ساركوزي يتبنى طرح أوباما ويخير الأسد ما بين الإصلاحات والتنحي

قمة الثماني تضغط على القذافي للرحيل ويلوحون بتدابير إضافية بحق المسؤولين السوريين

عصام شرف يتحدث مع أوباما في قمة دوفيل أمس (إ.ب.أ)
TT

نجحت روسيا في «لجم» اندفاع الغربيين وتهديد سوريا باللجوء المعلن إلى مجلس الأمن الدولي في البيان الختامي لمجموعة الثماني التي أنهت أعمالها، أمس، في مدينة منتجع دوفيل البحري (شمال غربي فرنسا). وبعد مساومات شديدة استمرت حتى صباح اليوم، حذفت من الفقرة 66 الجملة التي كانت تقول إنه «إذا لم تستجب السلطات السورية إلى هذا النداء لوقف العنف ضد المتظاهرين وإجراء إصلاحات جذرية، فإننا (مجموعة الثماني) نتطلع لعمل ضد سوريا في مجلس الأمن الدولي». واستعيض عن هذه الفقرة بما يلي: «إذا لم تأخذ السلطات السورية بعين الاعتبار هذا النداء، فسوف ننظر في تدابير أخرى».

وبحسب مصادر دبلوماسية فرنسية رافقت المساومات الليلية، فإن المقصود بـ«تدابير أخرى» هو اللجوء إلى مجلس الأمن، حيث قدمت فرنسا وبريطانيا مشروع قرار بدأ التداول به بشكل غير رسمي بين الأعضاء الخمسة يدين سوريا لاستمرارها في عمليات القمع. وتؤكد هذه المصادر أنه في حال استمر الوضع في التدهور، فإن التدابير التي ستتخذ ستكون «تصاعدية». وأشار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في مؤتمره الصحافي إلى «تشديد العقوبات» على المسؤولين السوريين. غير أن الضغوط يمكن أن تلج مرحلة إضافية هي تخيير الرئيس السوري بين أن يقوم بالإصلاحات أو أن يرحل.

وأمس، سئل الرئيس الفرنسي في المؤتمر الصحافي الختامي عما إذا كان يتبنى إنذار الرئيس أوباما للرئيس الأسد «الإصلاحات أو الرحيل» فرد بالإيجاب، مضيفا أن أوباما «كان مصيبا» في تخييره الرئيس السوري. وذكر ساركوزي أن وزير الخارجية ألان جوبيه سبق له أن قال قبل أكثر من أسبوعين، إن «المسؤول الذي يأمر بإطلاق النار على شعبه يفقد شرعيته». وأمس، قطع ساركوزي خطوة تصعيدية إضافية بحديثه عن رحيل الأسد.

وحتى أمس، ورغم الموقف الفرنسي المتشدد من الأسد، لم تجتز فرنسا «الخط الأحمر» وبقيت، رغم مطالبتها بفرض عقوبات أوروبية على الأسد شخصيا، دون عتبة دعوته إلى الرحيل. لكن ساركوزي اجتاز أمس هذه العتبة وأعلن أن فرنسا «سحبت ثقتها» من الأسد لأن القادة السوريين «تراجعوا إلى الوراء» بعد أن فعلت فرنسا «كل ما تستطيعه لإعادة سوريا إلى الأسرة الدولية». وأكد ساركوزي أن الأسد كان يعرف أن فرنسا ستقوم بذلك في حال «تقهقرت الديمقراطية».

وبعد ظهر أمس، دعا ميدفيديف قبل مغادرته دوفيل، الرئيس السوري إلى «الانتقال من الوعود» إلى الأفعال في موضوع الإصلاحات التي وعد القيام بها. كذلك، اعتبر أمين الجامعة العربية عمرو موسى في مؤتمر صحافي على هامش مشاركته في الجلسة الصباحية التي خصصت للربيع العربي، أنه «لا عودة إلى الوراء» في البلدان العربية، وأن «مسيرة الديمقراطية مستمرة». وبحسب موسى، فإن «الإصلاحات وحدها تغني عن الثورات والوعود بالإصلاح لم تعد تكفي».

وجاء في البيان الختامي للقمة الكائن في 22 صفحة وثمانية ملحقات أن مجموعة الثماني «مذهولون» لمقتل العدد الكبير من المتظاهرين بسبب الاستخدام المكثف للعنف في سوريا وبسبب الانتهاكات الخطيرة والمتكررة لحقوق الإنسان. ودعا البيان المسؤولين السوريين إلى «الوقف الفوري» لاستخدام القوة وتخويف الشعب والاستجابة لمطالبه المشروعة بحرية التعبير وحقوقه وتطلعاته العالمية. كذلك حثت مجموعة الثماني على إطلاق كل السجناء السياسيين في سوريا، مشددين على أن «طريق الحوار والإصلاحات الأساسية وحدها تفضي إلى الديمقراطية ونتيجتها الأمن والازدهار على المدى البعيد». وربطت مجموعة الثماني الكبار بين تنفيذ السلطة السورية للإصلاحات المطلوبة وبين أن تلعب سوريا دورا (إيجابيا) في المنطقة».

