والدة أصغر معتقل في غوانتانامو لـ«الشرق الأوسط»: التقشف والزهد الوجه الآخر لعائلة بن لادن

عمر خضر الكندي يتواصل مع عائلته من المعسكر الأميركي عبر «الماسنجر»

السيدة مها السمنة (أم عمر) (يمين)
TT

كشفت السيدة مها السمنة (أم عمر) زوجة خضر الكندي، وهي كندية من أصل مصري، بعض تفاصيل الحياة الخاصة لأسامة بن لادن، زعيم «القاعدة»، من خلال الاقتراب من عائلته في أفغانستان. وأشارت زوجة أحمد سعيد خضر الملقب بـ«الكندي»، الذي قتل في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2003 في منطقة وزيرستان بباكستان وأصيب ابنه عبد الكريم في العملية نفسها، إلى أن عائلتها «عاشت حياة لصيقة بالقرب من عائلة بن لادن في مجمع سكني بمدينة جلال آباد عدة سنوات قبل الانتقال إلى وزير أكبر خان أو حي السفارات الغربية في العاصمة كابل، وحتى مغادرة أفغانستان إلى مدينة لوغر (معقل الحزب الإسلامي الذي يقوده حكمتيار) قبل الضربات الجوية الأميركية في أكتوبر عام 2001». وأكدت أم عمر أن التقشف والزهد هما الوجه الآخر لعائلة بن لادن. وقالت إنها لم تستغرب من الصور التي بثتها أجهزة الاستخبارات الأميركية من واقع أشرطة الفيديو الخمسة التي عثر عليها في المجمع السكني لابن لادن. وأوضحت أنها لا تصدق أن بن لادن مكث في هذا المجمع السكني خمس سنوات متواصلة لم يغادره أبدا، مشيرة إلى أن الرجل في أفغانستان كان كثير الحركة بين رفاقه، وكثيرا ما كان يذهب إلى أعوانه ويذهبون إليه.

والسيدة مها السمنة (أم عمر) يحتجز ابنها عمر خضر في معسكر غوانتانامو، وعمر يبلغ اليوم من العمر 14 عاما، وهو آخر غربي معتقل في غوانتانامو، وقد اعتقلته القوات الأميركية في أفغانستان عام 2002 عندما كان في الـ15 من العمر، وقضى تقريبا ثلث عمره سجينا في معتقل غوانتانامو الحربي الأميركي، وهو متهم بإلقاء قنبلة يدوية وقتل جندي أميركي خلال معركة في أفغانستان، وبالتآمر لإعداد قنابل يدوية الصنع بهدف قتل جنود أميركيين. وقالت: «عشنا في جلال آباد وكذلك في العاصمة كابل، ولكن هناك فرق كبير بين المدينتين. الطقس في جلال آباد حار، أما كابل فهي مرتفعة عن سطح البحر والطقس فيها منعش، وحي وزير خان الذي كنا نعيش فيه وهو حي السفارات الغربية، الشوارع فيه عريضة وتحفها الأشجار، كأنك تعيش في عاصمة غربية، والفيلات واسعة وكبيرة الحجم».

وقالت أم عمر إن عائلة بن لادن كانت تعيش حياة بسيطة للغاية دون بهرجة، لا تختلف كثيرا عن الصور المسربة من داخل المجمع السكني في أبوت آباد، والرجل نفسه لم يكن يسمح أن يعيش أولاده حياة مترفة أفضل من حياة عائلات رجاله المقربين في كابل وجلال آباد وقندهار. وأوضحت أم عمر أنه ليس صحيحا بالمرة أن الرجل منع الكهرباء عن عائلته كما يتردد، بل كانت لديهم مولدات كهربائية، وزوجاته كان لديهن أيضا غسالات كهربائية. وأشارت إلى أن عائلتها كانت تعيش في منزلين بجلال آباد عدة سنوات ضمن المجمع السكني لابن لادن الذي سوي بالأرض في الغارات الأميركية على أفغانستان قبل الانتقال إلى كابل.

وأشارت إلى أن بن لادن كان يمنع أولاده من شراء أي منتج أميركي، بل اعتبره «مسا شيطانيا»، من باب مقاطعة المنتجات الأميركية حتى لو كان «الآيس كريم»، وأشارت إلى أن «كثيرا من العائلات العربية التي عاشت في كنفه ما زالت تحذو حذوه في هذا المجال». وقالت: «كان هناك نوع من التذمر من جانب الأطفال، من تلك الحياة الخشنة، كما حدث أيضا بين أطفالي، ولكن كان هذا النوع من الحياة البسيطة هو السائد بين عائلات الأفغان العرب في أفغانستان»، وأضافت أنها زارت زوجات بن لادن عدة مرات، وكان من الصعب عليهن الخروج من المجمع السكني، والرجل كان مثل «المغناطيس» بالنسبة إلى رفاقه والمحيطين به في الانجذاب إليه والاستماع إلى نصائحه.

