الانتهاء من ترميم البنتاغون بعد مرور 17 عاما

تكلفته 4.5 مليار دولار ويعتبر أحد أهم الأعمال الهندسية في التاريخ الأميركي

لقطة لمقر البنتاغون خلال اعادة ترميمه («واشنطن بوست»)
TT

رفعت آخر حواجز البناء، واختفى صوت المطارق الهوائية، وعادت آخر مجموعة من الموظفين إلى أماكنها.

لقد تمت مهمة ترميم البنتاغون بعد مرور سبعة عشر عاما على بدئها. ومع أنه ما زال هناك القليل من الأشياء البسيطة، فإنه لم يبق غير مراجعة الأوراق لوضع النهاية لبرنامج بلغت تكلفته 4.5 مليار دولار. كان يعد ذلك مشروع إعادة البناء الأكبر في العالم عندما بدأ العمل.

استغرق بناء المبنى سبعة عشر شهرا فقط خلال الحرب العالمية الثانية، ولا يزال أحد أهم الأعمال الهندسية في التاريخ الأميركية.

ولكن استغرقت عملية ترميم البنتاغون فترة طويلة للغاية لدرجة أن مرور الوقت ترك أثرا على أول أجزاء اكتمل بناؤها، ويجري بالفعل تطوير بعض المعدات؛ من بينها أجهزة إنذار بالحرائق ونظم ميكانيكية وكهربائية.

ويعتبر تجديد الموقع الممتد على 29 فدانا ومساحته 6.5 مليون قدم مربع عملا نجاحا داخل القطاع، ولذا تركت تقنيات «التصميم والبناء» بصمتها على مشاريع فيدرالية أخرى، من بينها عملية إعادة بناء سدود من جانب فرقة المهندسين التابعة للجيش الأميركي في نيو أورليانز، بالإضافة إلى عملية بناء منشأة بحثية جديدة لصالح المعمل الوطني للطاقة المتجددة داخل كولورادو.

ولكن ما السبب الذي جعل عملية الترميم تستغرق هذا الوقت الطويل؟

توجد إجابة عن هذا التساؤل لدى لي إيفي، الذي أشرف على المشروع على مدار خمسة أعوام من بين السبعة عشر عاما (من بينها الفترة التي تلت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2011): «لقد فككنا المبنى وجمعناه مرة أخرى، مع وجود 20.000 شخص داخله.» وكان يتحتم هدم المبنى وإبقاء الأعمدة الخراسانية وإعادة بنائه بدءا من الأرضيات حتى السقف، مع استمرار العمل داخله كمقر لوزارة الدفاع على مدار اليوم وطوال أيام العام. وتحتم إعادة هيكلة المبنى بالكامل ليتناسب مع متطلبات التقنيات والاتصالات الحديثة، علما بأنه بني في وقت كانت تستخدم فيه آلات الكتابة اليدوية. وأظهرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي وقعت خلال عمليات الترميم، أوجه قصور مهمة في ما يتعلق بأمن المبنى.

وقام العمال بتركيب حاملات كابلات تمتد لمسافة 177 ميلا لتحمل الأسلاك عبر المبنى. ويقول إيفي: «يشبه الأمر تفكيك تلفزيون أبيض وأسود، ثم بعد ذلك تجميعه من جديد ليكون بالألوان، من دون إضاعة أي من برامجك المفضلة.» وفي الواقع، يشعر المخضرمون، الذين اعتادوا الصعود على السلالم، بالدهشة عندما يرون مصاعد تتسع لـ70 راكبا في البنتاغون الجديد.

وقد اختفت كافيتريات كان يوجد فيها مطبخ به آنية كبيرة الحجم، وحلت محلها ردهة طعام مفتوحة من طابقين من الحديد مقاوم للصدأ وزجاج وأرضيتها من الرخام. وأعيد بناء مكان بيع الـ«هوت دوغ» في وسط الفناء، ويعرف حاليا باسم «سنتر كورت كافيه»، ويقدم بانيني وقوسدليس.

