مئات الآلاف يحتشدون بميدان التحرير في «جمعة الوحدة الوطنية ودعم فلسطين»

الجيش المصري يطلق النار في الهواء لتفريق متظاهرين أمام سفارة إسرائيل

محتجون أمام سفارة إسرائيل في القاهرة أمس (رويترز)
TT

تظاهر مئات آلاف المصريين من جميع القوى السياسية في ميدان التحرير والكثير من المحافظات المصرية، أمس، فيما عرف بـ«جمعة الوحدة الوطنية ودعم فلسطين»، لتأكيد مواجهة «الفتنة الطائفية» التي باتت تهدد الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في البلاد، والتنديد بالأحداث التي وقعت في منطقة إمبابة، السبت الماضي، وراح ضحيتها 15 قتيلا وأكثر من 240 مصابا، كما شدد المتظاهرون على مناصرة الشعب الفلسطيني في كفاحه ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأعلنوا اعتزامهم التوجه، في مسيرة شعبية، إلى الأراضي الفلسطينية يوم الأحد المقبل فيما عرف بـ«يوم الزحف»، وهي الدعوات التي قابلتها السلطات الأمنية المصرية باستنفار أمني كبير.

كان الآلاف قد أدوا صلاة الفجر، أمس، بأكبر مساجد العاصمة المصرية وفي ميدان التحرير بوسط القاهرة، وعدد من المحافظات، استجابة للدعوة التي أطلقها نشطاء تحت عنوان «مليونية صلاة الفجر»، التي دعا إليها آلاف المسلمين على الموقع الاجتماعي «فيس بوك»، من خلال تنظيم صلوات فجر أيام الجمعة والسبت والأحد، من أجل نصرة الشعب الفلسطيني تحت شعار «الشعب يريد العودة إلى فلسطين»، وردد المصلون عقب الصلاة: «بالروح بالدم نفديك يا فلسطين» و«على القدس رايحين.. شهداء بالملايين».

أطلق جنود من الجيش المصري النار في الهواء، أمس، لتفريق مظاهرة أمام سفارة إسرائيل في القاهرة كان المشاركون فيها يطالبون بطرد السفير وقطع العلاقات مع إسرائيل، حسبما أفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية.

وتجمع عشرات المصريين أمام سفارة إسرائيل في القاهرة لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، أي ذكرى قيام دولة إسرائيل في مايو (أيار) 1948 وتهجير الفلسطينيين.

وبعد إطلاق النار غادر المحتجون المكان، قبل أن يتجمعوا من جديد هاتفين: «حندخل.. حندخل» السفارة، و«سلمية.. سلمية». وأشار المحتجون إلى علم إسرائيل المرفوع فوق السفارة وهم يهتفون: «نزلوه.. احرقوه».

واحتشد مئات الآلاف في ميدان التحرير، مؤكدين تماسك الشعب المصري ونسيجه الواحد بمسلميه ومسيحييه، داعين إلى نبذ الفتنة الطائفية ومحاربة مشعليها الذين يحاولون إجهاض ثورة «25 يناير»، ورددوا شعارات: «مسلم مسيحي.. إيد واحدة»، كما طالبوا بسرعة محاكمة رموز النظام السابق، وعلى رأسهم الرئيس السابق حسني مبارك.

وطالب المتظاهرون السلطات المصرية بطرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع الدولة الصهيونية، مرددين: «على القدس رايحين.. شهداء بالملايين»، مؤكدين أن المصالحة لن تتم أو تكتمل حتى يتحرر أبناء غزة من الحصار المفروض عليهم. وجدد المظاهرون رفضهم لعدد من الوزراء والمحافظين، وأعلنوا رغبتهم في حل المجالس الشعبية المحلية في مختلف المحافظات. وقال الداعية الإسلامي صفوت حجازي، مخاطبا المتظاهرين ومتوجها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة: «من (ميدان) التحرير أخذتم شرعيتكم، لماذا تسكتون على حركة المحافظين هذه؟ لا نريد رجال نظام مبارك»، مضيفا: «إن هناك عشرة من المحافظين لا نريدهم أن يحكموا مصر.. لن نقبلهم ولن نريدهم. و(هناك) سبعة وزراء لن يبقوا وزراء في حكومة الثورة.. لا نريد أبناء رضعوا من النظام الفاسد». ودعا الشيخ مظهر شاهين، خطيب الجمعة في الميدان، إلى السعي إلى إخماد الفتنة الطائفية، وقال: «إن تعاليم الإسلام والمسيحية براء من كل من يثير الفتنة الطائفية»، مؤكدا أنه «يشم رائحة أمن الدولة الكريهة وفلول النظام السابق في تلك الفتنة». وأكد أن «الزحف إلى الأراضي الفلسطينية سيتم من هنا، من ميدان التحرير، وبمشاركة جميع الدول العربية المحررة، بإذن الله، إلا أن هذا عليه أن يؤجَّل لبعض الوقت لحين بناء دولة مصرية مدنية قوية مترابطة الداخل متينة الصلابة في وجه القوى الصهيونية والقوى الأخرى التي تساندها». وتباينت الآراء بين المواطنين بميدان التحرير بين مؤيد ومعارض لفكرة المسيرات العشبية الحاشدة للزحف إلى رفح لمناصرة الشعب الفلسطيني، وظهر جليا بالميدان الكثير من النقاشات بين المواطنين حول الفكرة. وكان لافتا في الميدان وجود الكثير من الجنسيات العربية الأخرى؛ حيث تجمع عشرات اليمنيين والليبيين والسوريين، رافعين أعلام بلادهم، متخذين من ميدان التحرير قبلة لتحرير بلادهم، حسب تعبيرهم. وأمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة أيضا، تجمع عشرات الشباب المصري وسط حشد أمني كبير من قوات الجيش والشرطة، وراحوا يرددون شعارات تندد بالاحتلال الإسرائيلي، مطالبين بدعم الانتفاضة الفلسطينية الثالثة وطرد السفير الإسرائيلي. وبالقرب من ميدان التحرير، نظم اتحاد شباب ماسبيرو مظاهرة ضمت نحو 5 آلاف مسلم ومسيحي أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون لليوم الخامس على التوالي للتنديد بأحداث الفتنة الطائفية التي وقعت بمنطقة إمبابة، وأكد المتظاهرون استمرار الاعتصام لحين تنفيذ جميع مطالبهم، ومن بينها: حق المسيحيين في المواطنة الكاملة، ومحاكمة المحرضين على كل الأحداث التي تعرض لها المسيحيون، والإفراج عن جميع المعتقلين في أحداث ماسبيرو، كما هاجموا بشدة تصريحات بعض السلفيين التي تطالب بعزل البابا شنودة. وأكد المتظاهرون أنهم لن يفضوا اعتصامهم حتى يأتي إليهم المشير حسين طنطاوي ويستمع لمطالبهم لإيقاف اضطهاد المسيحيين.

