«محللو» دمشق يروجون لنظرية المؤامرة التركية

الناطقون بلسان حال النظام يقولون إن أنقرة تقدم 20 ألف دولار لكل عائلة سورية تلجأ إليها

صورة مأخوذة من «يوتيوب» لجنود ينتشرون في درعا أمس (أ.ف.ب)
TT

تداولت وسائل إعلام لبنانية موالية للنظام السوري أمس معلومات نقلتها عن مصادر مطلعة في دمشق، بأن تركيا وافقت على «خطة أميركية لتدخل عسكري محدود للجيش التركي على الحدود بين تركيا وسوريا، وبالتحديد في محافظة إدلب ومناطقها الحدودية».

وراجت هذه المعلومات بالتزامن مع قيام الجيش السوري بعملية عسكرية في مدينة جسر الشغور، وفرار آلاف السوريين من السكان إلى تركيا التي أعلنت أنها لن تغلق الباب في وجوههم، وأقامت لهم مخيمات، مع ترويج احتمال إقامة منطقة حدودية عازلة في حال استمر تدفق اللاجئين السوريين إليها، والذين قدر عددهم يوم أمس بأكثر من 10 آلاف لاجئ، وذلك بعد إعلان الجيش السوري إنهاء عملياته في جسر الشغور والتوجه إلى مدينة معرة النعمان في محافظة إدلب (شمال).

وبحسب المعطيات على الأرض، يبدو أن الأحداث تتجه إلى مزيد من التصعيد، لا سيما وأن جموع «المحللين» السوريين من مؤيدي النظام، وبمعنى آخر لسان حاله غير الرسمي، يروجون منذ أكثر من أسبوع عن ضلوع تركيا بالمؤامرة ضد سوريا، وأن الذين فروا من الأراضي السورية هم عائلات التنظيمات المسلحة، التهمة ذاتها التي وجهها النظام للسوريين الذين فروا إلى وادي خالد في لبنان من مدينة تلكلخ في محافظة حمص عندما اقتحمها الجيش السوري الشهر الماضي.

وقال «محللون» على قناة تلفزيون «الدنيا» شبه الرسمي أمس إن الحكومة التركية «تقدم عشرين ألف دولار لكل عائلة سورية تلجأ إليها، وإن معظم الذين قالوا إنهم لاجئون هم في الحقيقة ذهبوا للحصول على هذا المبلغ». هذا الكلام واكبه بث التلفزيون السوري لمكالمات زعم أنها لعناصر في تنظيمات مسلحة في محافظة إدلب، يتصلون مع الداخل وينسقون لفبركة قصص إعلامية وبدعم من تركيا.

وكان ملاحظا خلال مسيرات التأييد التي يسيرها النظام والأجهزة الأمنية في شوارع دمشق خلال الأسبوع الماضي، رفع لافتات عليها العلمان الإسرائيلي والتركي كوجهين لعملة واحدة، وهي المرة الأولى التي يساوي فيها مؤيدو النظام بين تركيا الجارة والصديقة وإسرائيل العدو اللدود. هذا عدا الاعتصامات أمام السفارة التركية في دمشق وإعلان الاحتجاج على سياستها، بل والتلويح بالمطالبة باستعادة لواء إسكندرون الذي تنازل عنه نظام بشار الأسد لقاء تحسين العلاقات مع تركيا. ويبدو بعد ذلك أن شهر العسل بين النظام السوري وحكومة حزب العدالة والتنمية التركية انتهى، ليبدأ شهر عسل الشعب السوري والحكومة التركية، وقد قالها صراحة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عشية الانتخابات، أن «علاقات تركيا هي بالشعب السوري وليست بالنظام».

تلك المؤشرات قرأها النظام السوري على أنها «أدلة لضلوع تركيا في المؤامرة»، وعززها الكلام عن إقامة منطقة عازلة. وعدا عما يمثله ذلك من انتهاك لسيادة الدولة السورية، فإن تداعياته خطيرة في حال حصل ذلك. وكان لا بد من رسائل جديدة توجه إلى تركيا بشكل غير مباشر، عن طريق مجموعة المحللين، وأيضا عن طريق الإعلاميين اللبنانيين الموالين للنظام. وعلى غرار الرسالة التي سبق ووجهها رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال الرئيس إلى إسرائيل، إذ ربط أمنها بأمن سوريا، اتبعتها بفتح الحدود في الجولان لتدفق المتظاهرين الفلسطينيين المتحمسين للعودة في الخامس من يونيو (حزيران)، أسفرت عن مقتل 23 شابا وجرح أكثر من 350 آخرين بالرصاص الإسرائيلي، تولت بعض الأصوات شبه الرسمية إيصال رسالة إلى تركيا، عبر الحديث عن «خطة أميركية» وافق عليها أردوغان، قيل إن روسيا قامت بتسريب تفاصيلها للنظام السوري.