ويقول شعار برنامج الترميم إن البنتاغون «بُني لخمسين عاما مقبلة»، ولكن يعترف مسؤولون بأنه من الصعب التنبؤ بكل الاحتياجات التقنية المستقبلية.

وفي ذروة عملية الترميم - خلال مشروع «العنقاء» بعد الهجمات الإرهابية - كان هناك أكثر من 3500 عامل يشاركون في العمل. وعمل ما يقرب من 15.000 شخص في البرنامج على مدار الأعوام.

والآن لم تبق غير مجموعة صغيرة تنهي مراجعة الأوراق.

ومن المقرر أن يتم تكريم العمال والمتعهدين في احتفالية تقام الأربعاء، كما أنه من المقرر إقامة احتفالا يقص فيه الشريط الأحمر خلال فصل الصيف من العام الحالي.

ويقول مايك دايغلر، وهو قائد إحدى المجموعات التي عملت في البرنامج منذ البداية: «الحالة المزاجية هنا في الوقت الحالي مختلطة بعض الشيء، حيث امتزج الإحساس الرائع بالإنجاز بمشاهدة الكثير من الأفراد يرحلون.» وتنتهي عملية الترميم بهدوء شديد لدرجة أن موظفين كثيرين في البنتاغون لا يشعرون بذلك. لم يكن هناك كثير من الهرج عندما عادت آخر مجموعة من الموظفين رُحِّلت لمكان آخر في أواخر أبريل (نيسان). ويقول ساجيل أحمد، المدير الحالي لمشروع الترميم: «بدا الأمر وكأن لا شيء يحدث.» وداخل مركز عمليات الطوارئ المتكاملة في البنتاغون في صباح أحد الأيام القريبة، تابع عمال جالسون على مكاتب أجهزة استشعار تمسح المبنى والأماكن المحيط بحثا عن أي علامات على هجوم إشعاعي أو بيولوجي أو كيميائي. وكانت الشاشات الموجودة على الحوائط تنقل صورا من 500 كاميرا أمنية تدور في أماكن إيواء السيارات والردهات والمداخل. وكانت إحدى الشاشات تظهر حال كل جهاز إنذار حرائق موجود داخل المبنى.

ويعد ذلك مختلفا بدرجة كبيرة عما اكتشفه ستيف كارتر عندما تقاعد من البحرية وأخذ وظيفة في ورشة الصيانة داخل البنتاغون عام 1984. وعلم كارتر أن مكتب مدير المبنى ليس به جهاز كومبيوتر واحد، على الرغم من أنه كان يتوقع أن يجد تقنية متقدمة. ولم يكن هناك سوى عدد قليل من أجهزة رش المياه لإطفاء الحرائق داخل المبنى.

ولم يكن البنتاغون قد حقق قواعد قانون الكهرباء الوطني منذ 1953. وكان المبنى يعاني من انقطاع الكهرباء ما بين 20 - 30 مرة يوميا في المتوسط. وكانت الردهات قذرة ومظلمة، وكان المصعد الذي يستوعب راكبا واحدا مخصصا لوزير الدفاع.

ومع ذلك، مضت أعوام كي يقنع مستشارو البناء قيادة وزارة الدفاع والكونغرس بالموافقة على عملية الترميم. وأخذ الرئيس كارتر، ديفيد كوك، العمدة غير الرسمي الأسطوري للبنتاغون، إدارة المبنى في عام 1990 من إدارة الخدمات العامة، التي تجاهلت صيانته على مدار عقود.

جمع كارتر «لوحة رعب»، ثبت عليها ماسورة علاها الصدأ وسلك قديم وقطع من الإسبستوس وأخذها إلى مكاتب داخل «كابيتول هيل». وعندما استمرت المعارضة، أخذ كارتر مسؤولين بارزين في ما وصفها «جولات داخل أماكن منفرة» في أعماق البنتاغون، وعرض عليهم الأرضيات الغائرة والأنابيب التي تسرب المياه. وفي النهاية حصل على موافقة في عام 1993، مع القيام بعملية الترميم على مدار 14 عاما لتوزيع التكاليف وتقليل الارتباك.

وبدأ العمل في الدور السفلي خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1994، ولكنه لم يمض على ما يرام.

