البحرين تعلن عن تشكيل لجنة محايدة للتحقيق في أحداث فبراير

الملك حمد: لن نسمح للمتطرفين باختطاف تجربتنا الإصلاحية

ملك البحرين لدى ترؤسه أمس جلسة استثنائية لمجلس الوزراء وإعلان تشكيل لجنة التحقيق الدولية المستقلة («الشرق الأوسط»)
TT

(أعلنت الحكومة البحرينية أمس عن تشكيل لجنة محايدة ومستقلة تضم حقوقيين دوليين للتحقيق في الأحداث التي شهدتها البحرين في فبراير (شباط) ومارس (آذار). ويرأس اللجنة محمود شريف بسيوني، أستاذ القانون بكلية دي بول في شيكاغو والأمين العام للرابطة الدولية للقانون الجنائي ورئيس المعهد الدولي للعلوم الجنائية. وتضم أيضا القاضي الكندي الدولي فيليب كيرش الذي كان عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، والبريطاني السير نايغل رودلي العضو في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وماهنوش ارسنجاني وبدرية العوضي.

وأكد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، خلال جلسة استثنائية لحكومة بلاده، أنه أمر بإنشاء لجنة مستقلة لتقصي الحقائق في أحداث فبراير ومارس الماضيين، وتشكيلها من أشخاص ذوي سمعة عالمية وعلى دراية واسعة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتم اختيار أعضائها نظرا لمكانتهم ومنجزاتهم على مستوى العالم، وذلك بعد القيام بالكثير من الاستشارات ومن بينها استشارة مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

كما أصدر ملك البحرين أمرا بإحالة القضايا التي لم تفصل فيها محاكم السلامة الوطنية إلى المحاكم العادية، وتتولى تلك المحاكم الفصل فيها طبقا للإجراءات المعمول بها أمامها.. وجواز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة السلامة الوطنية الاستئنافية أمام محكمة التمييز طبقا للإجراءات المقررة أمام تلك المحكمة، ويفتح باب الطعن في تلك الأحكام اعتبارا من اليوم.

ويرى مراقبون أن مثل القرارات التي أعلنها العاهل البحريني في هذا التوقيت من شأنها أن تضخ جرعة قوية ومحفزة للمشاركين في الحوار الوطني الذي سينطلق بعد غد السبت، بمشاركة الكثير من ممثلي مؤسسات وأطياف الشعب البحريني، كونها تلبي جزءا مهما من مطالب المعارضة.

ونص مرسوم ملكي نشرته وكالة أنباء البحرين على إنشاء «لجنة مستقلة للقيام بالتحقيق في مجريات الأحداث التي وقعت في مملكة البحرين خلال شهري فبراير ومارس 2011 وما نجم عنها من تداعيات لاحقة، وتقديم تقرير حولها متضمنا ما تراه مناسبا من توصيات في هذا الشأن»، على أن تتمتع لجنة التحقيق باستقلال تام عن حكومة مملكة البحرين أو أي حكومة أخرى، ويعمل أعضاؤها بصفتهم الشخصية، على أن تكون مهمتها «تقصي الحقائق» عبر الاتصال بجميع الجهات الحكومية المعنية والمسؤولين الحكوميين وكذلك الاطلاع على الملفات والسجلات الحكومية، كما تحظى «بمطلق الحرية في مقابلة أي شخص تراه مفيدا لها» من الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

وتنص المادة السادسة من قرار تشكيل اللجنة على أنه يجب على الحكومة عدم التدخل بأي شكل من الأشكال في عمل اللجنة، ولا يجوز أن تمنع وصول أي شخص يسعى لإجراء اتصالات معها أو مع أحد معاونيها، كما يجب على الحكومة تسهيل وصول اللجنة وموظفيها إلى الأماكن والأشخاص الذين تحددهم وفق ما تراه اللجنة مناسبا.

بينما تنص المادة التاسعة على أن تضع اللجنة تقريرا بنتيجة عملها، يتم نشره كاملا بعد عرضه على الملك حمد في موعد أقصاه 30 أكتوبر (تشرين الثاني) المقبل، ويجب أن يشتمل تقرير اللجنة على سرد كامل للأحداث التي وقعت خلال شهري فبراير ومارس 2011، والظروف والملابسات التي وقعت في ظلها تلك الأحداث، وما إذا كانت قد وقعت خلال تلك الأحداث انتهاكات للمعايير الدولية لحقوق الإنسان من قبل أي من المشاركين خلال الأحداث أو التداخل بين المواطنين والحكومة، ووصف أي أعمال عنف وقعت بما في ذلك طبيعة تلك الأعمال، وكيفية حدوثها، والعناصر الفاعلة والتداعيات التي نتجت عنها، لا سيما في مستشفى السلمانية، ودوار مجلس التعاون، وبحث حالات الادعاء عن وحشية الشرطة أو الادعاء بأعمال عنف ضد المتظاهرين، أو من المتظاهرين ضد الشرطة وآخرين، بما في ذلك الأجانب، وظروف وصحة عمليات التوقيف والاعتقال، وبحث حالات الادعاء بالاختفاء أو التعذيب، وبيان ما إذا كانت هناك مضايقات من قبل وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ضد المشاركين في المظاهرات والاحتجاجات العامة، وبحث حالات الادعاء بأعمال هدم غير قانوني للمنشآت الدينية، وبيان ما إذا كان هناك اشتراك لقوات أجنبية أو فاعلون أجانب في الأحداث.

