سوريا: الأمن يحتل المساجد والمصلون يطردون الأئمة الموالين للنظام

استقالة شيخ قراء بلاد الشام * مؤذن صعد للأذان فأطلقوا عليه الرصاص.. فقال «حسبي الله» بدلا من أن يقول «حي على الصلاة»

الشيخ محمد كريم راحج في صورة من الشريط الذي يلقي فيه خطبة وبث على «اليوتيوب»
TT

أعلن شيخ قراء بلاد الشام العلامة كريم راجح استقالته احتجاجا على التعامل الأمني مع رواد الجوامع. وقال الشيخ في خطبة مقتضبة ألقاها أمام المصلين في جامع «الحسن» في حي الميدان في دمشق «أرسل من هنا إلى وزير الأوقاف وإلى مدير الأوقاف أنني لا أخطب بعد اليوم حتى تنتهي هذه الأمور». وبث موقع الفيديو «يوتيوب» شريط فيديو يبين الخطبة القصيرة التي أعلن خلالها الشيخ راجح استقالته وأشار فيها إلى أن المساجد لكل الناس لا لفئة دون فئة وإذا كان الأمن يخاف من أن تخرج هذه الجموع من المساجد فليتخذ طريقة أخرى، لا أن ينتقم من المساجد فيمنع المصلين من دخول بيوت الله من أجل أن لا يكون تظاهر».

وقامت قوات الأمن باحتلال العديد من المساجد في المدن الملتهبة، باعتبار أن المساجد أصبحت منطلقا للتجمع والتظاهر، وهو ما اتخذته السلطات السوري ذريعة لاتهام المتظاهرين بالسلفية والتطرف والإرهاب تارة وبالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين تارة أخرى.

ووجد المتظاهرون في المساجد ملاذا آمنا سواء للتجمع أو لتحويلها إلى مشافي ميدانية كما حصل في الجامع العمري في درعا، لكن قوات الأمن قامت باحتلال المساجد، وسط ترويج قصص عن العثور على أسلحة وأموال فيها، واتهام رجال الدين القائمين عليها بأنهم يوزعون السلاح وضالعين في أعمال العنف كما جرى مع إمام الجامع العمري في درعا الشيخ أحمد الصياصنة وإمام جامع أبو بكر في بانياس أنس عيروط.

وأظهر فيلم فيديو على موقع «يوتيوب» احتلال رجال الأمن للجامع العمري في درعا وتحويله إلى ثكنة عسكرية، حيث منعت فيه الصلاة والتجمع إذ شكل خلال شهرين معقلا للتظاهر. وكذلك سائر مساجد درعا التي شهدت انطلاق مظاهرات.

أما في حمص فالأسبوع الماضي أي يوم جمعة «التحدي» فقد منعت الصلاة في جامع خالد بن الوليد، بينما سمحت يوم أمس في «جمعة آزادي» لكن لعدد ضئيل من المصلين. وقال أحد سكان حمص إن أحد المؤذنين صعد ليدعو الناس إلى الصلاة، متجاهلا نداء عناصر من الأمن بعدم رفع الأذان، فما كان منهم إلا أن أطلقوا النار على المئذنة لتخويفه، وبدل أن يقول المؤذن «حي على الصلاة حي على الفلاح» راح يصيح من المئذنة «حسبي الله ونعم الوكيل». ويؤكد ناشطون أن التجمعات في المساجد يوم الجمعة لا تقتصر على المسلمين بل يؤمها من كل الأديان وبينهم علمانيون، حتى إن إمام مسجد في دمشق «ألقى السلام على المسلمين وغير المسلمين وهو ينظر في الوجوه الغريبة عنه» وربما هذا ما أشار إليه منذ بداية الأحداث الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي إمام الجامع الأموي لدى قوله أنه رأى أشخاصا في صلاة الجمعة وفي صحن الجامع «لا تعرف جباههم الصلاة» الأمر الذي أثار استياء المتظاهرين لا سيما في حمص حيث أقيمت صلاة في أحد الأيام في أحد أكبر ساحات المدينة وتم إهداؤه مقطع الفيديو الذي يصور صلاة المتظاهرين في الشارع مع السؤال: «هل تعرف جباههم الصلاة أم لا تعرفها!».

ويواجه خطباء الجوامع في سوريا ضغوطا كبيرة من قبل الأمن، ففضلا عن مراقبة الخطب قبل إلقائها وتسجيلها ومساءلتهم عنها لاحقا في حال تم قول ما لا يروق للنظام. ويجد أئمة الجوامع الموظفون في وزارة الأوقاف أنفسهم في موقف حرج، فهم مطالبون من قبل المصلين بقول كلمة حق على المنبر كما جرى في حمص في جامع عمر بن الخطاب إذ طلب من الإمام قول كلمة حق فيمن قام بقتل سبعة المتظاهرين يوم 17 أبريل (نيسان) الماضي وعندها قال على المنبر إنه أمام الله لن يقول إلا كلمة حق وإن الذي «أطلق النار على المتظاهرين هم رجال الأمن».

المصلون لم يعودوا يقبلون بأي شيخ أو إمام جامع يرفع الدعاء لحفظ سلامة النظام وأركانه أو يدافع عنه. وفي إحدى البلدات القريبة من مدينة حمص قام المصلون أثناء تشييع أحد الشهداء بقطع خطبة الإمام وقاموا بإنزاله عن المنبر وطروده خارج الجامع. ولكن وبعد أن تم استيلاء الأمن على الجوامع لم تعد المظاهرات تنطلق منها الاحتجاجات بل من محيطها أو أماكن قريبة منها. كما جرى في أكثر من مكان، أما في مدينة السلمية القريبة من مدينة حماه وسط البلاد وذات الأغلبية الإسماعيلية فإن المظاهرات التي ما تزال تخرج فيها منذ نحو شهرين لم تنطلق من الجوامع وإنما من شارع المركز الثقافي، ومع ذلك جوبهت بقمع ما يسمى جموع المؤيدين من المدنيين.