انقسام في أوساط علماء اليمن بسبب «ثورة الشباب» و«القيادة الشرعية»

الاختلاف حول الدعوة لتنحي الرئيس والدعوة للالتفاف حوله

الشيخ عبد المجيد الزنداني ومحمد اسماعيل العمراني
TT

أدت التطورات الراهنة في اليمن، إلى انقسام وسط واحدة من أهم الشرائح الاجتماعية المؤثرة في المجتمع اليمني، وهي شريحة «رجال الدين» أو «مشايخ الدين» أو العلماء، وقد تجلى الانقسام في أوساط علماء اليمن، خلال ثورة الشباب التي اندلعت في فبراير (شباط) الماضي للمطالبة بإسقاط النظام وبرحيل الرئيس علي عبد الله صالح عن سدة الحكم.

ومع بداية الثورة كان قسم كبير من العلماء البارزين في الساحة اليمنية وخارج نطاقها أيضا، مثل الشيخ عبد المجيد الزنداني، لم يتخذوا بعد موقفا من التطورات على الساحة، وقاموا بدور الوساطة بين الرئيس صالح وخصومه في المعارضة في تكتل أحزاب «اللقاء المشترك».

غير أن سيناريو الأحداث على أرض الواقع وتسارعها وتصلب مواقف رجال السياسة إزاء المبادرات التي قدمت من العلماء، ومعهم زعماء قبائل بارزين، أفضى إلى نوع من الفرز في أوساط رجال الدين، حيث أعلن الشيخ الزنداني، ومعه قسم كبير من العلماء البارزين في الساحة، تأييدهم لثورة الشباب، وأسسوا كيانا جديدا بديلا لجمعية علماء اليمن، وهو «هيئة علماء المسلمين»، وقد جعل هذا التصرف الزنداني وبعضا ممن معه في مرمى الانتقادات الحكومية، والتلويح في وجهه بورقة دعم الإرهاب؛ حيث يعد ممن أدرجتهم وزارة الخزانة الأميركية على لائحة ممولي الإرهاب في العالم، وكذلك في «القائمة السوداء» للأمم المتحدة، بهذا الخصوص.

وخلال الفترة الماضية، لعبت مواقف علماء اليمن دورا مهما في ترجيح كفة طرف من الأطراف، لكن الصوت الأبرز والأكثر سمعا وتأثيرا، كما يرى المراقبون، هو للعلماء المناوئين لنظام الرئيس صالح.

وقبل بضعة أيام، فقط، أصدر 110 من علماء اليمن بيانا تحت توقيعهم، أبرز ما تضمنه مطالبتهم لصالح بالتنحي عن السلطة، لأنه بات «غير قادر شرعا» على إدارة شؤون البلاد، وطالبوا في بيانهم، وفي مقدمتهم الشيخ محمد إسماعيل العمراني والشيخ عبد المجيد الزنداني، بتشكيل حكومة مؤقتة وانتقالية لتدير شؤون البلاد، وللتحضير لإجراء انتخابات رئاسية، وكذا طالبوا بحزمة من الإصلاحات التشريعية والسياسية، آخذين في اعتبارهم أن الفريق عبد ربه منصور هادي بات هو «الرئيس بالإنابة»، في إشارة واضحة إلى عدم قدرة صالح على إدارة البلاد جراء الأضرار الصحية والجسدية التي أصيب بها في التفجير الغامض الذي استهدف جامع النهدين في قصر الرئاسة بصنعاء وأصيب فيه، أيضا، عدد غير قليل من كبار رجال الدولة اليمنية. ويوم أمس، صدر بيان مضاد للبيان المشار إليه، حيث دعت جمعية علماء اليمن (رسمية)، اليمنيين إلى «الالتفاف حول القيادة السياسية الشرعية»، وقال البيان، الذي بثته وسائل الإعلام الرسمية في مقدمة النشرات والأخبار، إن الجمعية تدعو «جميع أبناء الوطن وفي مقدمتهم كافة علماء اليمن إلى الالتفاف حول القيادة السياسية الشرعية، ممثلة بفخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، رئيس الجمهورية، حفظه الله وعافاه وأعاده إلى وطنه وأهله ومحبيه سليما معافى، هو ومن معه من رجال الدولة، لا سيما في الظروف الراهنة التي بلغ الاستهداف فيها لشخص رئيس الجمهورية ومن بجانبه من رجال الدولة أثناء أدائهم شعيرة من شعائر الله في بيت من بيوت الله في ساعة فضيلة في يوم فضيل في شهر من أشهر الله الحرام، شفاهم الله جميعا».

كما دعت كافة أبناء الوطن إلى «عدم الانجرار وراء الدعوات الضيقة الصادرة من بعض العلماء الذين غلبت على علمهم النظرة الحزبية الضيقة، فانبروا يدعون المواطنين وأفراد القوات المسلحة والأمن إلى التمرد على ولي الأمر والخروج على النظام والشرع والقانون دون مبرر شرعي أو مستند فقهي إلا اتباع الهوى والترويج لفكرهم الحزبي، الذي انحدر ببعضهم إلى انتحال صفات ومسميات لم يصدر بها قانون ولا تصريح من جهة رسمية، بل وإلى افتراءات كاذبة حول صحة فخامة رئيس الجمهورية رجما بالغيب».

ويصف الشيخ جبري إبراهيم، مدير عام الوعظ والإرشاد في ديوان عام وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية، تباين مواقف علماء الدين في اليمن إزاء التطورات الراهنة بأنه «انشقاق» في أوساط العلماء لأسباب سياسية وليست دينية، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن المخول للحديث باسم علماء اليمن، هو جمعية علماء اليمن «المعروفة والشرعية، التي هي ذات عمر طويل في هذا المجال وقد صدرت بها قوانين ولها لوائح خاصة بها»، أما هيئة علماء المسلمين «فلم نسمع بلوائحها وكيف تأسست ومن أسسها، وإنما أنشئت الآن في ظل هذه الاعتصامات». ويضيف إبراهيم أن الأشخاص الموجودين حاليا في هيئة علماء المسلمين باليمن «كانت أسماؤهم ضد جمعية علماء اليمن، وهذا يعني أنهم انشقوا عن الجمعية التي تضم علماء اليمن في طول وعرض الساحة اليمنية»، كما يرى أن أسماء العلماء الموجودين في الهيئة مقارنة بمن هم في الجمعية «نسبة ضئيلة جدا»، ولا ينفي وجود أسماء بارزة في الهيئة «البعض وليس كل الأسماء».

ووصف إبراهيم، وهو من العلماء الذين يؤيدون ولي الأمر وله حضور في الساحة اليمنية، وضع أسماء بعض العلماء الكبار على بيانات هيئة العلماء المناوئة للنظام، بأنه «نوع من التدليس»، ويردف لـ«الشرق الأوسط» أن «الانقسام سياسي وليس انقساما دينيا، فالسياسيون لا يتورعون عن أن ينسبوا إلى أي إنسان ما لم يفعله». ويعتبر مدير الوعظ والإرشاد في اليمن ما يصدر عن العلماء أنه «بيانات» و«ليست فتاوى»، لأن «الفتوى ينبغي أن يكون لها أهلها»، ويعتقد أنه «كلما كان العلماء بعيدين عن الحزبية والتأثير السياسي، كان ذلك أفضل».