استمرت المشاورات بين أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أمس، بهدف إصدار قرار دولي ضد العنف المتصاعد ضد المدنيين في سوريا. إلا أن روسيا ما زالت الدولة الأبرز المعارضة لإصدار القرار، الذي لم يحدد موعد بعد للتصويت الرسمي عليه. وبعد فشل مندوبي أعضاء مجلس الأمن من التوصل إلى اتفاق على نص القرار في اجتماع استمر ساعات عدة عصر أول من أمس، اجتمع دبلوماسيو الدول الـ15 مجددا أمس لمراجعة نص مسودة القرار.
وأكدت روسيا علنا أمس أنها تعارض أي قرار في الأمم المتحدة حول سوريا، مما يهدد باندلاع خلاف كبير بينها وبين الغرب حول الاستجابة لحملة القمع التي تشنها دمشق ضد المحتجين. وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش للصحافيين أمس أن «روسيا تعارض أي قرار في مجلس الأمن حول سوريا، كما تم الإعلان عن ذلك مرارا على مستوى الرئاسة». وأضاف أن «الوضع في هذا البلد لا يشكل في رأينا تهديدا للأمن والسلم العالميين». وتأتي هذه التصريحات فيما تعمل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة على حمل مجلس الأمن على التصويت على قرار حول سوريا. وقد أعدت مشروع القرار فرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال. وهو يدين العنف الذي يمارسه نظام الرئيس السوري بشار الأسد ويطلب منه تسهيل وصول فرق المساعدة الإنسانية إلى المدن السورية.
والأربعاء، وجه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تحذيرا شديدا لروسيا والصين من مغبة عرقلة صدور قرار ضد سوريا، قائلا «ستقدم بريطانيا وفرنسا مشروع قرار أمام مجلس الأمن يندد بالقمع ويطالب بالمحاسبة وإتاحة توصيل المساعدات الإنسانية». وأضاف «إذا صوت أحد ضد مشروع القرار أو حاول استخدام حق النقض ضده، فإنه سيتحمل وزر أفعاله».
إلا أن لوكاشيفيتش أكد أنه «من الأفضل أن يتعامل السوريون أنفسهم مع الوضع في سوريا»، وأن مجرد مناقشة القرار في مجلس الأمن يمكن أن تكون أمرا خطرا. وأضاف أن «مناقشة قرار ضد سوريا في مجلس الأمن قد تؤدي إلى «مزيد من التصعيد للوضع الداخلي» في سوريا. وأقر الناطق الروسي بأن الوضع في سوريا لا يزال متوترا، إلا أنه ألقى باللوم في ذلك على متطرفين وليس على النظام نفسه. وأضاف «يجب أن نمنح وقتا لتحقيق الخطوات الإصلاحية».
وفي خطوة اعتبرت لحظة تاريخية في علاقات روسيا مع الغرب، امتنعت موسكو في مارس (آذار) عن التصويت على قرار في الأمم المتحدة يسمح بشن غارات جوية على ليبيا، مما سمح ببدء الحملة العسكرية على ليبيا. إلا أن مسؤولين روسا قالوا منذ ذلك الوقت إنهم شعروا بالخديعة بشأن الطريقة التي تشن بها الحملة الجوية، وأكدوا أن على الغرب عدم توقع دعم مماثل لقرارات أممية مستقبلية.
وذكر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الشهر الماضي أن على الأسد «التحول من القول إلى الفعل» والقيام بتطبيق «إصلاحات ديمقراطية حقيقية»، إلا أن مسؤولين روسا حذروا كذلك من مقارنة النظام السوري بالنظام الليبي.
وتعتبر روسيا أقرب حليف لسوريا، كما أنها المزود الرئيسي لها بالأسلحة. وحذرت موسكو الغرب من عدم الوقوف إلى جانب المعارضة في الأزمة مع نظام الأسد. وعلى الرغم من الموقف الروسي العلني برفض أي قرار ضد سوريا، واصلت الدول الأوروبية أمس جهودها في إقناع روسيا والصين بدعم مثل هذا القرار من خلال البحث في تعديلات محددة للنص. وأفادت مصادر غربية مطلعة على المشاورات لـ«الشرق الأوسط» بأن الهدف من التعديل على نص القرار محاولة سد الفجوة في اختلاف وجهات النظر، إلا أن ذلك صعب لأن روسيا والصين معارضتان على مبدأ القرار أصلا. وحتى عصر أمس لم يتم الاتفاق على جدولة موعد للتصويت على مشروع القرار. ويذكر أن مسودة القرار الحالية لا تشمل أي إشارة لاتخاذ إجراءات محددة ضد النظام السوري، لكنه يدين العنف ويطالب سوريا بالالتزام باتخاذ خطوات إصلاحية ومنع السلطات السورية من استخدام العنف ضد شعبها.
وعلى الرغم من التعثر في إصدار القرار من الأمم المتحدة، فإن المسؤولة الرئيسية عن حقوق الإنسان لدى المنظمة الدولية أدانت تصرفات السلطات السورية. ودعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي سوريا أمس لوقف الاعتداء على شعبها»، قائلة إن أكثر من 1100 شخص ربما قتلوا واحتجز ما يصل إلى عشرة آلاف منذ مارس الماضي. وحثت بيلاي سوريا أيضا على السماح لبعثة المفوضية لتقصي الحقائق بدخول البلاد للتحقيق في كل المزاعم، بما في ذلك ما أفادت به تقارير تلفزيونية بأن 120 من أفراد الأمن قتلوا على أيدي عصابات مسلحة. وأضافت في بيان «هذا مؤسف للغاية أن تحاول أي حكومة إرغام شعبها على الخضوع باستخدام الدبابات والمدفعية والقناصة.. أحث الحكومة على وقف هذا الاعتداء على حقوق الإنسان الأساسية لشعبها».
وتقول جماعات معنية بحقوق الإنسان إن أكثر من ألف شخص قتلوا في الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في سوريا قبل ثلاثة شهور. وقالت بيلاي القاضية السابقة لجرائم الحرب في الأمم المتحدة «نتلقى عددا متزايدا من التقارير المثيرة للقلق التي تشير إلى جهود الحكومة السورية المستمرة لسحق الاحتجاجات السلمية بلا رحمة».
وتقول جماعات محلية معنية بحقوق الإنسان إن أكثر من 50 محتجا قتلوا أثناء احتجاج في مدينة حماة يوم الجمعة الماضي. وقالت بيلاي إنه يبدو أن ذلك اليوم كان من أكثر الأيام دموية منذ بدء الاحتجاجات في سوريا. وعبرت بيلاي عن قلقها من تقارير عن فرار مدنيين من بلدة جسر الشغور في شمال غربي سوريا، بعد تصريحات وصفتها بأنها تحمل نبرة التهديد من جانب مسؤولين حكوميين.