الناتو يقصف مبنى في باب العزيزية.. ومصرع 3 أشخاص ضمنهم صحافيان

ظهور تلفزيوني جديد للقذافي ينفي وفاته

العقيد الليبي معمر القذافي كما بدا في قناة «الجماهيرية» بعد أيام من عدم الظهور.. وذلك خلال لقاء مع أعيان قبائل منطقة الشرق في طرابلس أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

رد الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي على التساؤلات التي هيمنت على المشهد السياسي والعسكري المتأزم في ليبيا بعدما غاب عنه عدة أيام بظهوره المفاجئ مساء أول من أمس وهو يلتقي عددا من المسؤولين الليبيين، فيما بدا أنه بمثابة نفي عملي لما أشيع عن إصابته ووفاته.

وظهر القذافي على شاشة التلفزيون الرسمي الليبي بشكل مفاجئ ومن دون مقدمات أو إعلان مسبق، وهو يلتقي في أحد فنادق العاصمة الليبية طرابلس، مع من وصفتهم السلطات الليبية بأعيان القبائل الليبية بالمنطقة الشرقية.

كما ظهر القذافي في اللقطات التي دامت أقل من 5 دقائق وهو يرتدي ملابسه البدوية ونظارة سوداء.

وتطرق القذافي إلى المؤتمر الأخير الذي عقدته القبائل الليبية مؤخرا في العاصمة طرابلس، وأشار إلى جاد الله عزوز الطلحي، رئيس الوزراء الليبي السابق، وعبد العاطي العبيدي، وزير الخارجية، وبعض المسؤولين الآخرين، وقال إنهم يمثلون قبائلهم ولا يستطيع أحد المزايدة عليهم.

وفي أول ظهور علني له منذ مصرع نجله الأصغر سيف العرب وثلاثة من أحفاده في غارة نفذتها الأسبوع الماضي طائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أحد أحياء طرابلس، بدا القذافي مبتسما وهو يحاول مداعبة بعض الحاضرين بالإشارة إلى قبائلهم وأصولهم الاجتماعية.

وقال القذافي «نريد أن نبين للعالم الحقيقة التي زوروها وزيفوها إلى أبعد الحدود، لكن التزوير والكذب لن يفيد، ولن يصنع الحقيقة؛ الحقيقة هي التي تصنع كل شيء، أنتم بادرتم بقيام ملتقى أعيان القبائل الليبية، وأنا في هذه القاعة أقول للعالم وأنتم موجودون، إن هؤلاء أعيان القبائل الليبية».

ووضع ظهور القذافي على هذا النحو حدا لحالة من الارتباك سادت نظام حكمه، لكن وبعد ساعات فقط من هذا الظهور التلفزيوني قصفت قوات حلف شمال الأطلسي مقر إقامة القذافي الحصين في باب العزيزية بطرابلس، مما أسفر عن مصرع ثلاثة أشخاص من بينهم صحافيان وإصابة 21 آخرين بجروح متفاوتة، وفقا لما أعلنه موسى إبراهيم، الناطق الرسمي باسم الحكومة الليبية.

وقال موسى، في مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر أمس في طرابلس: «لن نستسلم وسنقاتل وسنتنصر»، معتبرا أن حلف الناتو يهلوس ويزداد جنونه ويقتل الناس المدنيين العزل.

وتابع: «هذا المكان تم قصفه بـ5 صواريخ تكلفتها 10 ملايين دولار، هذا مبنى إداري».

لكن الناطق باسم الحكومة الليبية رفض السماح للصحافيين بتفقد المكان أو التجول في مقر القذافي، وقال «هذا مكان الرئاسة كما هو الحاصل في أي دولة، لكن إن تدخلوا إلى مكان معين هذا يخضع للقواعد».

وأضاف: «في أي بلد هناك قصر رئاسة وهناك أماكن لا يمكن الدخول إليها، ولا يمكنك الدخول على سبيل المثال إلى مقر البيت الأبيض في واشنطن، هناك أماكن خاصة لا يمكن لأحد السماح بدخولها. هذا أمر طبيعي».

واعتبر أن المدنيين الموجودين حول المكان هم مدنيون يريدون حماية مجمع القذافي، وهم مجرد متطوعين كدروع بشرية أتوا ليستمعوا إلى الموسيقى ويرقصوا، على حد قوله.

وسئل لماذا لا تنصح الحكومة الليبية المدنيين بالابتعاد عن المكان، فقال: «لا تلوموا الناس، لن نرحل، هذه أراضينا إذا كانت لديكم أفكار اطرحوها على الناتو هو من يأتي من خلف البحار ليقتلنا».

وتابع: «هذا المجمع الإداري تم استهدافه عام 1986 وتم تحويله إلى مقر إقامة القذافي، في الأيام العادية الناس تأتي هنا لتلتقي القائد وترقص، هذا مكان اجتماعات وحتى في وقت السلام هو مخصص للقاءات والأنشطة السياسية».

وقال موسى إن اثنين من الصحافيين الليبيين لقيا حتفهما بينما كانا يقومان بعمل فيلم تسجيلي عن الدمار الذي يسببه قصف حلف الناتو.

وعرف موسى الصحافيين بأنهما «علي الجيرو» و«إسماعيل الشريف». وأضاف «توفيا في عين المكان، هما صحافيان وإعلاميان معروفان جيدا في البلاد، كما توفي رفيق لهم شاب في الـ25 اسمه عبد السلام سعيد مسعود».

وتابع: «هؤلاء ليسوا جنرالات في الجيش ولا يقودون الطائرات هذا هو جرم الناتو والحكومات الغربية وقطر والإمارات».

