اتساع خريطة «التحالفات» المطالبة بإسقاط الرئيس اليمني

وزيرا الدفاع والداخلية السابقان ينضمان إلى ثورة الشباب.. وأبناء «صانع الرؤساء» في قلب المواجهة

TT

توسعت رقعة خصوم الرئيس علي عبد الله صالح في الساحة اليمنية من رجال قبائل وعسكريين، بعد انضمام عدد كبير من كبار ضباط الجيش ووزراء داخلية ودفاع سابقين، وكذا قادة قيادات عسكرية ومستشارين عسكريين للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الرئيس علي عبد الله صالح الذي يمسك بزمام السلطة في اليمن منذ قرابة 33 عاما، وشكلت المواجهات العسكرية الدائرة حاليا بين القوات التي ما زالت موالية للرئيس صالح وأنصار زعيم قبيلة «حاشد»، الشيخ صادق الأحمر وأشقائه الذين يتمتعون بنفوذ قوي في اليمن، وبالأخص في الأوساط القبلية.

وفي حين انضمت العديد من القبائل إلى الأحمر لمواجهة صالح بعد محاولة قوات الأخير دك معاقل العائلة النافذة في حي الحصبة بشمال صنعاء، كان من أبرز من انضم إلى ما يمكن وصفها بخريطة تحالفات أفرزتها ثورة الشباب المطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، وزير الدفاع السابق عبد الله علي عليوة، ووزير الداخلية السابق حسين محمد عرب، وقائد القيادة المركزية سيف الضالعي وغيرهم من القادة السابقين والحاليين الذين أصدروا البيان رقم واحد، لقوات الجيش المؤيدة للثورة الشبابية السلمية.

وكانت «الشرق الأوسط» سباقة في نشر خريطة خاصة بتحالفات القوى في الساحة اليمنية لإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، في 28 مارس (آذار) الماضي، وفي سياق هذه الخريطة أنه في منتصف فبراير (شباط) الماضي، بدأت النواة الأولى لحركة الاحتجاجات التي تشهدها الساحة اليمنية للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، من خلال تجمع بضعة طلاب من جامعة صنعاء الذين اعتصموا أمامها بالقرب من النصب التذكاري: «الإيمان يماني والحكمة يمانية»، ولم يكن أحد، حينها، يعير الأمر أي أهمية على اعتبار أن ذلك نوع من حماس الشباب وتأثرهم بأحداث تونس ومصر، وتلك النواة باتت اليوم مركز الاعتصام الحاشد في ذات المكان الذي بات يعرف، حاليا، بـ«ساحة التغيير».

وخلال أسابيع قليلة توسعت حركة الاحتجاجات في صنعاء، ثم تعز وعدن، وتشمل حاليا أكثر من 15 محافظة، تتواصل فيها الاعتصامات المطالبة برحيل الرئيس صالح، ويعتقد مراقبون أن «سياسة القمع» التي تعامل بها النظام منذ البداية مع هذه الاحتجاجات، هي ما أوصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم من اتساع كبير لساحات الاحتجاج والمحتجين، خاصة بعد أن سقط قتلى وجرحى.

ويؤكد المراقبون أن حركة الاحتجاجات لم تعد تقتصر على «شباب الثورة» فقط، فخلال عدة أسابيع ازداد عدد المؤيدين لهذه الثورة الشبابية بصورة مذهلة، ويمكن قراءة الوضع، بالأطراف المناوئة للرئيس، الذين يمكن القول إن الفرصة سنحت لهم للتعبير عن مواقفهم الحقيقية الرافضة لسياسات الرئيس.

هناك في ساحات الاعتصام والساحات السياسية توجد الأحزاب السياسية المعارضة والشخصيات القبلية ومؤيدو علماء الدين، على الصعيد السياسي كان حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) الذي يتزعمه السياسي المعروف عبد الرحمن الجفري، هو أول الأحزاب الملتحقة بالثورة، ثم تبعته أحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك»، التي لم تلتحق بالثورة إلا بعد أن وصلت حواراتها مع النظام إلى طريق مسدود بعد أكثر من عامين من جولات الحوار في ظل الأزمة السياسية.

