عباس يدعو لطي الصفحة السوداء.. ومشعل لاستراتيجية سلام جديدة

بحضور عربي وإسلامي ودولي.. رئيس المخابرات المصرية يسلم عباس وثيقة المصالحة الموقعة من كل الفصائل الفلسطينية

ابو مازن يتسلم نسخة من اتفاق المصالحة من رئيس المخابرات المصرية مراد موافي امس (ا. ف. ب)
TT

أنهت حركتا فتح وحماس خلافا تسبب في شق صفوف الفلسطينيين على مدى نحو 4 سنوات، واحتفلتا في القاهرة أمس بالتوقيع رسميا على اتفاق المصالحة وسط أجواء من التفاؤل بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في ظل حضور عربي وإسلامي ودولي.

ورفع الجميع صوته ورددوا عاليا: «الشعوب تريد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين».. وظهر هذا جليا في خطابي أبو مازن ومشعل؛ حيث تكاملا معا في المعنى والهدف تحت سقف الراعي المصري، وفى مقر المخابرات العامة المصرية التي عملت على هذا الملف منذ أربعة سنوات، وكثفت العمل على مدار الأيام العشرة الماضية مع مدير المخابرات اللواء مراد موافي الذي شدد في كلمته المختصرة على أهمية التعامل مع تحديات التنفيذ بكل حسم، مشيرا إلى أن «المرحلة القادمة أصعب من استعادة الوحدة ومن توقيع الاتفاق، وعلى الجميع الاستعداد لاجتياز الصعاب من خلال الحوار». وأكد موافي التزام مصر بتقديم كل المساعدة من أجل تحويل الحلم الرائع إلى واقع وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في إقامة دولته. وقال: «سنظل نعمل من أجل السلام باعتباره خيار الجميع»، وتمنى أن يكون الاحتفال المقبل داخل دولة فلسطين.

وبدد شكل منصة الاحتفال أي توتر أو حتى حساسية، كما كان في السابق عندما كانت تصر حركة حماس على أن يجلس مشعل على المنصة، فقد تركها وجلس في صفوف الفصائل. وانطلاقا من روح الاتفاق وضع على المنصة ثلاثة مقاعد جلس عليها كل من أبو مازن واللواء موافي ووزير الخارجية المصري نبيل العربي.

ولم يخل خطاب عباس من بعض الدعابات المرحة، آثر أن يلقيها للحضور بين الحين والآخر، مستهلا إياه بصيغ جديدة تتفق وحالة المصالحة والوفاق عندما قال: «سنصنع أساس تعاقد جديد مع الشعب الفلسطيني الذي رفض الانقسام ونعلن من القاهرة طي صفحة الانقسام السوداء».

وقال عباس: «سنكرس وقتنا لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة»، وتحدث عن الاعترافات التي تتوالى بدولة فلسطين من دول العالم ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، كما تحدث عن شهادات المؤسسات الدولية التي تؤكد جاهزية إعلان الدولة، وقال: «نحن نرفض الابتزاز، وإذا استمرت إسرائيل، لن ننتظر حتى سبتمبر (أيلول) المقبل لإعلان الدولة؛ وإنما قد نعجل بذلك في الشهر الحالي، أو حتى المقبل». وشدد على أن دولة فلسطين ستولد هذا العام، وانتقد تهديدات إسرائيل وتدخلها في الشأن الفلسطيني، ومعاقبة الشعب على وحدته وإنهاء الانقسام. وقال أبو مازن: «إن حماس أهلنا، وجزء من شعبنا، وقد نختلف، وقد نتفق، وكثيرا ما نتفق، وإسرائيل هي العنوان الذي نتفاوض معه دون السؤال عن تركيبة حكومة إسرائيل وأعضاء الكنيست الإسرائيلي». وساق أبو مازن أحد ردود فعل إسرائيل على المصالحة وهو سحب بطاقة الشخصيات المهمة، وقال معلقا: «لا أريدها لأن إسرائيل تقوم بتفتيشي». ورد أحد الحضور قائلا: «لن نسمح لإسرائيل بتفتيش رئيسنا».

