انقسام فريق الأمن القومي لأوباما بشأن الهجوم على بن لادن

واشنطن: إسلام آباد ستظل شريكا أساسيا في حربنا ضد تنظيم القاعدة

مجلة أميركية تعلن مقتل أسامة بن لادن على غلافها الخارجي في مدينة كراتشي أمس (رويترز)
TT

كان أوباما في مواجهة فريق منقسم بشدة وفرص نجاح كبيرة عندما أصدر أوامره للقوات الخاصة بشن هجوم أسفر عن مقتل أسامة بن لادن، الأسبوع الماضي، على حد قوله في مقابلة أذيعت يوم الأحد الماضي.

أقرّ بأنه لم يكن لديه سوى قرائن على وجود بن لادن في المجمع السكني بأبوت آباد في باكستان. وأوضح عدم وجود صورة فوتوغرافية واحدة تدل على وجوده، وعدم تأكيد أحد على رؤيته. وكان أوباما يشعر بالقلق من أن لا تجد القوات الخاصة سوى شخص آخر, بدلا من الزعيم الإرهابي المسؤول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وصرح أوباما لبرنامج «60 دقيقة»، الذي يذاع على شاشة قناة «سي بي إس» قائلا في أول مقابلة منذ مقتل بن لادن: «في النهاية لم يكن الأمر مؤكدا، بمعنى أننا لم نكن نستطيع أن نجزم بوجود بن لادن هناك. لو لم نجده، لحدثت عواقب وخيمة».

وقال أوباما، في أكثر تعليقاته ثورية، عن أفكاره خلال الأيام التي سبقت العملية، إنه وضع المخاطر في الاعتبار وقرر اقتناص أكثر الفرص الواعدة للإمساك ببن لادن أو قتله على مدى عقد من الزمن. ورفض بذلك المشورة التي قدمها له عدد كبير من مستشاري الأمن القومي الذي كانوا يشعرون بالقلق من خطورة خطة نشر قوات برية في باكستان، على حد قوله. وقال أوباما: «لقد خلصت إلى أن الأمر جدير بالمحاولة، فقد دفعنا الكثير من الدماء والأموال في الرد على هجمات تنظيم القاعدة منذ عام 2001. لقد قلت لنفسي إنه إذا كانت لدينا فرصة جيدة لشلّ حركة تنظيم القاعدة لا القضاء عليها تماما، فهذا أمر جدير بالمخاطرة، سواء برجالنا، أو سياسيا بعد مطاردة تكلفت مليارات الدولارات، وامتدت إلى نحو عشر سنوات».

وفي وقت مبكر من يوم الأحد، قال رئيس فريق الأمن القومي إنه لا يوجد أي دليل على معرفة الاستخبارات الباكستانية أو المؤسسة العسكرية أو القيادة السياسية أي معلومات عن اختباء بن لادن في مدينة عسكرية تبعد 35 ميلا عن العاصمة الباكستانية. في الوقت ذاته، ظل الكثير من المسؤولين الباكستانيين في أبوت آباد وفي أماكن أخرى في باكستان يشكون في عدم معرفة السلطات الباكستانية بوجود بن لادن في ذلك الحي. وأصدر الرئيس أوامره بشن الهجوم صباح يوم الجمعة الموافق 29 أبريل (نيسان)، بعد يوم من مراجعة كبار مستشاري الأمن القومي للحجج المختلفة في أحد الاجتماعات بالبيت الأبيض.

وقال أوباما إن مستشاريه أعربوا عن شكوكهم التي شاركهم في بعضها، وتفحص مسؤولو الأمن السيناريوهات المحتملة، ودرسوا نموذجا لمجمع بن لادن السكني تم إحضاره إلى البيت الأبيض. بعد يومين، استمر أوباما في القيام بمهامه المدرجة على جدول أعمال اليومي، ومنها القيام بجولة في الولايات الجنوبية التي ضربها الإعصار وحضور عشاء (نقل على التلفزيون) مع رابطة مراسلي البيت الأبيض، مع الاستمرار في دراسة خطورة الأحداث التي يعتزم تحريكها.

قال أوباما: «لم يكن يعلم أرفع مساعديّ مستوى أننا سنقوم بهذا الأمر. كنت أرغب أحيانا في التحدث عن الأمر مع المزيد من الأشخاص، لكن لم يكن هذا اختياريا. وخلال نهاية أسبوع لم يكن يخفى على أحد أن هذا الأمر يعتمد عليَّ». فقط بعد هبوط القوات الخاصة في أفغانستان، اقتنع المسؤولون الأميركيون بأنهم نجحوا، على حد قول أوباما.

وروى أوباما كيف خرج من غرفة الاجتماعات بالبيت الأبيض وهو يقول لمساعديه: «لقد نلنا منه».

عيون على باكستان

* أقرّ الرئيس بأنه تفاجأ لدى علمه بأن بن لادن يختبأ في باكستان من عام 2005 دون أن يكشف أي من المسؤولين الأمنيين الباكستانيين مكانه. وأكد مسؤولون في البيت الأبيض دعم شبكة ما لأسامة بن لادن داخل باكستان، على الرغم من أنه لم يتضح بعد نوع هذه الشبكة.