وأوضحت: «كان طاغيا ومؤثرا في دفع الصغار إلى التعليم وممارسة الرياضة بكل أنواعها، وتعلم السباحة، خاصة التصويب بالبنادق وركوب الخيل عملا بالحديث الشريف: (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل)». وقالت إنه «على الرغم من أنها لم تلتق بن لادن، فإنه كان شخصا عاديا، يتمتع بحس إنساني، وأحيانا أخرى كان متقلب المزاج، أما بالنسبة للذين يحيطون به، فكانوا مختلفين عنه، لكن هناك شيء واحد كان يجمعهم، وهو أنهم مستعدون للتضحية بأرواحهم من أجله، وكنا نلحظ أن الدكتور أيمن الظواهري وأبو حفص المصري (المسؤول العسكري لتنظيم القاعدة الذي قتل في قندهار في بدء العمليات الأميركية على أفغانستان) كانا لهما مكانة خاصة في قلبه». وقالت: «أولادي زاملوا أولاد بن لادن، وكانوا يدرسون في جلال آباد الرياضة والهندسة والكيمياء والفيزياء والتاريخ والجغرافيا، وكذلك العلوم الإسلامية مثل التوحيد والفقه والعقيدة واللغة العربية، والشعر الذي كان بن لادن يحب ويكافئ من يسترسل فيه من الأولاد». وكانت السلطات الباكستانية قد أعلنت منتصف عام 2004 أنها تأكدت من أن خضر الكندي الذي قتل في منطقة قبلية في باكستان خلال عملية للجيش هو مسؤول كبير في تنظيم القاعدة، بعد التعرف على هويته عبر فحص الحمض النووي الريبي «دي إن إيه». وزوج السيدة مها السمنة، واسمه أبو عبد الرحمن وكنيته «إلياس الكندي»، كان مدرجا ضمن قائمة شملت 39 شخصا وهيئة، جمدت الولايات المتحدة أرصدتهم. ويعتقد أن أبو عبد الرحمن الكندي الذي يحمل الجنسية الكندية، كان أحد المهاجرين من كندا إلى أفغانستان في أيام القتال ضد الروس منتصف الثمانينات، وتتهمه السلطات المصرية بأنه العقل المدبر لتفجير سفارتها في إسلام آباد عام 1995.

وأوضحت أن زوجها كان «رجل خير منذ وصوله من كندا إلى باكستان في الثمانينات.. كان يدير عدة منظمات إغاثة لبناء المدارس وكفالة الأيتام، وكانت لها فروع في كابل وجلال آباد وخوست ولوغر». وقالت إن «أحوال العائلة تحسنت كثيرا والحمد لله في تورونتو، حيث حصلت أصغر بناتي مريم على جواز سفرها الكندي (بعد سنوات من الحظر) وآمل من الله عز وجل أن يحصل بقية أولادي (عبد الله الذي أفرج عنه في أغسطس/آب الماضي، وعبد الكريم وزينب وعبد الرحمن الذي احتجز في معسكر غوانتانامو لمدة ثمانية أشهر ضمن أسرى تنظيم القاعدة وطالبان قبل الإفراج عنه)، على حقوقهم الدستورية كافة. وبالنسبة لابنها عمر المحتجز في معسكر غوانتانامو منذ عام 2002، ويبلغ اليوم من العمر 24 عاما، فقد حدثت انفراجة كبيرة ، فهي على تواصل معه عبر «الماسنجر»، حيث سمحت إدارة المعسكر لابنها بأن يتواصل مع عائلته عبر «الماسنجر» بالصوت والصورة لمدة ساعة شهريا، وقالت: «نحن ننتظر هذا الميعاد على أحر من الجمر. جميع أفراد العائلة ينتظرون صوت عمر وصورته مرة في الشهر، ويتحدث إلينا بالعربية عن أحواله، وقرب الفرج الذي ينتظره في ترحيله إلى كندا لقضاء مدة العقوبة المقررة بحقه». وأشارت إلى أن ابنها عمر يقضي وقته في ترتيل آيات المصحف الشريف وحفظ بقية أجزائه، وإجادة فن الرسم بالزيت والشمع. وأوضحت أن نجلها عمر كثيرا ما أكد لها أن أول شيء سيفعله بعد الخروج من غوانتانامو، هو إقامة معرض للوحاته، التي سجل فيها بأنامله خواطره. وأشارت إلى أن «عمر ذات مرة كان يوضح لي أنواعا من الطعام افتقدها بشدة مثل القلقاس والمحشي». وكانت محكمة استثنائية عسكرية حكمت في قاعدة غوانتانامو الأميركية (كوبا)، على الكندي عمر خضر بالسجن 40 عاما في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك بعد اعترافه بجرائم حرب من بينها القتل، وهي عقوبة رمزية تزيد خمس مرات على العقوبة التي تضمنها اتفاق رضائي على أساس الاعتراف بالذنب لن يقضي بموجبه خلف القضبان سوى ثمانية أعوام. وقد اعترف خضر، الذي كان في الخامسة عشرة عند اعتقاله، في النهاية، أمس، بقتل الممرض العسكري الأميركي السيرجنت كريستوفر سبير بقنبلة يدوية عام 2002.