سؤال في شوارع القاهرة: هل ما زلت تربط الحزام؟

البعض اعتبره رمزا لقيود النظام السابق.. وآخرون يشعرون بالفوضى

TT

ملتصق بأرض الطريق من فرط الزحام، بينما الجو مفعم باللزوجة من فرط ارتفاع نسبة الرطوبة.. ندب المهندس المصري حسن المنياوي حظه العاثر الذي جعله يعمل بحي المهندسين (وسط محافظة الجيزة) بينما يسكن بحي مصر الجديدة (في أقصى شمال شرقي القاهرة)، الأمر الذي يجعله يوميا «يبقر بطن» القاهرة ذهابا وإيابا.

ورغم أن الزحام هو سمة من سمات القاهرة التي اعتادها أهلها، فإن ذلك الزحام أصبح أكثر كثافة بصورة ملحوظة بعد ثورة «25 يناير».. وكنوع من أنواع التسرية عن النفس، بث المنياوي همه إلى صديقه الذي يركب معه السيارة قائلا «الزحام صار لا يطاق، ويزداد يوما بعد يوم، ألا تعرف لذلك سببا؟». تأمله صديقه لبرهة وجيزة، ثم رد كأرشميدس حينما اكتشف قانون الطفو والإزاحة، قائلا في تساؤل: «هل ما زلت تربط الحزام؟».

اندهش المنياوي للغاية من رد صديقه، ولم يفهم على الفور العلاقة بين سؤاله والإجابة، إلا أن صديقه أشار له إشارة مبهمة إلى الطريق، فتابع المنياوي بعينيه سائقي المركبات التي تمر بجواره ليجد أن قلة قليلة منهم من يربطون حزام الأمان، وكثيرون يتحدثون في هواتفهم الجوالة بكل أريحية ودون خوف من رجال المرور، بينما يعيثون في الطريق يمنة ويسرة، ليتحول إلى سيرك مفتوح كبير.

تذكر المنياوي مناقشات قانون المرور في البرلمان المصري، الذي تسبب قبل في الأعوام الماضية في الكثير من اللغط بما فرضه من إجراءات صارمة على قائدي السيارات بما فيها التزامهم بربط حزام الأمان على الطرق السريعة وداخل المدن أيضا في محاولة لخفض معدل حوادث السير في البلاد.

ولكن المنياوي تذكر ما تناقلته ألسن المصريين حول صفقات هائلة قام بها عدد من المقربين من النظام السابق، على مدار سنوات، لاستيراد أحزمة الأمان والمثلثات العاكسة والحقائب الطبية التي ألزم القانون قائد كل سيارة بشرائها، ووضعها في سيارته.. نظرا لأن غالبية سيارات المصريين في ذلك الوقت كانت قديمة وتفتقر لأحزمة الأمان.

وحين صدر هذا القانون للمرة الأولى عام 2000 قالت الصحف المحلية المعارضة إن صفقة أحزمة الأمان قدرت بالمليارات مما أثار استياء المواطنين الذين رأوا في إلزامهم التزام القانون وراءه مصالح شخصية، لكن الغرامات الرادعة (ما بين 50 و100 جنيه آنذاك) أدت إلى انصياع المصريين للقانون.

ومنذ ذلك الوقت تفتقت أذهان المصريين عن عدة حيل للهروب من مشكلة ربط حزام الأمان، حيث استخدم بعضهم شرائط سوداء كأحزمة صورية، بغرض غض بصر الشرطة، بينما قام آخرون بوضع أحزمة البنطال في وضعية مائلة توحي بأنها أحزمة الأمان.

وانتقل عذاب المصريين إلى السينما حين استخدم كوميدي مصري قميصا (تي شيرت) مرسوما عليه شارة سوداء مائلة، على شكل حزام أمان لسيارته، في أحد مشاهد أفلامه للهروب من طائلة القانون. أما الملتزمون بربط الحزام، فيقوم أغلبهم بربطه فقط قبل الاقتراب من لجان وكمائن الشرطة أو الإشارات الضوئية.

وأصبح المصريون أكثر حساسة تجاه قوانين المرور حين قام البرلمان بتعديل قانوني جديد، عرف إعلاميا بقانون الحزام وشنطة الإسعافات، عام 2008، ألزمت وزارة الداخلية من خلاله المواطنين بشراء حقائب الإسعافات الأولية من موردين معينين، ورفعت قيمة الغرامة المقررة على عدم استخدام حزام الأمان إلى ما بين 100 و300 جنيه.

ولكن استخدام الحزام لم يحل المشكلة على أرض الواقع، إذ إن إحصاءات رسمية وشبه رسمية عام 2010 (بعد التزام غالبية المصريين بربط الحزام عنوة، أو عن طريق التعود) أشارت إلى أن ضحايا حوادث الطرق في مصر يتعدون 7 آلاف قتيل وما يناهز 32 ألف مصاب سنويا.

صديق المهندس حسن المنياوي أكد له أن المصريين اعتبروا الحزام نوعا من أنواع القيود التي فرضها عليهم النظام القديم، ولذلك فإن معظمهم كسر «التابوه» الرمزي بعد ثورتهم والتخلي عن ربط حزام أمان السيارة داخل المدن، وبخاصة في ظل غياب ملحوظ لرجال الشرطة. وقال المنياوي إن قانون المرور، مثل الكثير من القوانين التي سنها النظام السابق، تحتاج إلى إعادة نظر، وتنقيح، بحيث تكون موجهة لخدمة الشعب لا لخدمة مصالح لفئة على حساب المواطنين.