في سياق آخر، منعت السلطات الأمنية المصرية المئات من النشطاء من الوصول إلى سيناء للمشاركة في «يوم الزحف» لتحرير فلسطين، الذي يوافق الأحد المقبل، ولم يسمح لغير أبناء سيناء بالعبور والوصول إلى مدينة العريش، التي تبعد عن قطاع غزة نحو 40 كيلومترا. وقامت السلطات بتقييد حركة الوصول إلى العريش عبر جسر قناة السويس ونفق الشهيد أحمد حمدي. وتم نشر أكبر من 10 حواجز أمنية على طول الطريق من جسر القناة حتى مدينة العريش. واعتصم العشرات من النشطاء أمام جسر قناة السويس من الضفة الغربية بسبب منعهم من الوصول إلى سيناء وأدوا صلاة الجمعة أمام الجسر.

وفي مدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة) بدأ مئات الشباب التوافد للانضمام إلى القوافل البشرية التي تعتزم التوجه صوب الحدود الفلسطينية، وقد تم تجهيز حافلات ستقل الشباب للعريش ومنها لرفح. وهو ما قابله الجيش المصري المنتشر بكثافة في المدينة الساحلية الهادئة بحالة من الاستنفار الأمني. وشهد ميدان «الممر» مظاهرات شارك فيها العشرات بعد صلاة الجمعة تندد بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتتوعد إسرائيل بالزوال، واختتمت بحرق العلم الإسرائيلي. وجمعت تبرعات لإعداد الخيام استعدادا لتوجه عدة قوافل شبابية إلى رفح المصرية.

وصرح مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا تعليمات مشددة بإيقاف قوافل الشباب المتجه للحدود بكل حزم ودون استخدام للقوة»، لكنه نفى ما تردد عن اعتقال عشرات من الشباب المنتمين للقوافل المتجهة للحدود.

وشهدت مدينة الإسكندرية، شمالا، مظاهرات حاشدة منذ فجر أمس؛ حيث تجمع عشرات الآلاف لأداء صلاة الفجر جماعة، واستمروا في ترديد الهتافات المعادية لإسرائيل حتى موعد صلاة الجمعة. وأعقب الصلاة مؤتمر حاشد في الساحة المقابلة لمسجد القائد إبراهيم بمنطقة الرمل، عقدته جماعة الإخوان المسلمين، شن فيه القيادي الإخواني صبحي صالح هجوما عنيفا على القوى المدنية التي اجتمعت في مؤتمر الحوار الوطني منذ أيام بالقاهرة بدعوة من الدكتور ممدوح حمزة، واصفا ما يفعلونه بأنه مخالف للدستور. وقال صالح: «هناك مؤامرة تتم على الثورة لصالح أميركا وإسرائيل؛ حيث اشتعلت أحداث الفتنة الطائفية في البلاد في أعقاب إعلان المصالحة بين الفصائل الفلسطينية». وأضاف: «هناك من يقلقهم من أن يصطبغ الحكم في مصر بالصبغة الإسلامية». وشن صالح هجوما عنيفا على نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل، واصفا إياه بأنه يقود الثورة المضادة وأنه يروج للقوى المدنية التي دعت إلى ما يطلق عليه الحوار الوطني لإعلان دستور جديد للبلاد. وأضاف: إنهم يلتفون حول الدستور المعدل والإعلان الدستوري؛ حيث تم النص على ضرورة تشكيل مجلس تأسيسي منتخب لاقتراح مواد الدستور الجديد، وهو ما يخالفونه الآن.

من جهة أخرى، أصدر المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قرارا بإعادة الإجراءات القانونية الخاصة بمحاكمة جميع شباب ثورة «25 يناير» المقبوض عليهم في شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان)، واتخاذ ما يلزم حيالها، والإفراج فورا عن جميع الشرفاء من شباب الثورة.