وكان 24 شخصا بينهم عدد من رجال الأمن قتلوا خلال فض الاحتجاجات التي قادها الشيعة ورفع البعض خلالها شعار «إسقاط النظام». وجاء في المادة العاشرة من الأمر الملكي القاضي بتشكيل اللجنة، أن للجنة تقديم أي توصيات تراها بما في ذلك التوصية بإجراء التحقيق أو المحاكمة لأي شخص، بما في ذلك المسؤولون أو الموظفون العموميون، والتوصية بإعادة النظر في الإجراءات الإدارية والقانونية، والتوصيات المتعلقة بإنشاء آليات مؤسسية تهدف إلى منع تكرار أحداث مماثلة وكيفية معالجتها.

وكان الملك حمد بن عيسى آل خليفة قد ترأس جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية صباح أمس في قصر الصخير بحضور الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، والأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد.

وقال الملك حمد «إن الأحداث المؤسفة التي مرت بنا قد خلقت جوا مأزوما واحتقانا غير مسبوقين، مما دفع بالكثيرين إلى التخوف من أن تؤدي سياسة الديمقراطية والانفتاح التي أكدنا عليها منذ تولينا مقاليد الحكم إلى إتاحة الفرصة لبعض المتشددين لاختطاف البلاد إلى حالة من الفوضى والتطرف، مشيرا إلى أنه لن يسمح لأي متشدد يدعو للفوضى أو التطرف «باختطاف تجربتنا الإصلاحية، كما لن نمكّن للتخوفات أن تكون وراء أي قرار رسمي، ولا يمكن أن نمكّن لطرف على حساب آخر أو أن نترك البلد نهبا لمحاصصات تجزيئية تفتته ولا تجمع أهله، فالغضب لا يعطي دروسا بل هي حالة يختفي معها التفكير الواضح السليم مثله مثل الخوف».

وأضاف العاهل البحريني أن «ما حدث في فبراير ومارس الماضيين آلمنا كثيرا كما آلم أفراد شعبنا كافة وأصدقاء ومحبي البحرين في كل مكان، فما حدث لم يكن مسبوقا في تاريخنا، وجاء في الوقت الذي تخطو فيه مملكتنا خطوات واسعة للأمام في كل المجالات»، وقال «قد حرصنا طيلة الأعوام العشرة الماضية على إصلاح المؤسسات في البحرين، ودستورنا الحالي يتماشى مع المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان والتي صادقت عليها البحرين، كما أن الاقتصاد حقق تقدما ملحوظا وحق لنا أن نفخر بأن معدلات البطالة لم تتجاوز نسبة 4%».

وقال عن مواجهة ما حدث إنه «كان من غير الممكن التراخي أو النكوص عن مسؤولية استعادة الأمن والاستقرار وحماية المواطنين والمؤسسات التي أقسمنا على المحافظة عليها، وعلى الرغم من أن فداحة ما جرى لا تقارن بما حدث ويحدث في دول أخرى، فإنه يكفي في فداحته أن تأباه نفوسنا جميعا، وترفضه أعرافنا وقيمنا، وهو الأمر الذي يستوجب علينا العمل الجاد لعدم تكرار هذه الأفعال مرة أخرى في المستقبل».

وأكد ملك البحرين أن «للمواطنين الحق في التعبير عن آرائهم بطرق سلمية مشروعة، ومن حق المواطنين أن تكون لديهم مطالب من دون أن يقابل ذلك بعنف، وفي المقابل كذلك، يجب أن تمارس الحرية بمسؤولية، فلا يمكن أن تؤخذ وسائل التعبير كطريقة للخروج على النظام العام أو تهديد السلم الأهلي أو عرقلة المصالح الاقتصادية أو الإضرار بمرافق الدولة. وبين هذا الحق ومحدداته أصبحت الإشاعات تدار ليثبت البعض أنهم على حق في مقابل البعض الآخر، وهو الأمر الذي لا يمكن معه أن نستمر في خطواتنا للأمام من دون علاج هذه الجراح ومعرفة الحقيقة كاملة».

