اعتقال نائب وزير الخارجية الإيراني بعد استقالته

حلفاء نجاد السابقون يبتعدون عنه

محمد شريف مالك زادة يلقي كلمة من أمام صورة لآية الله الخميني في طهران (أ.ب)
TT

لم تمض على استقالة محمد شريف مالك زادة، نائب وزير الخارجية، وأحد مساعدي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المقربين، من منصبه، الذي استمر فيه ثلاثة أيام بعد تعيينه من قبل وزير الخارجية، علي أكبر صالحي، سوى يوم واحد، حتى سارعت السلطات القضائية إلى اعتقاله صباح أمس، كما أوردت وكالة الأنباء الألمانية نقلا عن وكالة أنباء «فارس» الإيرانية. وبذلك يكون خصوم أحمدي نجاد من المحافظين ورجال الدين والموالين للمرشد الأعلى قد تقدموا خطوة أخرى في المعركة الدائرة لتقليص نفوذ نجاد وتشديد عزلته. وهي المعركة المرشحة للتصاعد حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة في مارس (آذار) 2012، كما يتوقع كثيرون، حيث يكون المزيد من أتباع نجاد والمقربين منه قد تساقطوا في الطريق إلى الانتخابات، كما يأملون.

وكان مالك زادة، نائب الوزير للشؤون المالية والإدارية، قد اتهم من جانب العديد من نواب البرلمان بالفساد. وحذر البرلمان الإيراني، أول من أمس، وزير الخارجية، علي أكبر صالحي، من استمرار مالك زادة في منصبه بمواجهة الإقالة أو الاتهام بالتقصير في أداء عمله. وقد أذعن صالحي لتهديدات البرلمان وتخلى عن مالك الذي سارع إلى تقديم استقالته في اليوم نفسه، وطوى البرلمان تحذيره للوزير.

ومالك زادة، مساعد مقرب لأحمدي نجاد ورئيس فريق العاملين التابع للرئيس ولكبير مستشاريه إسفانديار رحيم مشائي، وكلاهما متهم بأنه ضمن «التيار المنحرف»، وهو مصطلح محلي يستخدمه المحافظون ورجال الدين في إيران، في الإشارة إلى العديد من المساعدين المقربين من نجاد المتهم بمحاولة تقويض النظام الإسلامي الحاكم في إيران. ومنذ أبريل (نيسان) تفاقمت معركة علنية غير مألوفة بين الرجلين اللذين طالما اعتبرا صديقين روحيين فكريا، أحمدي نجاد والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وتم إغلاق مواقع إلكترونية مناصرة للرئيس الإيراني، وشوش مقاطعون على خطاباته في ذكرى رحيل مؤسس الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني. ويعتقد أن جزءا كبيرا من الخلاف سببه أسفنديار رحيم مشائي، رئيس طاقم أحمدي نجاد والمدير السابق لمؤسسة السياحة والتراث الثقافي، التي توصف غالبا في الصحافة الإيرانية بأنها واجهة للفساد.

وقد ابتعد الكثير من الحلفاء السابقين المحافظين من بين رجال الدين وداخل البرلمان والجيش عن الرئيس الإيراني، وأعربوا عن ولائهم لآية الله خامنئي فيما وصفت الدائرة الرئاسية بأنها «تيار منحرف». ويتسق هذا الصراع، في جوهره، مع نمط سياسي رئاسي مثل مشكلة داخل الجمهورية الإسلامية منذ ثورة عام 1979. ويسمح النظام بوجود رئيسين، أحدهما إلهي، والآخر ديمقراطي. ويحوز الزعيم الروحي، آية الله خامنئي، معظم مقاليد السلطة ويسيطر على الجيش والقضاء والخدمات الإذاعية الحكومية. كما أن الزعيم الروحي مستمر، فيما يشغل الرؤساء المنتخبون مناصبهم لثمانية أعوام كحد أقصى. وبصورة تدريجية اختفى أسلاف أحمدي نجاد – علي أكبر هاشمي ورافسنجاني ومحمد خاتمي، الذي تصادم أيضا مع المرشد الأعلى حول السلطات.