وانتقد أبو مازن إسرائيل وأعاد إليها الكرة، عندما كانت تتنصل من المفاوضات معه وتقول لا يوجد شريك فلسطيني بسبب الانقسام، ثم قال: «ونحن نقول اليوم لنتنياهو: (الشريك الفلسطيني موجود، فهل من شريك إسرائيلي؟)». وأكد التزام السلطة بالشرعية الدولية، وبحل الدولتين وعلى حدود 67، وعودة اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة. ودعا دول العالم إلى العمل على وقف التهرب الإسرائيلي من هذه الالتزامات والدخول في حل عادل وفق مبادرة السلام العربية التي أصبحت جزءا من خريطة الطريق التي تحمل القرار رقم 1515 في مجلس الأمن.

وأكد أبو مازن أن الحقوق الفلسطينية ليست قابلة للمساومة أو للانتقاص، ورفض مسبقا أي حلول جزئية أو مؤقتة ستدعو إليها إسرائيل، وقالها صراحة: «لن يكون هناك أي جندي إسرائيلي على أرض دولة فلسطين المستقلة». كما أكد نبذ العنف والإرهاب بكل أشكاله وصوره وشدد على إدانته، وقال: «إن الشعب الفلسطيني ضحية للإرهاب وإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، وكذلك ضحية للتطهير وللتهويد وللفصل العنصري وإرهاب المستوطنين». وشدد على الحق في المقاومة المشروعة وممارستها وفق القانون الدولي والإنساني وبما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني، وقال إن السلاح الفلسطيني والسلطة والمرجعية واحدة لخدمة الشعب وحقوقه العادلة والمشروعة.

ودعا عباس إلى إنجاز الاتفاق في أسرع وقت ممكن، وقال: «إذا خيرت حول توقيت إجراء الانتخابات لاخترت بأن تجرى بعد ثلاثة أشهر، ولكنني وافقت على موعدها بعد عام نزولا عند رغبة كل الإخوة في الفصائل الفلسطينية، وأعلن أن تشكيل الحكومة سيرى النور قريبا والعمل في تنفيذ الاتفاق وإعداد الانتخابات الثلاثة؛ الرئاسية، والمجلس التشريعي، والوطني. وتفعيل منظمة التحرير». ثم وجه أبو مازن عدة رسائل إلى الشعب الفلسطيني، لافتا إلى سرعة إنهاء الانقسام بناء على طلبه. ووصف الأسرى بأنهم فرسان الحرية، وشدد على أهمية إطلاق كل السجناء وقال: «لن يوقع أي اتفاق قبل الإفراج عن جميع الأسرى».

أما مشعل، فقد استعان في حديثه بالبلاغة في الإيجاز، لافتا إلى أن «الحر تكفيه الإشارة». وأهدى مشعل اتفاق المصالحة لكل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وفلسطينيي 48 وفلسطينيي الشتات والأسرى، كما أشاد بدور مصر وثورتها في إنجاز الاتفاق واسترداد الحق الفلسطيني. وقال: «صفحة الانقسام السوداء أصبحت خلف ظهورنا وتحت أقدامنا، وأعلن باسم حماس وإخواني في الفصائل الأخرى التالي: (إننا قررنا أن ندفع بالمصالحة للنهوض بمصالح شعبنا، وأن تكون معركتنا مع إسرائيل المحتلة وليس مع أبناء الوطن)». وطالب بسرعة إعداد مشروع وطني لترتيب الوضع في الداخل خلف قيادة وسلطة ومرجعية موحدة وهدف واحد، ومن أجل قيام دولة فلسطين الحرة المستقلة على أرض الضفة وقطاع غزة دون استيطان، وعودة اللاجئين. وقال: «نحن مستعدون للحوار الجاد من أجل حل جاد وسريع». وخاطب مشعل القيادة المصرية الجديدة قائلا: «نحن أعطينا للسلام منذ مؤتمر مدريد وإلى اليوم فرصة عشرين عاما، ومستعدون لإعطاء فرصة إضافية، ولكن إسرائيل لا تحترم حقوقنا المشروعة وترفضها وتريد الأرض والأمن معا وتزعم أنها تريد السلام. وعليه، نحن مستعدون للسلام الجاد ولن نعلن الحرب على أحد». واتفق مشعل مع الرئيس عباس في مسألة الذهاب مبكرا إلى الانتخابات، وقال: «نحن نريد ذلك في أقرب فرصة، وسنقبل بنتائج الانتخابات أيا كانت». ودعا إلى العمل الفوري في كل الملفات لإنجازها. وشدد على أن أبناء الشعب الفلسطيني ليسوا أعداء بعضهم ضد بعض، وأن إسرائيل هي العدو الذي يحتاج إلى القوة في التعامل.