الأسد يطرح طريقا للتغيير في سوريا.. لكن دون ذكر خطوات محددة

حتى إن كان جادا حقا.. يبقى السؤال: مع من سيتحاور؟

سوري يرفع علم بلاده قبالة حشد من آلاف المتظاهرين المؤيدين للنظام الذين احتشدوا امس في إحدى ساحات دمشق تأييدا للاصلاحات التي اعلنها الرئيس بشار الأسد أول من أمس (أ.ب)
TT

في خطابه الأول خلال شهرين، اقترح الرئيس السوري بشار الأسد، يوم الاثنين، إجراء حوار وطني قال إنه يمكن أن يدشن التغيير داخل دولة يسيطر حزبه وعائلته على مقاليد الأمور داخلها منذ 4 عقود. لكن هذا المقترح قوبل بشكوك كبيرة، وقال بعض من كانوا متعاطفين مع القيادة إنهم يشكون في أن الأسد مستعد بالفعل ليقدم تنازلا عن السلطة المطلقة، على الأقل في الوقت الحالي.

لكن بينما تواجه البلاد أكبر أزمة خلال أعوام، لا يزال ثمة سؤال يطرح نفسه: لو كانت الحكومة جادة حقا، مع من ستتحدث؟

المعارضة في الخارج، التي ليس لها زعماء أو برامج محددة لكنها سعت إلى عقد اجتماعات في تركيا وأوروبا، استبعدت التواصل مع الحكومة. ويخاف الظهور الكثير من النشطاء ممن زعموا الحديث باسم من في شوارع هزتها احتجاجات استمرت على مدار أعوام. وحتى شخصيات معارضة في دمشق تحدثوا مع مسؤولين قالوا مؤخرا إنهم لن يحضروا الحوار الذي حدده الأسد ما لم تنهِ القوات الأمنية إجراءاتها القمعية.

وقد أشارت الحكومة، التي طالما سوت بين أي معارضة وأعمال فتنة، إلى أنها ربما تختار من ستتحدث إليهم، وذكر الأسد احتمال (مشاركة) أكثر من 100 شخص، على الرغم من أن الحكومة لم تذكر من قد يكونون.

وبدأ هذا الشقاق يظهر انتقادا وجهه الكثير من النشطاء المعارضين يوم الاثنين، مفاده أن المقترح محاولة لكسب الوقت في دولة ربما استنفدت وقتها.

ويقول لؤي حسين، وهو معارض في دمشق: «لم يتمكن الشارع من كسر عظام السلطة، ولم تتمكن السلطات من كسر عظام الشارع. نحن نمر بفترة مستعصية قبل الأزمة».

وتحدث دبلوماسيون وشخصيات معارضة بنبرة أكثر تشاؤما عما قد ينتظر سوريا: ربما دولة فاشلة أو نزاع طائفي بسبب التنوع المتقلب المحتمل داخل سوريا. وبينما أشاروا إلى أن الاحتجاجات ما زالت سلمية بدرجة كبيرة، اعترف مسؤولون أميركيون بأن تمردا مسلحا قد أخذ يتشكل. وعلى الرغم من وعود قدمت لدبلوماسيين، لا يزال مسؤولون سوريون يشرفون على إجراءات قمعية شنيعة تسببت في مقتل أكثر من 1400 شخص، بحسب ما تفيد به إحصاءات نشطاء. وحذرت شخصية معارضة من احتمالية حدوث «حرب أهلية».

وعلى مدار أيام كان هناك ترقب لخطاب الأسد على أمل أن يقدم إطلالة مهمة على مدى استعداد القيادة للتسوية في مقابل انتفاضة وضغوط متزايدة من جانب تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وعرض الأسد على الأقل طريقا نظريا للتغيير، حتى لو كان الخطاب يفتقر إلى سمات محددة وقدم نوعا من المواعيد النهائية المبهمة.

وقد كانت بعض التغييرات التي رسمها يوم الاثنين مطروحة على الطاولة منذ 2005، بما في ذلك قانون جديد يفترض أن يسمح بتشكيل أحزاب غير حزب البعث، الذي هو أداة سلطة الأسد. وتحدث أيضا عن لجنة لدراسة تعديل الدستور أو تشكيل دستور جديد. وقال الأسد: «إن هذا الحوار عملية مهمة جدا ويجب أن نعطيه فرصة لأن كل مستقبل سوريا إذا أردناه أن ينجح فيجب أن يبنى على هذا الحوار الذي يشارك فيه مختلف الأطياف الموجودة على الساحة السورية».

وفي بعض الجوانب، يبدو أن الخطاب يشير إلى اتجاه مختلف في رسالة الحكومة المستخدمة منذ وقت طويل. وقد استخدمت الحكومة، على مدار أسابيع كثيرة، رسالة اتسمت بها سنواتها الكثيرة في الحكم ومفادها: إما نحن وإما الفوضى. وظهر الأسد يوم الاثنين ليعرض نفسه كأفضل وسيلة لإحداث التغيير بإحدى أكثر الدول استبدادا في المنطقة. وبدلا من رسالة «إما نحن وإما الفوضى»، كانت رسالته مفادها أنه الوحيد القادر على إحداث هذا التغيير.

