روايات اللاجئين السوريين: شبيحة وقصف عشوائي ونهب للمنازل والمتاجر

عشيرة بكاملها هربت إلى تركيا.. وأحدهم يقول طلبنا هو الحرية

لاجئون سوريون على الحدود التركية داخل الأراضي السورية أمس (أ.ب)
TT

تعددت القصص الإنسانية للاجئين السوريين على الحدود التركية، على اختلاف أبطالها بين ضباط منشقين ومزارعين، واختلفت حالات الهجرة حسب الظروف فكانت جماعية شملت عشائر بأكملها، وفردية أو عائلية.

وحسب «رويترز» كان أحمد ياسين 27 عاما في أرضه الزراعية الواقعة على بعد كيلومترين شرقي جسر الشغور صباح الاثنين الماضي حين وصلت قوة من نحو 200 جندي ورجل يرتدون زيا أسود على متن ناقلات جند مدرعة وفي سيارات وصبوا وقودا على القمح المزروع.

وتابع «حاولت إنقاذ أبقاري الثلاث ولكن لم يكن هناك وقت. أخذت زوجتي وطفلي الاثنين في سيارة وتحركت مباشرة إلى الحدود».

ووصف سائق جرار يدعى أبو أحمد، 55 عاما، ويقيم على بعد خمسة كيلومترات من جسر الشغور عقب وصوله إلى جويتشتشي رحلته قائلا «وصلت الدبابات للقرية وبدأت قصفا عشوائيا فهربنا».

وتابع قائلا «سمعت أن الشبيحة في الجسر ينهبون المنازل والمتاجر، أنا خائف، تنتظر زوجتي وأبنائي على الجانب الآخر من الحدود تحت المطر. ليس لديهم طعام أو مأوى».

وأعلن ناشط حقوقي أن ستة مدنيين قتلوا يوم أمس الثلاثاء في بلدة أريحا القريبة من جسر الشغور شمال غربي سوريا حيث يواصل الجيش عمليات التمشيط. وحسب وكالة الأنباء الفرنسية فإن القوات الموالية للنظام السوري تواصل عملياتها وتمشط البلدات القريبة من جسر الشغور. والاتصالات الهاتفية مقطوعة في البلدة منذ صباح الاثنين الماضي.

وأدت الأحوال الجوية والعواصف الرعدية والأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة على مدى ساعات لتفاقم الأوضاع البائسة التي يعاني منها آلاف من السوريين ينتظرون وسط التلال استعدادا للفرار عبر الحدود في حال تقدمت القوات السورية صوبهم.

وتمكن المجند درويش محمد سيبو 23 عاما، رغم الأوضاع الصعبة من التسلل إلى قرية جويتشتشي الحدودية التركية بعدما هجر موقعه قرب حمص في 14 مايو (أيار) وفر إلى بلدة جسر الشغور الشمالية الغربية قبل أن يدخل تركيا. وفي تصريح لـ«رويترز» وصف سيبو اللحظة التي دفعته للفرار قائلا «كنت على خط المواجهة مع المتظاهرين مسلحا بهراوة ودرع. خلفي كان الشبيحة (وهم مسلحون موالون للرئيس السوري بشار الأسد) والجنود الذين يثقون أكثر في قدرتهم على إطلاق النار.. كانوا مسلحين ببنادق آلية. لا يقبل أي سوري أن يقف في موقفي هذا ويشاهد أبناء وطنه يذبحون». وتابع: «رشوت ضابطا برتبة ملازم لأحصل على إجازة مرضية ولم أعد. هناك كثيرون مثلي، المعنويات متدنية ولا يسمحون لنا بإجازات لزيارة أسرنا». وبدا سيبو وهو يتكئ على سيارة مضطربا ومرتبكا جراء تجربته وعرض لقطات صورها بهاتفه الجوال لشاب ميت أصيب بالرصاص في بطنه. ولم يقتصر اللجوء نحو الحدود التركية على الأفراد فحسب بل قبل قرابة الأسبوع وصلت عشيرة الطيب، أي نحو ثلاثمائة شخص، إلى الحدود التركية هربا من قمع الجيش السوري في جسر الشغور (شمال غرب)، وهم يصبون لعناتهم على الرئيس بشار الأسد المسؤول في نظرهم عن الوضع البائس الذي وقعوا فريسته.