ودمرت زاوية مبنى من طابقين وتناثرت شظايا خراسانية على الطريق وكانت هناك حفرتان عميقتان في موقعين آخرين في المجمع الذي استهدف عدة مرات منذ بدأت حملة الناتو العسكرية.

وقال المتحدث باسم الحكومة الليبية إن الضربة وقعت قرب منطقة يتجمع فيها عشرات الليبيين كل ليلة بعضهم مع أسرته للتعبير عن الدعم للقذافي.

وقال إبراهيم إن حلف الناتو يفتقر كلية إلى الأخلاق، مضيفا أنه لا يحق لأحد أن يطلب من الليبيين الابتعاد عن المدن حتى يتسنى ضربها.

وهاجم موسى بعبارات لاذعة حلف الناتو وحكومات قطر والإمارات قائلا «مرة ثانية تهاجم خفافيش الظلام بلادنا، ويتجرد حلف الناتو من كل أخلاق وحاضرة ومن كل معنى من معاني الإنسانية الطيبة يهاجمون بالصواريخ التي دفعت أموالها قطر والإمارات».

وزاد قائلا «من أمام مقر القذافي نعلن تحدينا مرة أخرى، أنتم هزمتم وفشلتم وستفشلون مجددا».

ومضى يقول «نحن الطرف الوحيد الذي أعلن عن قبوله لكل مبادرات السلام، ونحن من وافق على خارطة الطريق الأفريقية والمبادرة التركية، ومستعدون للحوار الناضج. هم العصابات المسلحة (الثوار) والناتو رفضوا محاولات السلام والحوار لأنهم يعرفون أنهم في حوار سلمي سيخسرون لأن الليبيين والقبائل وشيوخ القبائل يرفضونها».

وتابع موسى قائلا «هؤلاء خسروا كل رصيدهم ويعرفون أنهم في أي عملية سلمية وسياسية لن يكون لهم وجود في ليبيا وإنما الوجود للشعب الليبي ولقيادته، التاريخ يسجل خيانة العملاء والدول العربية، لنا المجد نحن، ولهم العار سواء كانوا ليبيين أو عربا أو الناتو».

في غضون ذلك، أجرى الدكتور البغدادي المحمودي، رئيس الوزراء الليبي، مساء أول من أمس، اتصالين هاتفيين مع نظيره اليوناني جورج باباندريو، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حيث وضعهما، وفقا لما بثته وكالة الأنباء الليبية، في صورة ما وصفته بـ«تداعيات عدوان الناتو الصليبي الذي تتعرض له ليبيا في تجاوز فظ وانتهاك صريح لقراري مجلس الأمن بشأن ليبيا وللشرعية والمواثيق الدولية».

وقالت الوكالة إن البغدادي شرح ما يسببه هذا العدوان من قتل عدد متزايد من المدنيين فضلا عن الخسائر المادية، وتحطيم البنى التحتية للمدن الليبية، مشيرة إلى أنه استعرض الاختراقات والتجاوزات الخطيرة والمستمرة التي يقترفها الناتو ضد الشعب الليبي المسالم.

كما تلقى البغدادي اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية البلغاري، نيكولاي ملادينوف، لكن الوكالة الليبية لم تفصح عن فحواه.

في المقابل، اجتمع جمعة إبراهيم، مسؤول الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية الليبية أمس بطرابلس مع سفراء الدول الأفريقية المعتمدين لدى ليبيا، حيث سلمهم نسخا من البيان والمقررات التي صدرت عن ملتقى شيوخ وأعيان القبائل الليبية الذي عقد بطرابلس مؤخرا، كما سلمهم بيانا بالخروقات التي قامت بها قوات الناتو لقرار مجلس الأمن رقم 1973 والأضرار البشرية والمادية التي تسببت فيها الضربات الجوية لصواريخه وطائراته على المدن والقرى وما ألحقته من تدمير بالمرافق الخدمية والبنى التحتية.

وطالب إبراهيم السفراء الأفارقة بمخاطبة بلدانهم للرد على مفوضية الاتحاد بشأن أهمية انعقاد الدورة الاستثنائية لمؤتمر الاتحاد الأفريقي نهاية الشهر الحالي.

من جهتها، أعلنت سفارة كوريا الشمالية أن أضرارا جسيمة لحقت بمبنى سفارتها في طرابلس نتيجة لسقوط شظايا صواريخ الناتو مساء يوم الاثنين الماضي.

ودعت السفارة الكورية وزارة الخارجية الليبية في مذكرة رسمية تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإبلاغ الجهات الليبية المعنية والمنظمات الدولية بهذا التجاوز والانتهاك الخطير لقراري مجلس الأمن وللشرعية الدولية. وأكدت على ضرورة الوقف الفوري لهذا العدوان والانتهاكات للشرعية الدولية والقانون الدولي ولحقوق الإنسان والروح الإنسانية التي تضمن سلامة وأمن مقار وأعضاء البعثات الدبلوماسية.

إلى ذلك، قالت وزارة الشؤون الاجتماعية الليبية إن القصف الذي يشنه الناتو على ليبيا، تسبب في قتل وإصابة وترويع أعداد كبيرة من المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ، وألحق الضرر بعدد من المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأولية.

وناشدت اللجنة التي امتنعت عن تقديم أي أرقام محددة بشأن هذه الخسائر، في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، المجتمع الدولي وقف هذا القصف الذي قالت أيضا إنه تسبب في تدمير البنية التحتية وعلى الأخص إلحاق الضرر بعدد من المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأولية. ولفتت إلى أن القصف أدى إلى عدم توفر الوقود، مما تسبب في شلّ العمل الإنساني كالإسعاف ونقل الأدوية وحضور الأطقم الطبية إلى أعمالها، معتبرة أن ذلك يستوجب التدخل الفوري لوقفها، حيث إنها لا تستند إلى أي قانون أو تشريع دولي.