وأضاف «لقد كنا ومنذ اللحظة الأولى حريصين كل الحرص على سلامة مواطنينا بكل فئاتهم، ونحن نرى العنف يزداد، والدفع بالناس يتصاعد نحو مزيد من العنف، فكانت هناك خسائر في الأرواح.. نترحم عليهم جميعا أيا كانت مواقعهم أو مواقفهم، وأمرنا بتشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء للنظر في ذلك، كما أن الحكومة تعمل الآن على إيجاد بدائل قانونية للمنشآت التي أزيلت، وتم تشكيل لجنة بقرار رئيس الوزراء للنظر في حالات الفصل في القطاع الخاص، وقامت الجهات المعنية بإطلاق الكثير من الموقوفين، ومع انتهاء حالة السلامة الوطنية قبل موعدها، وبعد أن قامت محاكم السلامة الوطنية بالتعامل مع الحالة الطارئة والمستعجلة التي مرت بها بلادنا، فقد تمت إحالة جميع القضايا المتبقية أمامها ليتم النظر فيها أمام القضاء العادي، ودعونا إلى إطلاق حوار للتوافق الوطني ليكون امتدادا لدعوة ولي العهد وليشمل الجميع».

وقال «ما زلنا في حاجة إلى النظر في ما جرى لمعرفة كل تفاصيل أحداث فبراير ومارس، وأن نقيم تلك الأحداث على حقيقتها، فهناك ضحايا للعنف لا يمكن لنا أن ننساهم، وهناك اتهامات واتهامات مضادة حول أسباب ونوعية وكيفية حدوث ذلك العنف، وأصبحت حالة عدم الثقة هي السائدة، واختلفت الرؤى بمزيج من الإشاعات حولها».

وأوضح العاهل البحريني «وفي هذا الخصوص، أؤكد لكم وبكل وضوح على أن أي شخص سواء أكان يعمل باسم حكومة مملكة البحرين أو في أي موقع آخر لا بد أن يدرك أننا لم نتخل عن مبادئنا»، وتعهد ملك البحرين بعدم التهاون أو التساهل حيال ثبوت أي انتهاكات لحقوق الإنسان من أي كان، مشيرا إلى أن «مثل هذه الأفعال لا تساعد أحدا، بل تؤذي الجميع»، مضيفا «وستقوم اللجنة بمباشرة اختصاصاتها - التي تم وضعها بالتشاور مع أعضاء اللجنة أنفسهم - باستقلالية تامة ومن دون أي تدخلات من أي نوع لتقدم تقريرها لنا لاتخاذ ما يلزم من إجراءات».

وتعليقا على خطاب ملك البحرين قال الناشط والمحامي البحريني عبد الله هاشم لـ«الشرق الأوسط»، إنه من الناحية القانونية فإن تلك اللجنة المستقلة ستضطلع بعملية التحقيق في الأحداث والأخطاء التي أدت إلى سقوط ضحايا، وهي قضية أساسية يتم التركيز عليها من كل الجهات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن مثل هذا القرار يأتي في نطاق توجه وقناعة الملك حمد بتحقيق العدالة الناجزة في ما يتعلق بسقوط الضحايا وحقوقهم وحقوق الورثة وأيضا الحق العام، إذا كانت هناك أخطاء أو حتى جرائم ارتكبت في بداية الأحداث، مشيرا إلى أن الملك سبق أن وجه بتشكيل لجنة برئاسة وزير الدولة جواد العريض في بداية تفجر الأحداث، ومنح رئيس اللجنة كل الصلاحيات لاختيار أعضائها من المستقلين للتحقيق في سقوط ضحايا، إلا أن اللجنة لم تتخذ خطوات متقدمة، وأعيد تشكيلها، لكنها اصطدمت ببعض المعوقات، وتسارع الأحداث.

وقال هاشم إن تشكيل لجنة محايدة إنما هو مطلب يتعلق بعملية الحوار والعملية السياسية، مشيرا إلى أن اختيار المحامي محمود شريف بسيوني رئيسا للجنة ربما تمت تزكيته من قبل مؤسسات دولية وشخصيات دولية في المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أو الجهات المعنية بحقوق الإنسان. وأشار إلى أن الصلاحيات المطلقة التي ستتمتع بها اللجنة ستهيئها للتحقيق في كل القضايا، وإخضاع كل من تحوم حوله الشبهات للتحقيق أيا كان موقعه.

وقلل المحامي هاشم من انعكاسها المباشر على الحوار الوطني، في ظل مقاطعة جمعيتي المعارضة الشيعية (الوفاق والعمل الإسلامي) للحوار.. «لكن سيكون لها انعكاس مهم في ما يتعلق بالتوافق الوطني أساسا بعيدا عن عملية الحوار، إذا كنا أمام قوى ديمقراطية تسعى بالفعل إلى التوافق وعملية إصلاح».