توقف السياحة في سوريا.. العلامة الأكثر وضوحا على جسامة الأضرار الاقتصادية الناجمة عن القمع

شكلت إيرادات السياحة نحو 12 في المائة من الاقتصاد السوري في العام الماضي

بائع سوري ينتظر وصول السياح في السوق القديمة بدمشق (أ.ف.ب)
TT

يحتوي فندق «أجينور بوتيك» في العاصمة السورية دمشق، على نافورة بساحته التي تضيئها أشعة الشمس، وأسرة ذات أربعة أعمدة في الغرف التي يتم تأجيرها مقابل 100 دولار للغرفة في الليلة الواحدة والتي كانت دائما محجوزة بشكل كامل حتى قبل ثلاثة أشهر. أما الآن، فجميع الغرف خالية، ويقدم مدير الفندق تخفيضات لأي زائر على استعداد أن يتحدى الاضطرابات العنيفة في سوريا والبقاء في العاصمة.

أما موجة الاحتجاجات ورد فعل الحكومة الوحشي، الذي قتل أكثر من 850 شخصا حسب نشطاء حقوقيين، فهي تقريبا غير مرئية في وسط العاصمة دمشق. والشيء المذهل هنا هو عدم وجود أحد في شوارع تصطف بها متاجر بيع الفخار والمجوهرات والسجاد. ويجلس الباعة مكتوفي الأيدي يلعبون الطاولة ولديهم الوقت الكافي لشرب الشاي والشكوى من أن «المشكلات» قد دمرت أعمالهم.

ويعد «موت» السياحة هو العلامة الأكثر وضوحا على الأضرار الاقتصادية الجسيمة التي لحقت بالبلاد نتيجة الاحتجاجات والقمع، وهي الأضرار التي يمكن أن تقوض حكومة الرئيس بشار الأسد في نهاية المطاف. ويجبر عدم الاستقرار الاقتصادي الحكومة على زيادة العجز لتمويل تنازلات وعدت بها، على الرغم من أن المشكلات المالية من غير المحتمل أن تؤدي بمفردها إلى إسقاط نظام بقي رغم الظروف الصعبة والعزلة الدبلوماسية التي كانت مفروضة عليه من قبل.

ومع ذلك، يمكن أن يكون الضرر الاقتصادي حاسما في تحفيز قطاعات جديدة من المجتمع للانضمام إلى حركات المعارضة. وقال دبلوماسي غربي إن أي انهيار في الأسواق المالية يمكن أن يدفع الطبقات التجارية في دمشق وحلب للانضمام إلى المحتجين. وحتى الآن، لا تزال هذه الطبقات تقف إلى جانب الحكومة إلى حد كبير، ربما لأن عدم الاستقرار سيكون له آثار سلبية على أعمالهم التجارية. وأضاف الدبلوماسي: «ولكن في حالة انهيار الاقتصاد وعدم وجود سوق يبيعون فيها منتجاتهم، فيمكن أن يؤدي هذا إلى تغيير الأمور بشكل كبير جدا وبسرعة».

وخلال السنوات الأخيرة، استغلت سوريا تاريخها العريق ومدنها السياحية لبناء صناعة سياحية مزدهرة، حيث شكلت إيرادات السياحة نحو 12 في المائة من الاقتصاد السوري في العام الماضي، وهو مصدر حيوي للدخل، مع الوضع في الاعتبار احتياطيات النفط القليلة. ولكن بعد امتداد رقعة الاحتجاجات من مدينة درعا الجنوبية إلى مناطق حول العاصمة دمشق والساحل وحمص، حذرت معظم السفارات رعاياها بمغادرة البلاد. وقال أصحاب الفنادق إنهم قد فصلوا النوادل وعمال النظافة، في حين يفكر العديد من أصحاب المتاجر في إغلاقها.

وقال مصرفي في لبنان، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن شركات أخرى قد تأثرت بشدة من جراء عدم الاستقرار. وتوقفت المشاريع الممولة دوليا، بما في ذلك مشروعان للطاقة من قبل شركة قطرية، كما انخفض التصنيع والتجارة بحدة.

وكانت سوريا تستهدف جذب استثمارات أجنبية تتعدى 50 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، وكانت تأمل بأن تقوم المشاريع الأجنبية بتوظيف سكانها الذين يتزايد عددهم، بعدما اضطرت الحكومة إلى خفض الوظائف الحكومية نتيجة لتضاؤل عائدات الحكومة من النفط.

ولكن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد الرئيس والنخبة، والتي يرتبط الكثير منها بالرئيس الأسد، سوف تثبط الاستثمارات الأجنبية، ويتوقع معهد التمويل الدولي الآن أن ينكمش الاقتصاد السوري بنسبة 3 في المائة خلال العام الجاري.

وما دامت سوريا معزولة من الناحية الاقتصادية؛ فلا يوجد تصنيف ائتماني لها، ولا يمكنها الاقتراض من أسواق الدين الدولية. ولكن على الرغم من تراجع الإيرادات، فقد طرحت الحكومة برنامجا من الامتيازات الاقتصادية نتيجة للضغوط التي مورست عليها من قبل السكان الغاضبين.

وقد تحسنت الحياة في سوريا إلى حد ما خلال السنوات الخمس الماضية، بيد أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء قد اتسعت. وقد تم رفع القيود التجارية وتم توقيع اتفاقات تجارية، وفتحت المصارف الخاصة وقامت بتقديم قروض الرهن العقاري والقروض للمواطنين، وكان هناك تدفق في السلع الاستهلاكية، مثل السيارات، من الصين – وقد تم استغلال هذه الفرص من قبل الطبقة الوسطى الحضرية.

ولكن أصبحت الحياة أكثر صعوبة على الفقراء بسبب رفع الدعم وتدفق البضائع من خارج البلاد، كما ارتفعت الأسعار وأغلقت المصانع. وقد دمر الجفاف الزراعة، ولذا فر مئات الآلاف من الريف وهم يعيشون الآن في أحياء عشوائية فقيرة على أطراف المدن. وقد احتلت سوريا مكانا أقل من مصر المعروفة بانتشار الفساد في تقرير الشفافية الدولية عن الفساد. ويسيطر رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس الأسد، الذي نال هو وزبانيته نصيب الأسد من لعنات المتظاهرين والسوريين العاديين على حد سواء، على قطاعات بأكملها، بما في ذلك قطاعات النقل والاتصالات والتأمين.

هؤلاء الفقراء والساخطون هم الذين يشكلون السواد الأعظم من الحركة الاحتجاجية، حسب تصريحات الدبلوماسي الغربي في العاصمة السورية، وقامت الحكومة الآن بتخفيض سعر الوقود وزيادة رواتب موظفي الحكومة ووعدت بمزيد من فرص العمل للحد من اندلاع مظاهرات أخرى.

ولكن على المدى الطويل، لا يستطيع النظام تحمل هذه التنازلات، حسب تصريحات الخبراء.

وقال جوشوا لانديس، وهو أستاذ مساعد لدراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، إنه «من الصعب أن نتصور أنه لن تظهر صعوبات اقتصادية خطيرة – في الشقوق الموجودة في أسس هذه الدولة الفقيرة للغاية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»