وقال: «لا نعرف ما إذا كانت تضم بعض المسؤولين داخل الحكومة أم من خارجها. علينا التحقيق في ذلك الأمر. والأهم من ذلك أنه على الحكومة الباكستانية التحقيق في الأمر أيضا».

وقال توماس دنيلون، مستشار الأمن القومي، إن باكستان تظل شريكا مهما في المعركة ضد تنظيم القاعدة، على الرغم من التوترات الجديدة في العلاقات، بعد أسبوع من الهجوم على مدينة أبوت آباد. لكنه أقرّ بأن مسؤولين باكستانيين لم يطلعوا الأميركيين على معلومات مهمة تم الحصول عليها منذ تنفيذ العملية، أو بعمل مقابلات مع أفراد أسرة بن لادن الذين ما زالوا قيد الاعتقال من قبل السلطات الباكستانية. وأضاف دنيلون في برنامج «الأسبوع الحالي» على قناة «إيه بي إس»: «لقد طلبنا مقابلة هؤلاء الناس». ويعد هذا البرنامج هو الرابع الذي يظهر فيه دنيلون يوم الأحد.

وقال أحد مسؤولي الاستخبارات الباكستانية يوم الأحد الماضي إن حكومته كانت بحاجة إلى تصريح من الدول التي تنتمي لها زوجات بن لادن، قبل أن تسمح باكستان لمسؤولين أميركيين باستجوابهم. وإحدى زوجات بن لادن من اليمن، لكن قال المسؤول إنه لا يعرف جنسيات زوجاته الأخريات.

وتساءل دنيلون عما إذا كان مسؤولون باكستانيون رفيعو المستوى يعرفون بوجود بن لادن في أبوت آباد، أم ربما كانوا يدعمون زعيم تنظيم القاعدة ماديا؟! وأضاف: «بينما أجلس هنا معك، ليس لدي أي معلومات تشير إلى معرفة القيادة السياسية أو العسكرية أو الاستخبارات الباكستانية بمكان بن لادن».

وأشار مسؤولون أميركيون آخرون وشخصيات قيادية في الكونغرس، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى أن المسؤولين الباكستانيين كانوا يعرفون بالتأكيد بوجود بن لادن، وإلا فهم غير أكفاء نظرا لإخفاقهم في اكتشاف وجوده لمدة ست سنوات في مدينة تضم واحدة من أكبر الأكاديميات العسكرية.

وقال دنيلون إنه يتم طرح تساؤلات «على نحو عدواني في باكستان» عن كيفية نجاح بن لادن في الإقامة بسلام في باكستان طوال تلك المدة. لكنه قال إن إسلام آباد «تظل شريكا أساسيا لنا في حربنا ضد تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى».

وصرح لكريستيان أمانبور، مذيع قناة «إيه بي سي»، قائلا: «إنها علاقة مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لذا نحن بحاجة إلى تقييم هذا الأمر.. بهدوء وروية».

وسار آخرون على نهج دنيلون لتهدئة الخطاب المعادي لباكستان في واشنطن، حيث قال السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والعضو الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس، إن باكستان كانت متعاونة في النيل من بن لادن، على الرغم من اختيار البيت الأبيض عدم إخطار إسلام آباد بالغارة التي شنت على أبوت آباد، حتى بعد انتهائها.

وقال كيري في مقابلة في برنامج «واجه الأمة» على قناة «سي بي إس»: «حتى في عملية النيل من بن لادن، كانت باكستان متعاونة. لدينا أميركيون على الأرض لأن باكستان سمحت لنا بذلك. لقد عملنا بالفعل معهم من خلال جهات محددة داخل الاستخبارات التي ساعدت في العثور عليه».

حتى داخل الحكومة الباكستانية، التي تكثر شكاوى بعض المسؤولين لها من تدمير أجهزة الاستخبارات الباكستانية لهم، شكك البعض في قدرة بن لادن على البقاء لسنوات في مدينة أبوت آباد دون مساعدة من مسؤولين. على الأرجح لم يكن يعرف مسؤولون في الجيش والاستخبارات الباكستانية مكان بن لادن بشكل مباشر، لكن ربما كانت عناصر من الاستخبارات الباكستانية تعلم بمكانه، على حد قول أحد كبار مسؤولي الحكومة الباكستانية.

وقال مسؤول رفيع المستوى في جهاز الشرطة إنه «سيُذهل» إذا لم يبلغ الجيران الشرطة عن نشاط مريب داخل هذا المنزل في أبوت آباد.

وخدم ذلك المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته، كرئيس شرطة في أربع مناطق، وقال إنه والضباط الذين يعملون تحت إمرته نصحوا السكان بمراقبة جيرانهم والإبلاغ عن أي سكان جدد.

وقال المسؤول: «كنت أتلقى مكالمة مرة في الأسبوع من مجهولين يخبرونني بتردد أناس مثيري للريبة على ذلك المنزل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»