وتتضمن الخطة المزمعة «نشوب تحركات شعبية واضطرابات في بعض مناطق محافظة إدلب السورية المحاذية للحدود مع تركيا أو القريبة منها، يتبعها تدخل لقوات الشرطة والأمن السوريين، وتحت غطاء حماية المدنيين السوريين تقوم قوات من الجيش التركي بتدخل عسكري محدود داخل الأراضي السورية لإقامة منطقة عازلة على الحدود بين البلدين تكون مركزا لتحرك عسكري ضد النظام، على أن يرافق هذا التدخل العسكري تغطية إعلامية عربية وغربية تظهر تفوقا تركيا وتقدما سريعا للجيش التركي وتحريضا على اضطرابات في مختلف أنحاء سوريا تكون نتيجتها سقوط النظام».

ويبرز في حديث المحللين اللبنانيين الموالين للنظام السوري تلويح بتدخل إيران إلى جانب النظام، وقالوا إن طهران «أبلغت مباشرة دولة الإمارات العربية المتحدة أن النظام في سوريا خط أحمر إيراني، وأن تعرضها للخطر سوف يؤدي إلى اشتعال منطقة الخليج بأكملها». ومضى المحللون إلى أبعد من ذلك باعتبارهم إرسال وحدات من الجيش السوري إلى محافظة إدلب المحاذية للحدود مع تركيا رسالة واضحة بأن «شهري التهديدات والمواعظ التركية لسوريا قد انتهيا، وأن الجيش السوري سوف يتدخل على حدودكم وبقوة ومهما كانت النتائج».

الشارع السوري الذي سبق وأدهشه تسرع النظام السوري في الانفتاح على تركيا، وتوقيع اتفاقيات غير مشروطة معها، كان لها آثار سلبية على الاقتصاد السوري، يقف الآن مذهولا من تدهور علاقات النظام مع تركيا. فهو بين شامت بالنظام وبين مرتاح للموقف التركي المتضامن مع الشعب السوري «المكلوم». فحتى الأمس القريب خرج المتظاهرون في مدينة سقبا وداريا في ريف دمشق اللتين تشتهران بصناعة المفروشات والموبيليا، احتجاجا على فتح باب الاستيراد على مصراعيه لتدفق المفروشات التركية التي كادت تقضي على الصناعة المحلية.

وهذا مثال بسيط عما قدمه النظام لتركيا مقابل الانفتاح على سوريا في سنوات العزلة الدولية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عام 2005. وعدا الاتفاقيات الاقتصادية التي كانت على حساب الاقتصاد الوطني، وفي مقدمتها ضرب القطاع السياحي، مع تحول وجهة السياحة الداخلية السورية إلى تركيا، كان التنازل غير المعلن عن لواء إسكندرون، دون أي اعتبار لشعار كان مكتوبا على جدران المدارس وهو تعهد الرئيس حافظ الأسد بعدم نسيان لواء إسكندرون، إذ تم وفي وقت مبكر منذ عام 2002 طرح خرائط جديدة لسوريا في السوق وقد اقتطع منها اللواء. كما منعت وزارة الإعلام أطلس الخرائط من التداول تلبية لطلب تركيا لتضمنه خرائط فيها سوريا كاملة واللواء جزء من أراضيها.

هذا ناهيك بالقطعة النقدية من فئة ألف ليرة التي طبعت عليها خريطة سوريا وقد اقتطع منها اللواء. وحينها أثارت تلك الإجراءات الكثير من الاستغراب والتساؤلات، دون أن يجرؤ أحد على طرحها علنا، إذ منع تماما مقاربة موضوع اللواء حرصا على تحسين العلاقات مع تركيا، وحرصا على هذه العلاقات بدأت ورشات عمل ثقافية بالعمل على تغيير النظرة العربية لفترة الحكم العثماني، الذي ترسخ في المناهج الدراسية كحقبة استعمارية استبدادية، تمثلت في مسلسلات دراما تلفزيونية حققت رواجا في العالم العربي عن الاستبداد العثماني. وكل تلك كان على السوريين أن يسحبوها تدريجيا من التداول خلال السنوات الثلاث الماضية، لكنها عادت لتتصدر الشاشات السورية مع بدء تردي العلاقات مع تركيا.

الشارع الذي لم يكن راضيا تماما عن التسرع في الانفتاح على تركيا لم يعد يعبأ بسياسة النظام أيا كان توجهها، بعدما رأى دعما وسندا من أردوغان استحق أن يرفعوا لافتات الشكر له ولتركيا، وأيضا عبارات تهنئة له بالفوز نكاية بالنظام الذي رفع مؤيديه لافتات تدين تركيا ونكاية بسياسة لم تكن في حساباتها مصالح المواطن السوري.