قوات الأمن تفتح النيران على مشيعين في حمص وتقتل 5 أشخاص.. والأسد يطمئن: المستقبل واعد

حصيلة قتلى «جمعة ازادي» يرتفع إلى 44 شخصا.. وكبار الضباط السوريين في حمص متوارون عن الأنظار

أحد رجال الأمن السوريين يتفحص بطاقة أحد الركاب في حافلة مدنية على أحد مداخل العاصمة دمشق أمس (أ ب)
TT

رغم تصاعد الاحتجاجات في سوريا وسقوط 5 قتلى جدد برصاص رجال الأمن خلال تشييع ضحايا «جمعة أزادي» في حمص أمس، قال الرئيس السوري بشار الأسد: «إن مستقبلا واعدا» بانتظار الاستثمارات العربية في سوريا، وذلك خلال مباحثات أجراها «مع وفد من رجال الأعمال العرب»، أمس، بحسب وكالة «سانا» الرسمية.

وقال بيان رئاسي إن «الرئيس بشار الأسد استقبل وفدا من رجال الأعمال العرب، ودار الحديث حول واقع الاستثمارات العربية في سوريا ومستقبلها في ظل الإصلاحات الشاملة التي تشهدها سوريا». وأضاف البيان أن «اللقاء تناول دور الاستثمارات في دعم الاقتصاد الوطني والمساهمة في مسيرة الإصلاح والاستقرار، حيث أعرب الرئيس الأسد عن تقديره للمستثمرين العرب الذين يزيدون استثماراتهم في سوريا رغم كل الظروف، مؤكدا أن مستقبلا واعدا بانتظار هذه الاستثمارات». وأضاف البيان أن المستثمرين أعربوا عن «ارتياحهم لجملة الإصلاحات التي تقوم بها سوريا والتي ستنعكس على المناخ الاستثماري بشكل إيجابي في جميع المجالات».

وجاء ذلك في وقت كان رجال الأمن يطلقون النار على مشيعين في حمص كانوا يشاركون في دفن 13 شخصا قتلوا الجمعة خلال مظاهرات احتجاجية. وقال ناشط حقوقي فضل عدم الكشف عن اسمه، في اتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية إن «رجال الأمن أطلقوا النار على مجموعة من المشيعين مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل وجرح العشرات». وأشار الناشط إلى أن «رجال الأمن أطلقوا النار عند خروج المشيعين من المقبرة بعد أن شاركوا في جنازة 13 شخصا قتلوا الجمعة في مظاهرات احتجاجية في حمص». وأضاف الناشط أن «الجنازة التي شارك فيها آلاف المشيعين خرجت من المسجد الكبير لمدينة حمص نحو مقبرة تل النصر»، لافتا إلى أن «إطلاق النار بدأ عند خروجهم من المقبرة».

وتحولت جنازات تشييع قتلى الجمعة في حمص، إلى مظاهرات غاضبة تهتف بالحرية وتدعو لإسقاط النظام، وقالت مصادر محلية: «الجنازات خرجت من أحياء باب عمرو وباب السباع والوعر والبياضة والخالدية ودير بعلبة والتقت مشيا على الأقدام لتشكل حشدا عارما. وسارت الجموع التي تقدر بعشرات الآلاف عدة كيلومترات نحو مقبرة تل النصر مرددين (لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله) و(الشعب يريد إسقاط النظام) و(الله عالظالم)».

ونقل شهود عيان من مدينة حمص أن كبار الضباط السوريين الذين اعتاد الناس على مشاهدتهم في بداية اندلاع الأزمة في سوريا «تواروا عن الأنظار خوفا من عمليات قتل يتعرضون لها، على غرار ما تعرض له رئيس فرع الأمن السياسي في تلكلخ الأسبوع الماضي».

