مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: مستاؤون من القمع في سوريا

خبراء أميركيون يحذرون من حرب أهلية إذا زادت الضغوط الدولية على الأسد

TT

وجهت الولايات المتحدة رسالة حادة اللهجة في أعقاب الاشتباكات التي حدثت بين المتظاهرين السوريين وقوات الجيش الإسرائيلي عند حدود هضبة الجولان السورية المحتلة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 23 شخصا وإصابة المئات بجروح بعد أن أطلق الجيش الإسرائيلي النار على المتظاهرين الذين حاولوا عبور الحدود، وأدانت نظام الأسد واتهمته بالتحريض على هذه الأحداث لصرف الانتباه عن قمع الحكومة السورية للمتظاهرين. وأشارت إلى مقتل الجنود السوريين في منطقة جسر الشغور وكررت مطالبتها بنبذ العنف وضبط النفس.

وقال مسؤول أميركي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «إن الولايات المتحدة مستاءة بشدة من محاولات يوم الأحد عبور خط فض الاشتباك في مرتفعات الجولان، مما أسفر عن إصابات وخسائر في الأرواح». وأكد المسؤول الأميركي إدانة النظام السوري وتورط الحكومة السورية في التحريض على هذه الأحداث، وقال: «من الواضح أن مثل هذا السلوك لن يصرف الانتباه عن قمع الحكومة السورية المستمر ضد المتظاهرين». ودافع المسؤول الأميركي عن قيام إسرائيل بإطلاق النار على المتظاهرين عند حدود الجولان، وقال: «لقد قلنا إن إسرائيل مثل أي دولة ذات سيادة، لها الحق في الدفاع عن نفسها، ونحن ندعو إلى وقف حد للعنف، وندعو جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس».

وحول استراتيجية الولايات المتحدة تجاه سوريا واتصالاتها مع المعارضة السورية، قال المسؤول الأميركي: «الأسد يمكن أن يقود عملية الانتقال والتغيير التي تجري في سوريا، أو أن تخرج عن الطريق»، وأضاف: «من الواضح من الجماهير في جميع أنحاء المنطقة أن مطلبهم هو وضع نهاية لهذا النوع من الحكومات الوحشية التي تستخدم التعذيب الذي أدى إلى مقتل طفل، وتريد وضع نهاية للحكم عن طريق التراضي لا الإكراه». وعلمت «الشرق الأوسط» أن هناك اتصالات مباشرة مع بعض رموز المعارضة السورية، حيث تطالب المعارضة السورية الولايات المتحدة بفرض عقوبات على إمدادات النفط إلى سوريا، مما يضيق الخناق على النظام السوري، وهو مطلب يلقى ترددا شديدا في الاستجابة له من الإدارة الأميركية ومن الاتحاد الأوروبي.

وحذر جوشوا ليندس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعه أوكلاهوما وصاحب كتاب «الديمقراطية في سوريا»، من اندلاع حرب أهلية في سوريا بعد مقتل عدد كبير من قوات الشرطة السورية في كمين بمنطقة جسر الشغور، وقال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحكومة السورية تستخدم أحداث مقتل جنود الشرطة كمؤشر للعنف المتبادل، والدفاع عن موقفها في حماية عناصر الشرطة والأمن».

وأكد ليندس أن «المسؤولين في الولايات المتحدة والغرب يريدون إنهاء النظام القمعي السوري لكنهم لا يملكون استراتيجية للتعامل مع الموقف، ولا يعرفون السبيل إلى تحقيق ذلك، لأنه لا يوجد بديل لنظام الأسد، فالمعارضة السورية مجرد جماعات صغيرة العدد، ومنقسمة في ما بينها، والاستراتيجية الوحيدة التي تتعامل بها الولايات المتحدة هي دعم الديمقراطية وفي الموقف السوري سيتوجه الدعم الأميركي إلى الأغلبية السنية ضد الأقلية، كما فعلت أميركا في العراق».

وقال ليندس: «إن الولايات المتحدة على اتصال دائم ومستمر بالمعارضة السورية بشكل يومي، وتطالب المعارضة السورية بفرض عقوبات أكثر على النظام السوري، وهناك تردد أميركي وغربي في فرض مزيد من الضغوط لأنه سيؤدي إلى خنق النظام السوري وإلى إحداث عجز للحكومة السورية عن دفع المرتبات، مما سيؤدي إلى حرب أهلية».

وتشكك مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما في تصريحات الإدارة الأميركية وأملها في أن يقود الرئيس بشار الأسد الإصلاحات وإحداث التغيير، وقال: «لا شيء سيوقف الأسد عن قمع المتظاهرين، فالنظام السوري يحارب من أجل بقائه، ويعتقد أن ما يحدث هو مؤامرة من الإسلاميين للوصول إلى الحكم، وكل العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ليست فعالة، بمعنى أنها لن توقف الأسد عما يفعله، ولا أعتقد أن لدى الإدارة الأميركية أملا في قيام الأسد بإصلاحات، وكل شخص يحاول التوصل إلى فهم ما يجري في سوريا».

وقال ديفيد ليش، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ترينيتي وعضو المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن: «إن الولايات المتحدة لا تملك نفوذا كبيرا على سوريا، لكنها تستطيع إقناع دول الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات تجارية على سوريا التي سيكون لها تأثير مباشر أكثر من العقوبات الأميركية، حيث ترتبط سوريا بعلاقات تجارية أكبر مع الاتحاد الأوروبي (25 في المائة من التجارة السورية مع أوروبا)، وهذا سيؤثر على طبقة رجال الأعمال القوية التي يهيمن عليها السنة في سوريا بسبب الآثار الاقتصادية الضارة على الاقتصاد السوري، ومن العزلة الدولية، وهذا سيغير من موازين القوى السياسية في البلاد».

وأضاف ليش لـ«الشرق الأوسط» أنه «يمكن للولايات المتحدة استخدام التقارير التي تشير إلى التعذيب ضد المتظاهرين لإعداد لائحة اتهام من قبل المحكمة الجنائية الدولية ضد شخصيات النظام السوري، مما يساعد على تصعيد الضغوط على الرئيس الأسد على أمل إقناعه لإنهاء العنف والدخول في حوار مع عناصر المعارضة».

وأكد ليش أن النظام السوري يراهن في الوقت الحالي على تحجيم المظاهرات وعدم انتشارها في دمشق أو حلب، بينما لا يوجد شيء يمكن للمجتمع الدولي القيام به في الوقت الراهن لتغيير سلوك النظام السوري. وأوضح أستاذ تاريخ الشرق الأوسط أن «المصادمات عند مرتفعات الجولان مع الجيش الإسرائيلي حدثت بموافقة النظام السوري من أجل صرف الانتباه عن الاضطرابات الداخلية، وهو بذلك يبعث إشارة إلى المجتمع الدولي أنه يمكنه إشعال مشكلة عند الحدود الإسرائيلية إذا استمرت الضغوط على سوريا».

وتشكك ليش في قوة تأثير ضغوط وكالة الطاقة الذرية وإحالة الملف النووي السوري إلى مجلس الأمن أو في توجيه لائحة اتهام للنظام السوري من المحكمة الجنائية الدولية، وقال: «هذه الخطوات تعد ضغوطا إضافية، لكن لن يكون لها تأثير فوري على النظام السوري، وهي مؤشر على مدى قلة الأدوات التي يملكها المجتمع الدولي على سوريا وعدم قدرته على الخروج بعقوبات جماعية في المدى القصير».