لقد كانت الاستجابة في الشارع مفاجئة على الرغم من أنه كان من الصعب قياس حجم المظاهرات. وذكر نشطاء أن الناس هتفوا في مدينة اللاذقية الساحلية، واصفين إياه بـأنه «كذاب». وتساءل وسام طريف، المدير التنفيذي بمنظمة «إنسان لحقوق الإنسان»: «هل هم قادرون على الانفتاح؟ وحتى إذا قرر بشار ذلك، فإلى أي مدى يمكن أن يستجيب النظام لهذه المطالب؟».

وتوجد في سوريا، منذ وقت طويل، معارضة، وإن كانت غير منظمة، فقد استطاعت أن تتغلب على قمع الحكومة المستمر، بدءا من حزب العمل الشيوعي وحتى جماعة الإخوان المسلمين، التي بلغ صراعها مع الحكومة ذروته في هجوم على مدينة حماه عام 1982 قتل خلاله الجيش 10 آلاف شخص أو ما يزيد على ذلك بكثير. كما أصرت مجموعة من الشخصيات، وكانت أصوات منفردة، في بعض الأحيان، على التحدث علانية، على الرغم من أن معارضتهم غالبا ما كانت تزج بهم طويلا في السجن.

وذكر مسؤولون سوريون أن الحوار صادق. وقال عماد مصطفى، السفير السوري لدى واشنطن: «نؤمن أن هذا هو السبيل الوحيد لتقدم سوريا».

وفي خطوة نادرا ما تحدث، سمحت الحكومة للشخصيات والأحزاب المعارضة بأن تنظم مؤتمرات لها في دمشق، على الرغم من أن حداثة الفكرة زادت من صعوبة الأمر؛ حيث ذكر الكثير من شخصيات المعارضة أنه ما من فندق كان مستعدا لاستضافة اجتماعاتهم، حتى الآن.

وقد ذكرت شخصيات معارضة في سوريا، مثل حسين وعارف دليلة وميشيل كيلو، أن معارضين للحكومة ليس لهم انتماءات محددة خططوا للاجتماع في العاصمة يوم الاثنين، في محاولة لصياغة برنامج، على الأقل، للمفاوضات مع قيادات الأسد. كما ذكر كيلو وحسين أنهما لن يشاركا في الحوار مع الحكومة من دون وقف أعمال القمع، التي انتشر في إطارها الجيش بجميع أنحاء سوريا. كما تنظم الكثير من الأحزاب التقليدية، من التي لها ميول علمانية إلى الجماعات الكردية، اجتماعا منفصلا وتأمل أن يكون هناك برنامج بنهاية هذا الأسبوع.

وذكر أحد القادة الأكراد، الذي يساعد في تنظيم الجهود، طالبا عدم ذكر اسمه: «لا نستطيع أن ننتظر، ولا نأخذ قرارا مع كل ما يحدث في الشارع السوري. ويجب ألا ننتظر حتى يأخذ النظام خطوة. علينا أن نحمي بلدنا».

وهذه المجموعات مستعدة لإجراء محادثات مع الحكومة من حيث المبدأ على الرغم من أن بعضهم اعترف بأنه ليس لديهم نفوذ كبير في الشارع، كما أن هناك احتمالا بأن يتم تهميشهم مع ضغط المظاهرات لتحقيق مطالب أكثر أهمية.

وفي الأسابيع الماضية، سعى المحتجون أنفسهم إلى التعبير عن مطالبهم من خلال لجان التنسيق المحلية التي أصدرت بيانا لها يوم الاثنين. وذكروا أن دعوة الأسد للحوار هي «محاولة لكسب مزيد من الوقت على حساب التضحيات والدماء السورية» ورفضوا التفاوض ما لم يكن الهدف إنهاء حكم الأسد.

وقد اجتمعت المعارضة الخارجية في تركيا وبلجيكا هذا الشهر. وفي الاجتماع في أنطاليا، بتركيا، الذي ضم نحو 300 مندوب بمن فيهم الإخوان المسلمون وزعماء العشائر، طالب المشاركون بتنحي الأسد في الحال ودعوا أيضا إلى انتخابات حرة.

وذكر برهان غليون، وهو أكاديمي سوري في باريس: «كان يجب أن تترفع الشخصيات المعارضة عن تفاهتهم وتعقيداتهم وحساسياتهم منذ وقت طويل، ليشكلوا جبهة موحدة ضد النظام». وأضاف غليون أنه على الرغم من أنهم عاشوا تحت الأرض على مدار نحو نصف قرن فإنهم «مسؤولون جزئيا عما يحدث، وقد خذلوا الانتفاضة حتى الآن». وقد أطلق على لجنة التنسيق المدنية أنها «مستقبل المعارضة».

* خدمة «نيويورك تايمز»