وردا على سؤال وجهته وكالة الأنباء الفرنسية بالقرب من قرية غوفتشي التركية، قالت مسنة غاضبة «لا يوجد مياه ولا طعام، والأولاد يبكون طوال الوقت، فليجازه الله. سمم حتى مياهنا. ماذا فعلنا له؟» في إشارة إلى الرئيس السوري. وروت هذه المرأة وهي تخفي وجهها بمنديل «جئنا جميعنا أي 300 شخص، كل عشيرتنا. جئنا سيرا على الأقدام ونحن نحمل أطفالنا بين أذرعنا وعلى أكتافنا».

ومنذ وصولهم حظي أفراد عشيرة الطيب بمساعدة الفلاحين الذين يعيشون في المنطقة وحصلوا على المياه من آبارهم.

وعلى غرار آلاف النازحين الذين يترددون في العبور إلى تركيا ويتجمعون على طول الحدود، تعود أولادهم أيضا على عبور الأسلاك الشائكة لشراء سلع غذائية من غوفتشي.

لكن النظافة والشروط الصحية بدأت تصبح مشكلة في غياب بيوت خلاء منظمة، والأحوال الجوية التي ظلت رؤوفة بهم حتى الآن انقلبت ضد النازحين مع هبوب عواصف هوجاء الاثنين ومساء الثلاثاء.

وقالت ربة العائلة بانفعال وهي تشير إلى أكواخ شيدت على عجل من الأغصان وإلى الخيم المنصوبة إن «الجميع هنا بلا سقف يقيهم المطر والبرد، أليس ذلك إثما؟».

وإذا كانت العشيرة اختارت العيش في هذا الوضع البائس فليس ذلك من دون سبب. وأكدت «إنهم قتلوا شخصا من عشيرتنا. وقطعوا أصابع آخر».

وأضافت قبل أن تبتعد من دون أن تكشف هويتها «جل ما نريده هو الحصول على حريتنا».

وتكلم أحد رجال العشيرة الذي عرف عن نفسه باسم عبد الكريم، وهو ليس اسمه الحقيقي، ليدعو تركيا إلى المساعدة.

وتساءل «إن لم يساعدنا (رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان)، كيف سنتمكن من العيش في هذه الجبال؟».

وتابع «نأمل أن يساعد طيب أردوغان كل الشعب السوري. إن عددنا هنا 300، مع نساء وأطفال ورضع، ولدينا أيضا معوقون».

وعلى الرغم من الصعوبات اليومية التي يواجهها بالقرب من الحدود، يتردد الرجل في العبور مع عائلته إلى تركيا حيث تؤوي أربعة مخيمات للهلال الأحمر التركي نحو 8500 سوري معظمهم من أهالي جسر الشغور القرية التي تتعرض منذ أيام عدة لحملة قمع مكثفة.

وقال رب العائلة «أتردد (في العبور إلى تركيا). لدينا أراضٍ ومنازل وممتلكات هنا. نأمل أن يسقط هذا السفاح الأسد وأن نتمكن من العودة إلى منازلنا».

وقال احدهم وهو يرتدي قميص فريق لكرة القدم بجدية «لا يوجد أدوية، ولا خبز، ولا طعام. وقد خلدنا للنوم طوال الليل بسبب المطر».

وتتهم الأمم المتحدة دمشق بالتسبب في أزمة إنسانية وتدعوها إلى وقف القمع والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للاجئين والجرحى والمعتقلين. وقد أكدت مسؤولة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة فاليري آموس أن أكثر من عشرة آلاف سوري هربوا من بلادهم بسبب القمع الذي يمارسه نظام الرئيس بشار الأسد للجوء إلى تركيا ولبنان على حد تعبيرها.

وينتمي معظم النازحين الذين دخلوا تركيا عبر قرية جوفيشي التركية إلى مدينتي جسر الشغور ومعرة النعمان اللتين دخلهما الجيش السوري عقب الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

ومن جهتها تقول الحكومة السورية إنها تحاول إعادة الأمن والنظام إلى المنطقة بعد مقتل 120 من رجال الأمن في جسر الشغور على أيدي مسلحين في الأسبوع الماضي، ولكن سكان المنطقة يقولون إن رجال الأمن قتلوا من قبل زملائهم بعد أن أعلنوا العصيان.