العائلتان اليمنيتان الأبرز في قلب الصدامات

صالح يهاجم عائلة الأحمر باعتبارها أبرز منافسيه السياسيين

علي عبد الله صالح (أ.ب) والشيخ صادق بن عبد الله الأحمر (رويترز)
TT

تشهد حركة المظاهرات المطالبة برحيل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والتي بدت سلمية في البداية، تحولا إلى معركة دامية في شوارع العاصمة اليمنية، مثيرة عداوة بين أسرتين قويتين ضد بعضهما ومخاوف متزايدة من اندلاع حرب أهلية.

وفي جوهرها، تعتبر الصدامات العنيفة صراعا قديم الأزل من أجل السلطة والمال بين قطاعين من النخبة اليمنية – أنصار الرئيس علي عبد الله صالح ورجال القبائل الموالين لإحدى العائلات البارزة في الدولة، وهي عائلة الأحمر.

وقد أودى القتال في صنعاء بحياة نحو 130 شخصا خلال 10 أيام وزاد المخاوف المتعلقة بحدوث انهيار في السلطة في الدولة التي باتت ضعيفة وهشة. ولا يرتبط الأمر بدرجة كبيرة بالمطامح الديمقراطية للشباب الذين كانوا أول من خرجوا إلى الشوارع في يناير (كانون الثاني)، مستلهمين حماسهم من الانتفاضة في تونس.

وكانت هناك إشارات مقلقة يوم الخميس تفيد بأن النزاع يتسع نطاقه وتزداد حدته. فقد وقعت تفجيرات ضخمة في المدينة في وقت متأخر من المساء، وأجبر القتال على إغلاق المطار الدولي الرئيسي في اليمن، الواقع على أطراف صنعاء. وذكرت وزارة الدفاع أن قوات خاصة، تلقت أوامر من أحمد ابن الرئيس صالح، كانت تحاول استعادة مبان حكومية في العاصمة، من بينها وزارات وقعت تحت سيطرة المقاتلين القبليين.

وأدى العنف المحتدم إلى تهميش جهود الولايات المتحدة والجهود الإقليمية الهادفة إلى الترتيب لخروج صالح من السلطة وتنسيق عملية تحول سلمية إلى إجراء انتخابات. وبدلا من ذلك، بعد أن أثارت عائلة الأحمر مشاعر المقاتلين المخلصين على مدار الأسبوع الماضي، قال الملاحظون إن الدولة باتت حبيسة قتال لم يكن لأي طرف وضع عسكري حاسم فيه.

ومن المتوقع أن يؤدي استمرار القتال إلى تحويل القوات الحكومية عن عمليات مكافحة الإرهاب وأن يولد فراغا يمكن أن يستغله إرهابيون، وربما يؤثر على قدرة الولايات المتحدة، التي لها إمكانات عسكرية واستخباراتية مهمة في اليمن، على مهاجمة «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وقام المقاتلون المتحالفون مع المجموعة بمهاجمة مبان في زينجبار، عاصمة مقاطعة أبين الجنوبية.

وكان جون برينان، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب، في زيارة إلى السعودية يوم الخميس لمناقشة ما أطلق عليه البيت الأبيض «الموقف المتدهور» في اليمن، وكان من المقرر استكمال تلك المحادثات في الإمارات العربية المتحدة.

وقد أشعل جذوة القتال أحد أبرز اللاعبين المسلحين في اليمن، وهو اللواء علي محسن الأحمر، الذي لا تربطه علاقة مباشرة بإخوة الأحمر. وقد حمى محسن، الذي قاد الفرقة المدرعة اليمنية الأولى، المتظاهرين منذ أن قتل كثيرون منهم على يد قناصة الحكومة. ولكنه لم ينشر قواته ضد صالح، الذي يستأثر بالسلطة منذ 32 عاما.

وحتى وقت قريب نسبيا، بدت المصالح السياسية والاقتصادية لأسرتي صالح والأحمر متداخلة بشكل كبير. ولكن المظاهرات ضد حكم صالح أظهرت على السطح توترات ظلت متأججة لفترة طويلة حول مشاركة فساد السلطة، ومنذ 23 مايو (أيار)، بدأت القوات الموالية لصالح في المشاركة في معارك عنيفة في الشارع مع رجال القبائل الموالين لعائلة الأحمر.

«الصراع بين هذه المجموعات يهدد بجر الدولة إلى حرب أهلية، وهي نتيجة ستلقي بظلالها دون شك على طموحات المتظاهرين اليمنيين الجديرة بالثناء والمتعلقة بتغيير النظام بشكل فعلي هادف»، هذا ما قاله أبريل ألي، أحد كبار محللي شؤون شبه الجزيرة العربية في مجموعة الأزمات الدولية.

وقد تحالفت عائلة الأحمر مع صالح منذ أن ساعدته في الصعود إلى منصب رئيس الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) في 1978. وكان عبد الله الأحمر، شيخ القبيلة، أبرز شيوخ اليمن وشيخ شيوخ قبيلة «حاشد»، التي شملت أسرة صالح.