ولم يؤكد المصدر ما إذا كان قرار الاحتياطات الأمنية صادرا عن القيادة العسكرية في البلاد أم أنه قرار شخصي اتخذه الضباط أنفسهم، ولكنه أشار إلى أن المخاطر التي يعتقد الضباط أنها محيطة بهم «ليست بالضرورة ناتجة عن دوافع لدى المتظاهرين لقتلهم، بل قد تعود إلى تصفية حسابات قديمة مع هؤلاء»، لافتا إلى أن بعض السوريين، سواء أكانوا مناهضين للنظام أم موالين له «بإمكانهم استغلال حالة الفلتان الأمني لتصفية حساباتهم مع ضباط كانوا قد اعتقلوهم في السابق، أو مارسوا عليهم ترهيبا وأمعنوا في تعذيبهم، والثأر منهم في ظل الفوضى التي تعمّ البلاد».

وفي تلك الأثناء قالت منظمات حقوقية إن عدد قتلى يوم «جمعة آزادي الحرية»، ارتفع ليصل إلى 44 قتيلا في محافظات حمص وريف ادلب ومحافظة دير الزور وريف دمشق وحماة، وهي المحافظات التي شهدت فيها المظاهرات إطلاق نار من قبل السلطات السورية. وقال عمار قربي رئيس مجلس إدارة المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «ما زالت السلطات السورية تمارس بمنهجية أسلوب العنف المفرط واستعمال الذخيرة الحية لمواجهة الاحتجاجات الشعبية في مختلف المحافظات السورية».

وتضمن البيان لائحة بأسماء القتلى وأغلبهم من محافظة إدلب من معرة النعمان، وتأتي بعدها محافظة حمص. وطالب قربي باسم المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان بتشكيل لجنة تحقيق قضائية محايدة بمشاركة ممثلين عن المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في سوريا، تقوم بالكشف «عن المسببين للعنف والممارسين له، وعن المسؤولين عن وقوع ضحايا (قتلى وجرحى)، سواء أكانوا حكوميين أم غير حكوميين، وإحالتهم إلى القضاء ومحاسبتهم»، وإحالة جميع المسؤولين من الأجهزة الأمنية والشرطة وعناصرها «الذين قاموا بإطلاق النار على المحتجين سلميا، ومن أمرهم بذلك، إلى محاكمات شفافة ونزيهة ومفتوحة».

وميدانيا تتجه الأنظار بحذر إلى مدينة معرة النعمان في محافظة إدلب شمال سوريا، حيث سقط العدد الأكبر من القتلى يوم الجمعة ليبلغ نحو 26 قتيلا، إذ اقتحمتها الدبابات يوم الجمعة وفرض عليها حصار عسكري لإخماد الاحتجاجات التي بدأت فيها منذ خمسة أسابيع. ورغم الاعتقالات الواسعة هناك يواظب المتظاهرون على الخروج إلى الشارع. إلا أن مصادر شبه رسمية أكدت أن «متظاهرين في معرة النعمان قطعوا الطريق الدولي حلب دمشق». وقالت: «خرج آلاف المتظاهرين في مدينة معرة النعمان يوم الجمعة وانضم إليهم المئات من بلدات وقرى قريبة من المدينة وتوجه المتظاهرون إلى اوتستراد حلب دمشق وقطعوه كما جرت العادة ظهر كل جمعة منذ خمسة أسابيع». وقالت المصادر إن قوات الأمن «لم تتدخل» ولكن قوائم حقوق الإنسان وأيضا مصادر محلية أكدت إطلاق قوات الأمن النار وسقوط أكثر من 26 قتيلا.

كما تحول تشييع الشاب أحمد بن زهير العزب الذي قتل في المظاهرات التي شهدتها بلدة دارَيّا في محافظة ريف دمشق إلى مظاهرة صاخبة. من جانب آخر بث ناشطون مقاطع فيديو على مواقع على الإنترنت تظهر جنودا في الجيش السوري وعناصر أمن في مناطق القابون وسقبا في ريف دمشق يقومون بضرب عدد من الأشخاص ويعتقلونهم، فضلا عن تحطيم إحدى السيارات والتجول في الأحياء السكنية هاتفين للرئيس بشار الأسد «الله سوريا بشار وبس».

