إراقة الدماء تقوض مبادرات الأسد.. وتفقده تأييد الأغلبية الصامتة

خبراء ومحللون: المعارضة تركز على إسقاط النظام وتغيب كليا عن القضايا الرئيسية.. وليس لها جدول أعمال واضح

الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماع مع لجنة وطنية لوضع أسس للحوار الوطني في دمشق أمس (رويترز)
TT

لجأ الرئيس السوري، بشار الأسد، للقوة الشديدة والتنازلات السياسية في آن واحد في أغلب الأحيان لقمع الاحتجاجات في سوريا، ولكن لم ينجح الأسلوبان في وقف الانتفاضة، وقد يؤدي تعامله المزدوج لانفضاض قاعدة مهمة من مؤيديه من حوله.

ومنذ اندلاع الانتفاضة قبل 11 أسبوعا، جمع الرئيس السوري بين القمع العنيف ومساعي استمالة المتظاهرين، وتكرر الشيء نفسه الأسبوع الماضي؛ ففي نفس اليوم الذي أعلن فيه العفو عن سجناء سياسيين، قتلت قوات الأمن عشرات من المدنيين في بلدة الرستن بوسط البلاد أثناء مظاهرات مناهضة للأسد. وأعقب قرار العفو الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي خطوات نحو «حوار وطني» لبحث شكاوى شعبية، بينما قتل عشرات آخرون في هجوم للجيش على البلدة.

وسواء كانت الرسائل المتضاربة استراتيجية متعمدة أو رد فعل متسرعا للاضطرابات في سوريا، يقول محللون إنها تهدد بتقويض حجة أنصار الأسد الذين يقولون إن البديل الوحيد لحكمه هو نشوب حرب أهلية.

وقال محلل في دمشق: «الأقليات السورية والطبقة الوسطى وقطاع الأعمال.. يخشى الثلاثة بصفة أساسية بديل الأسد، وقبلوا مبدئيا رسالة النظام ومفادها (نحن أو الفوضى). ولكن النظام لم يكن متسقا إلى حد كبير على جميع الجبهات؛ القمع والإصلاح، ومعالجة الآثار الاقتصادية فضلا عن شروط الحوار. يعتقل أشخاصا في نفس اللحظة التي يحتاج فيها لوجود شركاء حوار على الأرض».

وقال محلل طلب عدم نشر اسمه لـ«رويترز»: «لذا فإن معادلة (نحن أو الفوضى) تنقلب ضده (النظام) شيئا فشيئا».

وتقول جماعات حقوقية إن 1100 قتيل على الأقل سقطوا في الاضطرابات مع امتداد الاحتجاجات من مدينة درعا الجنوبية إلى ساحل البحر المتوسط والمناطق الكردية في الشرق. وتصاعدت حدة الاحتجاجات في المناطق الريفية الأفقر، بينما كانت الاضطرابات أقل في العاصمة وحلب، ثاني أكبر المدن السورية، حيث توجد الشركات الأكثر ثراء والطبقة المتوسطة، ويرجع ذلك في جزء منه للتواجد الأمني الكثيف.

وتلقي السلطات السورية باللائمة في أعمال العنف على عصابات مسلحة يدعمها إسلاميون ومحرضون أجانب، وتقول إن أكثر من 120 من رجال الشرطة والجنود قتلوا، وتحظر السلطات نشاط معظم وسائل الإعلام الدولية، مما يجعل من المستحيل التحقق من روايات النشطاء أو السلطات.

وعلى الرغم من غياب أي دلائل على بلوغ المظاهرات الحجم المطلوب للإطاحة بالأسد، فإن نطاقها أخذ في الاتساع، ويقول محللون إن غضب المحتجين يتصاعد.