وحينما توفي عبد الله في 2007، لم يحظ أي من أبنائه العشرة، بمن فيهم صادق المفترض أن يخلفه، بالمكانة نفسها التي حظي بها، على الرغم من أنهم ظلوا من أكثر المطلعين على بواطن الأمور ثراء. ومع تركيز صالح المزيد والمزيد من السلطة حول نفسه وابنه وأبناء أخيه، بدأت الشقاقات تحدث بين العائلتين، حسبما أشار ألي.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2006، دعم حميد الأحمر، أحد أبرز رجال الأعمال في اليمن وابن عبد الله، خصم صالح في المعركة الانتخابية. وظل أبوه مواليا لصالح. وبحلول عام 2009، بدأ حميد الأحمر يطالب بالإطاحة بصالح من الحكم، قائلا في لقاء على قناة «الجزيرة»، إن الرئيس متهم بـ«الخيانة العظمى»، واتهمه بتحويل اليمن إلى إمبراطورية لأسرته.

وفي مارس (آذار)، بعد إطلاق قوات الحكومة الرصاص على المتظاهرين مودية بحياة الكثيرين منهم، طلب صادق الأحمر من صالح ترك منصبه. كما قام بعدة زيارات لموقع المظاهرات أمام جامعة صنعاء، الذي أصبح يعرف باسم «ساحة التغيير» للتعبير عن تضامنه مع المتظاهرين.

وقد وعد صالح مرارا بالتخلي عن منصبه، ثم نكث بوعوده، وكانت المرة الأخيرة نهاية الشهر الماضي، حينما رفض اتفاقا كان من المفترض أن يضمن له الإعفاء من الملاحقة القضائية مقابل تركه السلطة. ولكن، اشتعل القتال في الشوارع وأطلقت قوات صالح النار على مجمع صادق الأحمر في صنعاء، مما أسفر عن مقتل شيوخ بارزين كانوا يشاركون في جهود وساطة، فضلا عن جرح العشرات. ولم يقتل أي من إخوة الأحمر.

«حينما بدأت تظهر فكرة الخلافة في السلطة على السطح، بدأ أبناء الأحمر يشعرون بأنهم أكثر جدارة من ابن صالح»، هذا ما قاله فارس السقاف مدير مركز دراسات المستقبل في صنعاء. وأضاف: «لقد أدى هذا إلى دخول العلاقة بين عائلة الأحمر وصالح منعطفا خطيرا، ولهذا قرر صالح مهاجمة أفراد عائلة الأحمر بوصفهم أبرز منافسيه السياسيين».

وقال المحللون إن اللواء محسن ربما يحاول إظهار نفسه في صورة الوطني المحايد وإنه ربما يشارك بعض مخاوف المتظاهرين بشأن طموحات عائلة الأحمر. وقال كريستوفر بوسيك، الباحث في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي: «المتظاهرون هم من يتحدثون عن المحاسبة والحكم. فهم لا يرغبون في مشاهدة أسرة تحل محل أخرى».

وذكر بعض المتظاهرين في ساحة التغيير أن آخر هجوم لقوات صالح، وتحديدا على منزل صادق الأحمر، قد أدى ببعض النشطاء إلى إعادة النظر في موقفهم تجاه إخوة الأحمر.

وقال عيسى عبد الله، وهو أحد المتظاهرين في صنعاء: «عادة ما كان لدى كثيرين، حتى رجال القبائل، انطباع سلبي عن عائلة الأحمر». ولكن مع الهجوم على منزل صادق الأحمر، «حول صالح أفراد عائلة الأحمر إلى أبطال».

على الرغم من أن صادق الأحمر هو الشيخ الظاهري للقبيلة، فإنه ينظر إلى حميد الأحمر على نطاق واسع بوصفه شخصا صاحب مطامح سياسية. لقد بعث حميد، رجل الأعمال البارز صاحب الحصص الضخمة في شركات الاتصالات والبناء والذي يملك توكيلات «كي إف سي» و«باسكين روبنز» في اليمن، برسائل ممتزجة عما إذا كان يرغب في خلافة صالح في الحكم.

وقد ذكر حميد أنه يجب أن يكون الرئيس القادم رجلا من جنوب اليمن، لحل بعض النزاعات الإقليمية المتأصلة في الدولة. ولكن في لقاء أجرته معه عام 2008 فيكتوريا كلارك، مؤلفة كتاب «اليمن.. الرقص على رأس الثعابين»، ذكر أنه كان يعتزم الدخول في تحد مع صالح سعيا لأن يصبح رئيسا. وقال: «إنني فخور بأنني أقوم بهذه المهمة، ومستعد لها. حينما ترغب في مد يد العون لبلدك، لا تقدر حجم الخطر».

إن لدى أسرة الأحمر وحلفائها مخزونا من الأسلحة، تشمل المدفعية الثقيلة ومدافع «الهاون» وقذائف «آر بي جي». وحذر المسؤولون العسكريون الموالون للرئيس من احتمال استخدام الطائرات النفاثة المقاتلة في مهاجمة رجال القبائل إذا ما تقدموا نحو العاصمة. وكما لو كان تأكيدا على هذه الحقيقة، بدأت الطائرات تحلق على ارتفاعات منخفضة في سماء العاصمة والمناطق النائية يوم الخميس.

وقال بوسيك: «إخوة الأحمر لا يملكون القدرة على الإطاحة بالحكومة، ولا تملك الحكومة القدرة على القضاء على إخوة الأحمر. وربما يمتد الأمر لفترة طويلة، وقد يزداد سوءا».

* ساهم مراسل خاص بصنعاء في إعداد هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»