبيعات الأسلحة والمعدات الدفاعية لسوريا، وعقوبات اقتصادية مثل تجميد المساعدات والبحث في اتفاقية الشراكة مع الإبقاء على المساعدات التي تذهب إلى منظمات المجتمع المدني. ومن العقوبات الفردية حجب تأشيرات السفر إلى بلدان الاتحاد على الضالعين في إعطاء الأوامر لقمع المظاهرات وتجميد ودائعهم المالية وتدابير فردية أخرى. وإذا تبنى الاتحاد الأوروبي المنطق الفرنسي، فإن الرئيس السوري الذي تريد باريس ضمه إلى اللائحة سيجد نفسه ممنوعا من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وتركز باريس على العقوبات الأوروبية لأن باب فرض عقوبات دولية عبر مجلس الأمن يبدو مقفلا في الوقت الحاضر. ورجح جوبيه أن تستخدم روسيا والصين حق النقض (الفيتو) لإجهاض مشروع كهذا في مجلس الأمن، ناهيك عن أنه لا تتوافر له الأصوات الـ9 اللازمة لكي يتم تبنيه في حال افتراض امتناع موسكو وبكين عن معارضته.

غير أن الأمر الآخر الأكثر خطورة يتمثل في الخطوة الجديدة لجوبيه التي يمكن فهمها على أنها بداية تشكيك في شرعية النظام السوري. وقال الوزير الفرنسي حرفيا: «إن حكومة (تعطي الأوامر) لقتل مواطنيها لأن هؤلاء المواطنين يطالبون بـ(حرية) التعبير وبديمقراطية حقيقية هي حكومة تفقد شرعيتها».

وعلى الرغم من أن الوزير الفرنسي لم يصل بعد إلى درجة المطالبة باستقالة الرئيس السوري، فإن المواقف التصعيدية المتواصلة تنبئ بأن هذه الخطوة قد تأتي سريعا. ويمكن اليوم فهم تصريحات الوزير الفرنسي على أنها من باب الضغوط الدبلوماسية والسياسية المقصود منها، وفق ما قالت مصادر واسعة الاطلاع في باريس، دفع السلطات السورية إلى وقف حلقة العنف والقمع والاستجابة لمطالب التغيير وإجراء إصلاحات حقيقية تستجيب لمطالب المتظاهرين. ولذا؛ فإن باريس لم تجتز بعد الخط الأحمر أي مرحلة المطالبة بتغيير النظام، رغم حديث الأمس عن فقدانه الشرعية، بل إنها تدفع إلى إصلاحه.

وحتى بخصوص هذا الموضوع بالذات، فإن ثمة جدلا داخل دوائر صنع القرار الفرنسي حول قدرات هذا النظام على الإصلاح، حتى لو توافرت النية لذلك.

وتعتبر هذه المصادر أن تطبيق العقوبات الأميركية والأوروبية على دمشق ستقود إلى عزلة النظام الدولية، وهو ما سعت سوريا إلى كسره بعد السنوات الصعبة التي أعقبت إخراج قواتها من لبنان ربيع عام 2005.