وبمقتل الطفل حمزة الخطيب (13 عاما)، انصب الغضب الدولي والمحلي على الوحشية في سوريا، ويقول نشطاء إن الطفل عُذّب بصورة مروعة أثناء احتجازه، وهو ما تنفيه السلطات، مشيرة إلى أنه قتل في تبادل لإطلاق النار أثناء احتجاج. وقال شهود إن متظاهرين في داعل ودرعا حملوا صور الطفل يوم الجمعة.

وقالت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، الأسبوع الماضي، إن مقتله رمز «لانهيار كامل» لأي محاولة لعلاج مظالم الشعب، وإن شرعية الأسد «انتهت تقريبا».

وعلى الرغم من إدانة كلينتون، وحقيقة أن الاحتجاجات استمرت لفترة أطول مما استغرقته انتفاضتان أطاحتا برئيسي تونس ومصر، تبدو الولايات المتحدة مترددة في توجيه دعوة صريحة برحيل الأسد. ويرجع التردد لأسباب، منها الشكوك بشأن من سيتولى إدارة البلاد التي تقطنها أغلبية سنية وتحكمها أسرة الأسد التي تنتمي للأقلية العلوية منذ 41 عاما، وفي ظل حكم الأسد الأب والابن تحالفت سوريا مع إيران، وساندت حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، كما أجرت محادثات سلام مع إسرائيل.

ودعا اجتماع شخصيات سوريا معارضة في تركيا، يوم الخميس الماضي، الأسد للاستقالة، لتمهيد الطريق لحكم ديمقراطي، ولكن لم تعط أي مؤشر يذكر لكيفية أخذ مكانه. وقال المحلل في دمشق لـ«رويترز»: «رغم أن النظام ربما يفقد تأييد الأغلبية الصامتة، فإن المعارضة لم تحقق أي مكاسب؛ لأنها لا تجيب عن أي من الأسئلة الرئيسية التي تطرحها الأزمة. في دولة بهذا الضعف؛ كيف تضمن انتقالا ناجحا للسلطة؟! ما جدول أعمال هؤلاء الأشخاص؟! يركزون على قضية إسقاط النظام ويغيبون كليا عن القضايا الرئيسية التي يريد الشعب الحصول على إجابات بشأنها».

وقال محللون إن مسيرات الاحتجاج كانت سلمية في معظمها، ولكن منذ بداية الاحتجاجات كانت هناك حالات معزولة لحمل متظاهرين سلاحا في درعا وتلكلخ وعلى الحدود اللبنانية وفي الرستن في الآونة الأخيرة.

وقالت ريم علاف من «تشاثام هاوس للأبحاث» بلندن: «لأول مرة تقع اشتباكات حقيقية والمواطنون يقاومون. لم يحدث على نطاق واسع بعد».

وقال دبلوماسي غربي رفيع المستوى في بيروت إن الساسة اللبنانيين، سواء من حلفاء سوريا أو خصومها، يعتقدون أن «الوضع في سوريا لا يمكن أن يرجع للوراء. لم يحدث مثل هذا الأمر في تاريخ سوريا الحديث. النظام مهدد بشكل يفوق العادة».

وحتى الآن، تعوق مقاومة روسيا والصين مساعي أميركية وأوروبية لاستصدار قرار من الأمم المتحدة يدين القمع في سوريا، وسبق أن تخطى الأسد فترة من العزلة فرضها الغرب حوله. ولكن الأسد شهد انفضاض أكبر حليفين له في المنطقة؛ تركيا وقطر، من حوله في الأسابيع الأخيرة، بينما عانى الاقتصاد السوري نتيجة فقد عائدات السياحة وتوقف الاستثمارات والعقوبات ضد كبار المسؤولين السوريين، مما منع شركات عالمية من التعامل مع سوريا.

وتقول علاف: «لا يشهد حكم الأسد تفككا، ولكن هذا الاعتقاد بأنه يمكن تقديم القليل مما يسمى بالإصلاحات وتعود كل الأمور لطبيعتها.. هذا لن يحدث».