وقدمت مصادر رسمية رواية مختلفة؛ إذ قال بيان رسمي إن «مجموعات مسلحة استغلت تجمعات للمواطنين في ريف إدلب وأطراف حمص وأطلقت الرصاص عليها، كما هاجمت مقار للشرطة في أريحا ودير الزور بهدف تهريب مساجين جنائيين». وأسفر ذلك عن سقوط 17 قتيلا من المدنيين وقوات الشرطة والأمن، فيما أعلن مصدر عسكري جرح ستة من قوى الأمن خلال تصديهم «للمجموعات المسلحة في ريف إدلب والتي قامت بتخريب وحرق عدد من المؤسسات العامة».

وصرح مصدر مسؤول في وزارة الداخلية أنه عقب أداء صلاة الجمعة استغلت بعض «المجموعات التخريبية المسلحة» خروج بعض التجمعات المتفرقة لمتظاهرين والتزام عناصر الشرطة «بالتعليمات المشددة» من قبل وزارة الداخلية «بعدم إطلاق النار» وأقدمت هذه المجموعات المسلحة على «إطلاق النار على عناصر الشرطة وتخريب وحرق بعض الممتلكات العامة والخاصة وبعض الوحدات الشرطية في عدد من المناطق».

وقال المصدر إن «عددا من المخربين المسلحين» في محافظة إدلب أقدموا على «حرق مبنى مديرية المنطقة في خان شيخون مما أدى إلى إصابة ثمانية من الشرطة بينهم ضابطان» كما قاموا «بحرق المجمع الحكومي في منطقة أريحا وثلاث سيارات عائدة لمركز البريد واعتدوا على مبنى ناحية محمبل وتكسير الأثاث فيه والسيارات التابعة له إضافة لمهاجمتهم عددا من المفارز الأمنية ومقار الشرطة في منطقة معرة النعمان».

وفي محافظة دير الزور قال المصدر المسؤول «أقدم المخربون على الاعتداء على منطقة البوكمال وأحرقوا 4 سيارات شرطية وحطموا أربع سيارات وست دراجات نارية أخرى تابعة للمنطقة». وأضاف المصدر أن «مجموعة إجرامية مسلحة» في محافظة حمص أقدمت على إطلاق النار من سيارة بيك آب سكودا على رجال الشرطة والأمن مما أدى لإصابة ستة عناصر شرطة بينهم ضابط برتبة رائد واحتراق سيارة تابعة لشرطة النجدة.

وقال المصدر إن قوى الشرطة والأمن «تتابع ملاحقة المجرمين لإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة» مشيرا إلى أن «معظم حالات الشغب تركزت في أطراف المدن وأن حالة الأمن عادت للهدوء في كافة المدن السورية».

وفي تلكلخ في محافظة حمص والواقعة على الحدود مع لبنان، قالت مصادر إعلامية إن السلطات السورية تمكنت من سد كافة المعابر غير الشرعية على الحدود مع لبنان لمنع نزوح أهل منطقة تلكلخ إلى منطقة وادي خالد التي شهدت نزوحا كبيرا أثناء قصف الجيش للمدينة الأسبوع الماضي. وقد أرسلت القوات السورية صباح الجمعة تعزيزات غير مسبوقة إلى الحدود مع لبنان عند بلدة العريضة. وذلك بعد ساعات من دخول قوة من الجيش قرية العريضة، في حين قالت مصادر رسمية إن الجيش انسحب من مدينة تلكلخ المجاورة التي اقتحمتها السبت الماضي، وأسفرت العمليات العسكرية فيها عن مقتل 35 شخصا خلال أربعة أيام.