ويرغب أحمدي نجاد في تجنب مصيرهما، ولذا بدأ المواجهة الحالية، وذلك بحسب ما يقوله خبراء في الشأن الإيراني.

ونقل تقرير لنيويورك تايمز عن مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية بالقاهرة: «اللعبة التي يلعبونها حاليا هي أن أحمدي نجاد يحاول أن يناور سياسيا ليكسب المزيد من السلطة، فيما يحاول خامنئي احتواءه. يعد ذلك صراعا الدافع وراءه السياسة والاقتصاد، ويقدمه البعض كصراع روحي آيديولوجي».

وقد بدأ الأمر في أبريل (نيسان) عندما حاول أحمدي نجاد أن يقيل حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات، وأمر المرشد الأعلى بإعادته إلى منصبه. وعبر أحمدي نجاد عن غضبه ببقائه داخل منزله 11 يوما، ولم يعد إلا بعد أن أشار المرشد الأعلى إلى أن الرئيس، أيضا، يمكن أن يستبدل. يشار إلى أن أحمدي نجاد انتخب مرتين، من خلال المنظومة السياسية لآية الله علي خامنئي، ولكنه أراد أن يبني منظومته الخاصة أن يوجد مصدر للتمويل، منفصل عن شبكة الاستخبارات الموالية للمرشد الأعلى، ليختار مرشحين في الانتخابات البرلمانية عام 2012، والأكثر أهمية، في السباق الرئاسي عام 2013، بحسب ما ذكره خبراء في الشأن الإيراني. وفي أحيان كثيرة يطلق على مشائي المرشح المحتمل، على الرغم من أنه يعترض على ذلك، ولكنه وأحمدي نجاد مشتبه في مساعدتهما في الترخيص لمصارف خاصة ونقل عقود حكومية بعيدا عن الحرس الثوري، الموالي للمرشد الأعلى، من أجل تمويل أهدافهما السياسية الخاصة، بحسب ما يقوله مهدي خلجي، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

ومن خلال معارضة المرشد الأعلى صراحة في أبريل، أثار أحمدي نجاد الكثير من الإيرانيين ودفعهم للتحول ضده. ومنذ ذلك الحين، دخل في مناوشات حول كل تعيين بمجلس الوزراء، بما في ذلك وزير النفط ووزير الرياضة ووزير الخارجية ونائب وزير الخارجية. واستمر محمد شريف ملك زاده، نائب وزير الخارجية لثلاثة أيام بالكاد، قبل أن يستقيل وسط حالة من اللغط. وفي أواخر مايو (أيار)، صوت البرلمان على التحقيق في عملية شراء أصوات من جانب حكومة أحمدي نجاد خلال انتخابات 2009، التي قال بعض المشرعين إنها تضمنت 80 دولارا لكل فرد من ضمن 9 ملايين صوت. وتم تجاهل حقيقة أن الحركة الخضراء المطالبة بالديمقراطية ذكرت اتهامات بحدوث تزوير على نطاق واسع.

ويشتكي حلفاء سابقون داخل البرلمان مثل روح الله حسينيان حاليا من أن أحمدي نجاد نشر «الإحباط والحيرة بين أتباع المرشد الأعلى». وفي معرض صياغة تصور لدولة إيرانية تقل فيها سيطرة رجال الدين، أثار أحمدي نجاد القومية الإيرانية وذكر بفارس ما قبل الإسلام، وقال إن المسلمين الشيعة لا يحتاجون لرجال الدين ليتواصلوا مع الإمام الغائب، الذي يتوقع أحمدي نجاد أنه سيعود قريبا. وبعد ذلك هناك قضية الجن، حيث ألقي القبض على الكثير من المساعدين على مدار الأسابيع الأخيرة واتهموا باستحضار الجن، أو بعض الأرواح، وممارسة فنون سوداء أخرى. وقال فالي ناصر، مؤلف كتاب «إحياء الشيعة»: «لا يحبون إشاراته بأنه وحده قريب من الإمام الغائب - الإيحاء بأنه في وضع مميز يمثل مشكلة من الناحية الدينية. ولا يحبون عقيدته في الخلاص، ولا يحبون إقحام نفسه في قضايا دينية، ويرون نهجه الشيعي مصدر تهديد».