ورغم معارضة روسيا الإشارة المباشرة إلى نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، فقد نوه ساركوزي بقبول الرئيس ميدفيديف (تشديد لهجة البيان) ضد روسيا. وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن الموقف الروسي مهم ولكن هناك أعضاء آخرين في مجلس الأمن غير راغبين حتى الآن في نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، فضلا عن أن الأصوات التسعة الضرورية لاستصدار قرار من المجلس غير متوافرة هي الأخرى. غير أن هذه المصادر تعتبر أن الوضع «قابل للتغيير» على ضوء استمرار عمليات القمع بمختلف أشكاله وعلى ضوء رفض المسؤولين السوريين التجاوب مع نداءات المجموعة الدولية.

ومقابل التشدد في الملف السوري، لين الرئيس ميدفيديف موقفه في الملف الليبي، حيث قبل أن يأتي البيان الختامي على فقرة «64» تقول إن العقيد القذافي «فقد شرعيته» وبالتالي «عليه أن يرحل». وهي المرة الأولى التي يقبل فيها الروس الإشارة إلى رحيل القذافي بهذا الشكل.

غير أن بلبلة حصلت بشأن ما أكده مسؤول روسي بأن أوباما وساركوزي طلبا من ميدفيديف التوسط في الملف الليبي. ورد ساركوزي على ذلك في مؤتمره الصحافي عندما أعلن أنه «لا وساطة ممكنة مع القذافي. على جنوده العودة إلى ثكناتهم وعلى القذافي الرحيل. بعدها يمكن أن نناقش أساليب رحيله». لكن الرئيس الفرنسي اعتبر أن الغربيين «بحاجة لمساعدة من الرئيس ميدفيديف» ولكن من غير الحديث عن وساطة.

وأعلن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف في دوفيل، أمس، أنه «لا مكان للقذافي في ليبيا حرة وديمقراطية ولذا عليه الرحيل». وبحسب مصادر دبلوماسية في دوفيل، فإن الدور الروسي، كان طلب رسميا أو عرض من قبل ميدفيديف، وهو «إيجاد السبيل لإقناع القذافي بالخروج من ليبيا». ولكن في الوقت عينه، فإن الأطلسي عازم على مضاعفة ضغطه العسكري ومهاجمة كل الأهداف التي يراها مشروعة للتخلص من القذافي رغم أن القرار الدولي رقم 1973 لا ينص على ذلك.

وفي سياق مواز، أعلن ساركوزي أنه ينوي زيارة بنغازي. لكن أعرب عن رغبته في أن تتم الزيارة بصحبة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالنظر للعمل المشترك الذي قامت به لندن وباريس في الموضوع الليبي ولترؤسهما الخط المتشدد المطالب بالإطاحة بالقذافي ودعوتهما إلى مضاعفة الضغط العسكري عليه لحمله على التنحي والمغادرة.

وفي ملف سلام الشرق الأوسط بقيت مجموعة الثماني في الحدود الدنيا ولم يصدر عن القمة أي مبادرة أو موقف جديد، بل إن مجموعة الثماني لم تستفد مما يعتبر تطورا بارزا في الموقف الأميركي الذي عبر عنه أوباما قبل عشرة أيام بحديثه عن دولة فلسطينية على حدود عام 1967 فاكتفوا بالتعبير عن دعمهم «القوي» له. وشدد البيان على اعتبار المفاوضات «الوسيلة الوحيدة» للتقدم على درب التسوية مما يمكن النظر إليه على أنه رغبة في تفادي إحراج واشنطن وألمانيا اللتين تعارضان توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل.

وقال أوباما صباح أمس إن بلاده «ستعمل بالتنسيق» مع فرنسا في موضوع معاودة مفاوضات الشرق الأوسط الذي يصل إليه الوزير جوبيه في الأول من يونيو (حزيران) في جولة تشمل إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية. ويبدو من البيان الختامي أن انعقاد مؤتمر المانحين للدولة الفلسطينية مرهون بتقدم في الملف السياسي. وسيكون غرض زيارة جوبيه التي أجلت مرة أولى إلى المنطقة استكشاف إمكانية تحقيق تقدم ما يبرر الدعوة إلى مؤتمر باريس 2 ويضمن الحد الأدنى لنجاحه. وتريد باريس تعميق التشاور مع واشنطن. وتعتبر أن «النافذة المتاحة» تمتد من يونيو إلى سبتمبر، موعد اجتماعات الأمم المتحدة التي يريد الفلسطينيون استغلالها للمطالبة بالاعتراف بدولتهم. وبحسب ساركوزي، فإن مؤتمر باريس قد ينعقد ما بين يوينو ويوليو (تموز) المقبلين. وتضمن البيان النهائي عرضا لكل البؤر المتوترة في الشرق الأوسط (الأمن النووي بشكل عام والملفان النوويان الإيراني والسوري، الأوضاع في اليمن والصومال، الإرهاب، أفغانستان...)، فضلا عن الملفات الاقتصادية والبيئية والتنموية.