مصر: اشتباكات بين متظاهرين وقوات الشرطة أمام السفارة الإسرائيلية

استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل وأسفرت عن 353 مصابا و184 موقوفا

في الذكرى الـ63 لنكبة فلسطين وإعلان دولة إسرائيل وقعت اشتباكات عنيفة بين آلاف المتظاهرين وقوات الشرطة أمام مقر السفارة الإسرائيلية بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة مساء أول من أمس (أ.ب)
TT

في الذكرى الثالثة والستين لنكبة فلسطين وإعلان الدولة الإسرائيلية، أصيب 353 مواطنا مصريا في اشتباكات عنيفة وقعت مساء الأحد بين آلاف المتظاهرين وقوات الشرطة أمام مقر السفارة الإسرائيلية بمحافظة الجيزة جنوبي القاهرة.. وذلك وفقا لما أعلنه مساعد وزير الصحة المصري الدكتور عبد الحميد أباظة أمس.

وحدثت أغلب الإصابات، والذين تم علاجهم باستثناء 6 حالات فقط ما زالت موجودة بالمستشفيات حتى الآن، نتيجة لاختناقات بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع والذي ألقته قوات الأمن المركزي والجيش المصري بكثافة أمام مقر السفارة لتفريق المتظاهرين.

وكان عشرات الآلاف من المواطنين المصريين قد احتشدوا عصر أول من أمس الأحد أمام مقر السفارة الإسرائيلية، للمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب، وكذلك مطالبة المجلس العسكري بفتح معبر رفح الحدودي وإنشاء منطقة تجارة حرة على الحدود الشرقية للبلاد لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الشقيق.. بينما قامت قوات الأمن ورجال القوات المسلحة بوضع الحواجز الحديدية والأسلاك الشائكة حول مبنى السفارة خشية تطور المظاهرات إلى محاولة لاقتحام مبنى السفارة.

واحتشد المتظاهرون أعلى كوبري الجامعة، والذي يقع ما بين مبنى السفارة وجامعة القاهرة، وقاموا بنصب إذاعة داخلية ألقى من خلالها العديد من الشعراء قصائد شعرية عذبة حول فلسطين والوحدة العربية.. كما شدت الإذاعة بالعديد من الأغاني الوطنية التي ألهبت حماس المتظاهرين، وجعلت صيحاتهم ترتفع أكثر وأكثر منددة بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني الأعزل، وبخاصة بعد ورود أنباء للمتظاهرين حول ما يقوم به المتظاهرون على الساحتين اللبنانية والسورية.

وقام المتظاهرون بحياكة علمين لفلسطين ومصر بطول نحو 50 مترا وبسطهما أعلى الكوبري مرددين الهتافات الحماسية.. وتطور الأمر حين حاول عشرات من المتظاهرين، حسب الرواية الرسمية، إزالة الحواجز الحديدية التي وضعتها قوات الأمن وطالبوا بإنزال العلم الإسرائيلي من أعلاها مهددين باقتحام المبنى، مما اضطر قوات الأمن ورجال القوات المسلحة إلى إطلاق أعيرة نارية صوتية وقنابل غاز مسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين.

واعتلت تشكيلات كبيرة من قوات الأمن المركزي كوبري الجامعة وقاموا بالاشتباك مع المتظاهرين، وإجبارهم على التقهقر من أعلاه حتى تمكنوا من السيطرة التامة عليه بعد نحو ساعة ونصف الساعة من الاشتباكات.. ورد المتظاهرون برشق القوات بالحجارة فيما قامت القوات بقصفهم بالقنابل المسيلة للدموع حتى امتلأت سماء المنطقة بالأدخنة. واستمرت المواجهات بين الجانبين حتى ما بعد منتصف الليل حين تمكنت القوات الأمنية من السيطرة على الميدان بشكل كامل وإلقاء القبض على نحو 184 من المتظاهرين، وتم تحويلهم إلى النيابة العسكرية للتحقيق معهم بتهم مبدئية، وهى إتلاف المال العام والتعدي على موظفين عموميين أثناء تأدية وظيفتهم.

وبعيدا عن الواقعة في حد ذاتها، إلا أنها تعتبر إشارة ذات مدلول مهم على تغيرات كثيرة طرأت على علاقة المصريين بهذا الكيان الرمزي للدولة العبرية. فإسرائيل تنظر الآن بعين قلقة لمعاهدة السلام مع مصر، والتي وقعها الرئيس الراحل أنور السادات وتمسك بها نظام مبارك ووضعتها الثورة في مهب الريح، حيث أصبحت ورقة مهمة يلعب بها مرشحو الرئاسة لكسب أكبر قدر من التأييد الشعبي.

وارتبطت السفارة الإسرائيلية، ليس فقط بعلاقة دبلوماسية حميمة مع النظام السابق حاولت بها كسر عزلتها الصامتة مع الشعب المصري، ولكنها ارتبطت مكانيا بأعمدة النظام السابق الأمنية والاقتصادية.. فعلى يمينها كونت السفارة علاقات وطيدة مع أحد أكبر مقرات الحزب الوطني السابق بالجيزة، وفي مواجهتها مديرية أمن الجيزة، وفي المقابل منها تقع بعض أكبر الفنادق بالعاصمة المصرية القاهرة، والتي طالما اجتمع فيها رموز النظام السابق وطالما هزت حفلاتهم الصاخبة نيل القاهرة، الذي اكتفى بالمشاهدة هو ورواده من المصريين البسطاء، كما اكتفى بها تمثال «نهضة مصر» الذي أسند ظهره لقبة جامعة القاهرة الشهيرة.

ولكن الثورة، بما أحدثته من حراك، أعادت للتمثال صوته الذي تمثل في انفجار الطلاب الجامعيين في ميدان التحرير.. فيما خفتت أصوات الحفلات الصاخبة وذهب رواد الفنادق بحفلاتهم إلى سجن طرة، وسقطت هيبة مديرية أمن الجيزة بعدما فقدت الشرطة مصداقيتها لدى الشعب ووقفت السفارة تترقب دورها.

ومنذ ذلك الحين لم تتوقف التظاهرات أمام مقر السفارة في كل مناسبة وكل جمعة، إلا أن أحداث أول من أمس كانت الأعنف من نوعها، حيث ما زالت تحيط بالسفارة أكثر من 12 سيارة أمن مركزي، بالإضافة إلى مدرعات الجيش المصري.. كما تغيرت لافتات المرور بعد أن كتب عليها المتظاهرون شعاراتهم، وتغطي الحجارة التي استخدمها المتظاهرون شارع نهضة مصر.. كما لا تزال رائحة الغازات المسيلة للدموع نافذة في الهواء عبر كورنيش النيل بالجهة الأخرى حيث يعتصم مجموعة من الأقباط أمام مبنى ماسبيرو، وهو المكان الذي شهد أحداث عنف منذ أيام بين المعتصمين ومجهولين.