النظام السوري يقوم بحملة علاقات عامة.. مع وصول مراسلين أجانب إلى دمشق

نظم لهم رحلات إلى مناطق التوتر.. ومعارضون شككوا في نوايا السلطات وأهدافها

عائلات سورية تقوم بالتجول في احد معسكرات اللجوء على الجانب التركي (رويترز)
TT

مع وصول صحافيين ومراسلين أجانب إلى العاصمة السورية لأول مرة منذ انطلاقة الثورة، يحاول النظام السوري متابعة تحركات الفريق الإعلامي الأجنبي وهم من: «سكاي نيوز»، «سي إن إن»، «صنداي تايمز»، و«نيويورك تايمز»، وتنظيم رحلات لهم إلى بعض المناطق المتوترة تحت رقابة لصيقة.

وتم تنظيم رحلات لبعض المراسلين المعتمدين في دمشق إلى منطقة جسر الشغور، شمال غربي البلاد، لتغطية حدث الكشف عن مقبرة جماعية، قالت السلطات: إن الجثث التي عثر عليها تعود لعناصر من الأمن، قام مسلحون بقتلهم. يُشار إلى أن اختيار المراسلين تم بعناية، ليكونوا إلى جانب مراسلي وسائل الإعلام المحلية، في نقل كل ما يدعم الرواية الرسمية للأحداث هناك. وتنظيم زيارات لمراسلين أجانب جاءت ضمن هذا السياق؛ إذ كتب رامي، أحد الناشطين والمشاركين في المظاهرات في ريف دمشق، أنه شاهد تقريرا على إحدى الشاشات المحلية عن زيارة صحافيين أجانب لسوريا، مضيفا: «هناك من كان يرافقهم ويأخذهم إلى الأماكن السياحية في سوق الحميدية وغيرها من المناطق»، وقلل من قدرة هؤلاء على «رؤية ما لا يريد النظام أن يروه في سوريا».

وبدا الأمر غريبا وأثار الكثير من التساؤلات؛ إذ كيف يسمح النظام فجأة بزيارة الإعلام الأجنبي بعد منع لأكثر من 3 أشهر؟ إلا أن مصادر إعلامية سربت لإحدى صفحات المعارضة على موقع «فيس بوك» أن النظام السوري يستعين بإعلاميين من حلفائه في دولة شقيقة، وبشركة علاقات عامة وإعلام لترتيب دخول بعض الصحافيين من وسائل إعلام دولية، يتم اختيارها بدقة وبالتنسيق مع المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري وأحد الأجهزة الأمنية؛ حيث يتم الإشراف على تحركاتهم داخل البلاد والأشخاص الممكن أن يلتقوهم. في محاولة لتفنيد الاتهام بأن النظام لا يسمح بدخول الصحافيين.

غير أن بعض الصحافيين لم يكتفِ بما رآه في سوريا، واستكمل قصته من الجانب الآخر للحدود، أي من الجانب التركي، حيث يقيم نحو 11 ألف لاجئ سوري نزح من منطقة جسر الشغور.

يُشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تستعين فيها السلطات السورية بإعلاميين من دولة مجاورة للترويج لدعايتها السياسية في الغرب، ففي عام 2007 تم تكليف شخصية لبنانية إعلامية وسياسية بقيادة حملة العلاقات العامة والإعلام التي واكبت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى فرنسا. وتم ترتيب مجمل المقابلات التي أجراها الرئيس الأسد مع وسائل الإعلام الفرنسية، بهدف إعطاء زخم للزيارة التي كانت الأولى للرئيس الأسد بعد الأزمة التي شهدتها العلاقات السورية - الفرنسية على خلفية اتهام النظام السوري باغتيال الرئيس رفيق الحريري.

