توقع مقترحات خليجية جديدة يحملها الزياني اليوم إلى صنعاء

صنعاء ترحب بانسحاب قطر من المبادرة وتتهمها بالتآمر

TT

يصل اليوم إلى العاصمة اليمنية صنعاء، مجددا، الدكتور عبد اللطيف الزياني، أمين عام مجلس التعاون الخليجي، وذلك للقيام بمحاولة جديدة لإحياء المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن، بعد أن تعثرت خلال الأسابيع الماضية. وتأتي زيارة الزياني في ظل دعم وتوجه دولي مؤيد للمبادرة ومؤكد على ضرورة توقيع الأطراف اليمنية عليها، خشية أن تنفلت الأمور وتخرج عن السيطرة في بلد معظم سكانه يحملون السلاح، ويعاني من مشكلات اقتصادية وأمنية واجتماعية إلى جانب المشكلات السياسية القائمة.

وسيسعى الزياني إلى إقناع الأطراف اليمنية في السلطة والمعارضة بالتوقيع على المبادرة، وتعتقد مصادر سياسية يمنية أن المسؤول الخليجي ربما يحمل معه مقترحات جديدة لبحثها مع الرئيس علي عبد الله صالح وأحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك»، تتعلق بالتوصل إلى صيغة جديدة لإشكالية التوقيع على المبادرة والتي أدت، في الفترة الماضية، إلى تعثر التوقيع، وكانت آخر صيغة للتوقيع نصت على أن يوقع على المبادرة 15 شخصا من السلطة ومثلهم من المعارضة، وفيها يوقع الرئيس صالح مرتين، الأولى بصفته رئيسا لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم والأخرى بصفته الرئاسية، في حين يرغب هو بالتوقيع كراع للاتفاق بين السلطة والمعارضة، وهو ما رفضته المعارضة وتمسكت بالمبادرة المعلنة في 21 أبريل (نيسان) الماضي التي كانت مذيلة باسم وصفة صالح واسم وصفة ممثل عن المعارضة من أجل التوقيع على المبادرة.

غير أن الإشكالية في عدم توقيع الأطراف اليمنية على المبادرة الخليجية لا تنحصر فقط في مسألة التوقيع، ومن يوقع أو لا يوقع، ولكنها في نص المبادرة التي تقول المعارضة إنها قبلت بها «على مضض»، رغم معارضة شباب الثورة في الساحات، ويطرح الشباب أن المبادرة لا تنص على التنحي الفوري لصالح عن السلطة، كما أنها تمنحه الضمانات القانونية الكافية بعدم الملاحقة القضائية والقانونية بعد تنحيه، سواء عن أعمال القتل التي ارتكبت وترتكب بحق المتظاهرين، أو بما يتعلق بفترة حكمه الممتدة منذ قرابة 33 عاما، وما ارتكب خلالها من قبل أركان نظام حكمه.

ويعتبر الشباب المعتصمون في الساحات أن المبادرة في كاملها لصالح الرئيس صالح وتؤمن له الحماية القانونية، رغم سقوط أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى برصاص قوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري وأنصار الحزب الحاكم «البلاطجة»، ويؤكد الشباب أنه ليس أمام صالح من خيار سوى التنحي الفوري، قبل أن يتم الإجماع على خلعه ومحاكمته مع أركان حكمه.

في ذات السياق، رحب مصدر مسؤول في المؤتمر الشعبي العام الحاكم وحلفائه من أحزاب التحالف الوطني الديمقراطي، «ترحيبا حارا» بقرار دولة قطر الانسحاب من المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن، وقال المصدر إن «اليمن على استعداد للتعامل الإيجابي مع المبادرة الخليجية دون مشاركة دولة قطر (العظمى) الضالعة في التآمر فيما يجري من أحداث ليس في اليمن فحسب بل وفي المنطقة العربية عموما»، حسب المصدر الذي أضاف أنه «بات من الواضح أن لدولة قطر أجندتها الخاصة ومعروف من هي الجهة التي تقف وراءها»، وأن اليمن «سسيستمر في التعامل مع بقية الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي لإنجاح المبادرة لما فيه مصلحة الجميع».