وعلى الصعيد الاجتماعي، التحقت مجاميع قبلية غير قليلة بالثورة وأيدتها، ولعل من أبرز الشخصيات القبلية التي باتت في صف الثورة، الشيخ أمين العكيمي رئيس مؤتمر قبائل «بكيل»، كبرى القبائل اليمنية، وكذا أنجال الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب السابق (البرلمان) ومن كان يوصف بـ«صانع الرؤساء»، وفي مقدمتهم حميد رجل المال والسياسة والخصم اللدود لصالح، لما يقال إن لديه تطلعات لحكم اليمن، وشقيقه الأكبر صادق عبد الله الأحمر، شيخ مشايخ قبيلة «حاشد» التي ينتمي إليها الرئيس صالح نفسه، والأخير التحق صراحة بالثورة، بعد أن كان وسيطا بين الرئيس وأحزاب المعارضة إلى جانب بعض العلماء، وقد دعا، بالأمس، مشايخ اليمن إلى «تحمل مسؤولياتهم التاريخية»، تجاه تجنيب البلاد أي أعمال عنف، بأن يؤيدوا «ثورة الشباب».

وهناك الأطراف البرلمانية والدبلوماسية والحكومية التي باتت في الصف المناوئ لصالح ومع مطلب رحيله، فقد استقال عشرات من عضوية الحزب الحاكم «احتجاجا على استخدام القوة المفرطة»، بحق المتظاهرين، ولذات السبب استقال عشرات من سفراء وقناصلة اليمن في الخارج، وذات الحال مع مسؤولين حكوميين، منهم وزراء: الأوقاف والإرشاد، السياحة وحقوق الإنسان، إضافة إلى وكلاء وزارات ورؤساء وكالات إعلامية حكومية كوكالة الأنباء اليمنية الرسمية وغيرها.

غير أن الحدث الذي يمكن أن يوصف بالجلل، هو تأييد اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة العسكرية الشمالية والغربية، قائد الفرقة الأولى مدرع، لمطالب الشباب، الذي التحق به العشرات من قادة الجيش الذين يدينون له بالولاء، ولهذا الحدث أهمية، حسب المعطيات التي يطرحها المراقبون، انطلاقا من كون الرجل أقرب المقربين لصالح في المؤسسة العسكرية وفي التعامل مع المشكلات الداخلية، وقد أعلن انضمامه ومن معه وغيرهم في المؤسسة العسكرية، وهي عملية انشقاق واضحة داخل هذه المؤسسة، بدليل أن قواته هي من تقوم، حاليا، بتأمين المعتصمين وفقا لتعهداته بذلك، ولعل زائر العاصمة صنعاء يلحظ ذلك جليا في شوارعها، فالمناطق المحيطة بـ«ساحة التغيير»، جميعها تحت حماية قواته، وقد انسحبت قوات الأمن المركزي لبضع مئات الأمتار من مختلف الاتجاهات، وانسحبت معها المجاميع التي تسمى «البلطجية»، خاصة بعد حادثة الجمعة الماضي، التي قتل فيها العشرات برصاص قناصة في ظل وجود قوات الأمن.

ووفقا للمعطيات التي تم التطرق إليها بصورة مختصرة، فإن نظام الرئيس علي عبد الله صالح يواجه اصطفافا متعددا، شعبيا بالشباب والفئات غير الحزبية التي انضمت إليهم سواء من نقابات أو مواطنين عاديين، وقبليا بأبرز المشايخ المؤثرين في الساحة، ودينيا بالموقف المعارض والواضح للشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان، الذي كان أحد الوسطاء لحل الأزمة السياسية في البلاد، قبل أن يعلن موقفه صراحة، ويقول إن صالح نقض الاتفاقات معهم أثناء الوساطة، ويطالبه بالتنحي وتسليم السلطة إلى نائبه.

ويمكن للعارفين بالشأن اليمني أن يدركوا مدى حجم هذا الاصطفاف المناهض لصالح وأهمية من يوجدون فيه، ففي بلد ذي تركيبة قبلية ودينية ومحافظة، هناك تأثير كبير لرجال الدين والزعامات القبلية على قطاعات واسعة من أفراد الشعب. وإلى جانب ذلك الاصطفاف، هناك قطاعان كبيران لا يرغبان في بقاء نظام صالح، حيث هناك الحوثيون في شمال البلاد، الذين، تقريبا، فرضوا سيطرتهم على محافظتي صعدة والجوف في شمال وشرق البلاد، والذين وجدوا، على ما يبدو، في الاحتجاجات الشعبية طريقة للتخلص من خصم لدود بعد 6 جولات من الحروب العسكرية، وهناك، أيضا، الحراك الجنوبي، في جنوب البلاد، الذي بات يسيطر على مناطق كثيرة، عسكريا وشعبيا.

ويقول المراقبون إن الأزمة الراهنة في اليمن، وفي حال طال أمدها لأسابيع أخرى، فإنها ستعزز حالات جديدة من الاصطفافات ضد نظام صالح، ولكن المراقبين يربطون ذلك بسلوكه وتصرفاته وقراراته، في القريب العاجل.