وكان مسؤولون بارزون داخل البنتاغون يشعرون بالضيق من الاهتزازات والضوضاء المستمرة، وهددوا بوقف العمل في المشروع. وكانت خطوط صرف جديدة تغطيها الخرسانة تسرب المياه، وكانت تجاوزات التكلفة تلتهم الميزانية بالكامل.

وتولى إيفي المشروع في عام 1997، وأنشأ تقنيات تصميم وبناء عمل في إطارها المتعهدون والمصممون كفريق واحد بدلا من أن يكونوا متنافسين. وحدد العمل بدقة كما لو كانت حملة عسكرية، وقسم المبنى إلى خمسة أقسام يجري ترميمها الواحد بعد الآخر.

ومع تقدم العمل نقل الموظفون إلى خارج المبنى، وبعد ذلك إلى مساحات جرى تجديدها. وفي بعض الأحيان كان الناس يرفضون الذهاب، وكان الحل في قطع الكهرباء. وفي أحيان أخرى كان صوت المطارق على السقف عنصرا مساعدا في تحقيق المراد. وفي حالات أخرى متطرفة، كانت هناك تحذيرات من جسيمات الإسبستوس في الهواء.

وبمجرد إخلاء المكان، كان يتم إخراج كل الأشياء المتبقية منه. ونقلت للخارج أطنان من النفايات، بما في ذلك إسبستوس يملأ 70.000 ياردة مكعبة. واستبدلت كافة النظم الميكانيكية. وبعد ذلك أعيد بناء المكاتب وفق قواعد حديثة.

وكانت أول مرحلة قد استكملت للتو في سبتمبر 2001، عندما أخذ إرهابيون طائرة «أميركان إير لاينز» المختطفة ليصدموها بالحائط الغربي من البنتاغون، ويقتلوا 125 شخصا داخل المبنى و59 راكبا وأفراد الطاقم. وصدمت الطائرة القسم الذي رمم أخيرا، وكانت فيه نوافذ مضادة للتفجيرات ودعامات وأجهزة إطفاء الحرائق. وساعد ذلك على إنقاذ بعض الأرواح، لا سيما أن الكثير من المكاتب المدمرة كانت خالية من الناس.

وبعد الهجوم بدأ برنامج الترميم مشروع «العنقاء»، وهو سباق من أجل إعادة بناء الأجزاء المدمرة من المبنى خلال عام. وبحلول العام الأول، كان الموظفون يعودون إلى مكاتبهم في الجزء الذي ضربته الطائرة.

ووسعت عملية الترميم لتتعامل مع أوجه قصور أظهرها الهجوم. وفي مركز عمليات الطوارئ، على سبيل المثال، يمكن لعمال المبنى إغلاق صمامات المياه من أجهزة كومبيوتر واتخذت تدابير احترازية لمواجهة الظروف التي عطلت المبنى بعد الهجوم.

وعلى الرغم من أن جزءا كبيرا من البناء نفذ من جديد مرة أخرى، فإن الهجوم رفع من وتيرة عملية الترميم في المجمل. وكان مقررا في البداية أن ينتهي المشروع بحلول 2007، ولكن في عام 1999 غير الموعد بعام 2014. وبعد الهجوم رفع الكونغرس التمويل حتى ينتهي المشروع بحلول 2011.

وفي الأغلب، يعد «البنتاغون التراث»، مثلما يطلق عليه حاليا، مجرد ذكرى. وبعيدا عن الواجهة الخراسانية والكلسية، لا يبقى سوى قدر قليل للغاية من المبنى الأصلي. وفي اللحظة الأخيرة، أبقى مسؤولون على قسم مساحته 1600 قدم مربع ليعرضوا على الزائرين الديكور المميز للبنتاغون إبان حقبة الحرب العالمية الثانية.

ويقول أحمد، مدير عمليات الترميم: «انتهى البرنامج قبل الموعد المحدد وبتكلفة أقل. واستمر علمنا مع تغيير المهمات ورغم الحربين الدائرتين.»

* خدمة «واشنطن بوست» ــ خاص بـ«الشرق الأوسط»