وكانت العلاقات اليمنية - القطرية دخلت، الشهر الماضي، في مرحلة توتر ثم فتور عقب تصريحات الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، في بداية التحركات الخليجية لاحتواء الأزمة في اليمن، والتي قال فيها إن المبادرة الخليجية التي لم يكن قد أعلن عن فحواها، آنذاك، تنص على تنحي الرئيس علي عبد الله صالح، وهي التصريحات التي قوبلت بانزعاج من النظام في اليمن، ووصلت ذروة التأزم بين البلدين قمتها، عندما قالت اليمن إنها لن توقع المبادرة الخليجية في حال مشاركة دولة قطر في مراسم التوقيع التي كانت مقررة في العاصمة السعودية الرياض، قبل أن يفشل ذلك الموعد.

ولقي انسحاب قطر ترحيبا، أيضا، من قبل شباب الثورة والمعارضة اليمنية، حيث اعتبر الانسحاب في صالح الثورة وسيساعدها للإسراع بالإطاحة بصالح، لأن المبادرة منحت صالح ضمانات قضائية وقانونية من الملاحقة.

وتأتي المساعي الخليجية الجديدة هذه المرة، في ظل ما يمكن وصفه بالتشجيع الدولي للمبادرة الخليجية، حيث يبدي المجتمع الدولي حرصا على أن لا تنجر اليمن إلى دوامة العنف، نظرا للانعكاسات السلبية الخطيرة لذلك، أولا على دول المنطقة، وثانيا على مصالح الغرب عموما والولايات المتحدة على وجه الخصوص، الخشية من أن يستغل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب التدهور الأمني والاستفادة منه في ضرب المصالح الغربية في اليمن والمنطقة والقرن الأفريقي.

وفي إطار الاهتمام الدولي بما يجري في اليمن، اجتمع، في لندن، وزير شؤون الشرق الأوسط في الحكومة البريطانية، أليستر بيرت بمبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، جمال بن عمر، الذي أجرى، قبل أيام، مباحثات في صنعاء بشأن الوضع في اليمن، وقال بيان صادر عن مكتب الوزير بيرت إنه ناقش مع بن عمر الوضع في اليمن وإنه أهاب بـ«السلطات اليمنية بيان التزامها بعملية انتقال منظمة وسلمية».

وقال الوزير البريطاني، في بيانه الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن «ملاحظات السيد عمر بشأن التطورات الأخيرة في اليمن تعزز قلقي العميق بشأن ما يحدث». وأضاف: «أدين الإجراءات التي اتخذتها قوات الأمن، والتي أفضت إلى مقتل عدد من المتظاهرين وسقوط كثير غيرهم جرحى في تعز بمدينة صنعاء، وقد اتفقت أنا والسيد بن عمر أن على كافة الأطراف ممارسة ضبط النفس لأقصى حد، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لنزع فتيل هذه الأزمة». وقال: «أناشد السلطات اليمنية إبداء التزامها بعملية انتقال منظمة وسلمية، وذلك باحترامها لحق التظاهر السلمي وحرية التعبير». واعتبر أن «أعمال العنف المتصاعدة التي شهدناها تهدد جهود إتمام الاتفاق الذي توصلت إليه دول مجلس التعاون الخليجي ويتعين على كافة الأطراف التعاون بشكل عاجل لتأكيد التزامهم بهذا الاتفاق».

ولفتت التطورات الأمنية، خلال اليومين الماضيين، حيث سقط قتلى وجرحى من المعارضين لنظام صالح برصاص قواته، أنظار المجتمع الدولي إلى خطورة الأوضاع القائمة في اليمن. وقد برزت، الساعات الماضية، مواقف دولية كثيرة من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الكبرى تؤكد على ضرورة أن تتوصل الأطراف السياسية إلى اتفاق سريع، وللمرة الأولى دعت واشنطن إلى «نقل فوري للسلطة في اليمن»، كما دعت ألمانيا النظام في اليمن إلى قبول المبادرة الخليجية واعتبرت أن اليمن يعيش في «فراغ سياسي»، ودعت إلى إنهاء هذا الفراغ.