كما تمت الاستعانة أيضا بمحطة «سكاي نيوز» للترويج لمشروع «مسار» الذي تشرف عليه عقيلة الرئيس أسماء الأسد، وفيما اعتبر حينها سابقة قامت «سكاي نيوز» بنقل مباشر لحفل الافتتاح في يوليو (تموز) عام 2009، كما أجرت المحطة مقابلة تلفزيونية مع الأسد وزوجته أسماء، بريطانية المولد، وعمدت المقابلة إلى إظهار الأسد في جو طبيعي؛ حيث تم التصوير نهارا في حديقة مشروع «مسار»، وظهر في الخلفية أطفال يلعبون بهدف ترويج صورة غير نمطية عن الرئيس وعائلته في الإعلام الغربي. وذالك على الضد من التقاليد التي رسخها نظام الرئيس حافظ الأسد لأكثر من 3 عقود من حكمه، لم يظهر خلالها في الإعلام بغير اللباس الرسمي، أو العسكري كـ«قائد للأمة». إلا أن الرئيس بشار الأسد وزوجته تجاوزا هذه التقاليد، وحاولا ترويج صورة عادية تحاكي الغرب.

المفارقة أن مقابلة «سكاي نيوز»، المشار إليها، لم ينقلها حينذاك الإعلام الرسمي الذي درج على إعادة نشر أو بث مقابلات الرئيس مع وسائل الإعلام الخارجي، مع أن مقابلة «سكاي نيوز» أحدثت أصداء كبيرة في الإعلام الغربي، لقيام الرئيس الأسد بتوجيه دعوة غير رسمية وعبر «سكاي نيوز» للرئيس الأميركي باراك أوباما لزيارة دمشق، وذلك في وقت كانت فيه العلاقات السورية - الأميركية في أشد مراحلها سوءا. هذا إضافة إلى أن أسماء الأسد تحدثت في المقابلة عن الرئيس الذي تعرفه «كوالد وكزوج».

وإذا كانت تلك المقابلة الشهيرة قد أثارت إعجاب كثير من الشباب السوريين، وكانت لها أصداء في الصحافة الغربية، لم يكن الأمر كذلك مع المقابلة التي أجرتها مجلة «فوغ» الخاصة بالموضة مع أسماء الأسد في القصر، مطلع العام الحالي؛ إذ عدا الصخب والانتقادات التي أثارتها في أميركا، فإن الشارع السوري استاء من هذا الظهور الذي ركز على تصاميم أحذية وملابس السيدة الأولى التي ترتدي حذاء من تصميم كريستيان لوبوتانس الذي يقرب سعره من 700 دولار في أرخص الأحوال وكذلك نظارات شانيل الشمسية ورحلاتها على متن طائرتها الخاصة «فالكون جيت 900». وكتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» تعليقا لاذعا على تلك المقابلة وقالت: «(فوغ) تكلمنا عن إدارة بيت الأسد حيث تقول أسماء (إن القرارات في المنزل يتم اتخاذها من قبل زوجها وقبلها ومن قبل الأطفال بطريقة ديمقراطية، نحن جميعا ودوما نصوت لما نريد القيام به)». وتضيف «وول ستريت جورنال»: أما بالنسبة للشعب السوري خارج منزل الأسد فالوضع مختلف، وديمقراطية بشار هي نسخة من ديمقراطية صدام حسين؛ حيث نجح بشار الأسد بنسبة 97% في انتخابات عام 2000»، وإن «قراء (فوغ) تمتعوا بقراءة تفاصيل نهار الجمعة يوم عطلة الرئيس ذي الرقبة الطويلة والعينين الزرقاوين ببنطاله الجينز يتكلم بكل شغف عن كومبيوتره الأول وتضيف (فوغ) أنه درس طب العيون لأنه كما يقول (واضح جدا وليس عمل طوارئ وليس به الكثير من الدماء)، أي بعكس بلده سوريا: بلد غامض بلا قانون، يخضع لقانون الطوارئ منذ 1963 وتسفك الدماء به من قبل أجهزته الأمنية وحلفائه التقليديين». وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أنه «من المؤكد أن تقرير (فوغ) لا يعدو عن كونه نوعا من الترويج والتبييض، أي العلاقات العامة، تمت مقايضته بشيء ما من رحلات ترف وكثير من السخاء والكرم».

ولا يرى الناشطون السوريون في دخول المراسلين الأجانب وتغطية الأحداث تحت رعاية السلطة أكثر من «ترويج وتبييض، أي علاقات عامة»، خاصة أن الرئيس الأسد، منذ اندلعت الأحداث، صار ظهوره على الجمهور مقننا، وكلما ألقى خطابا زاد في غضب الشارع، أما زوجته فهي غائبة تماما عن أي ظهور منذ 4 أشهر.