ناشط سوري من ريف دمشق: النظام يعزلنا عن العالم بقطع خطوط الهواتف والإنترنت

أكد أن لا طابع إسلاميا للتحركات وأسف لصمت أئمة المساجد

طلاب حماه يشاركون في مظاهرة أمس ويهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام»
TT

لم يكن من السهل على محمد التسلل عبر الحدود للوصول إلى منطقة آمنة في دولة مجاورة، بعدما قامت قوات الأمن السورية باعتقال رفاقه، وملاحقته من بيت إلى بيت. محمد اسم مستعار لشاب لم يتجاوز الثلاثين عاما، وجد نفسه منخرطا في الحركة الاحتجاجية الشعبية في سوريا.

كان الوقت عند الظهيرة عندما استيقظ من النوم. كان ممدا على فراش إسفنجي على الأرض في غرفة جانبية. نهض بصعوبة بالغة، وهو يكافح الألم الشديد في ظهره. الملاحقات والاختباء من مكان إلى آخر، وقبلها الاعتقال عدة مرات والتعرض للضرب، زادت في إصراره على إكمال السير في الثورة. فهو كرفاقه الآخرين الذين يخرجون إلى الشارع، خرقوا جدار الخوف بهتاف «الموت ولا المذلة». يشرح محمد ذلك بالقول: «لن نعود إلى الذل ولن نقبل به بعد اليوم، لقد قررنا أن نواجه الموت بصدورنا العارية».

في سياق كلام محمد ما يشير إلى أنه أحد قيادات الحراك الشبابي في منطقته. وإذ سئل عن ذلك تجنب الإجابة ورد بالقول: «الثورة كل يوم تنجب قيادات جديدة.. كلما اعتقل أو قتل أحد منا، يأخذ مكانهم عشرة ثوار آخرين، وهذا هو السبب الذي يجعل الثورة تنتشر وتتسع وتزداد زخما كلما تمادت الأجهزة الأمنية بالقمع».

ورغم الثقة العالية بالنفس وعدم المبالاة بالخطر الذي يهدد حياته، ثمة قلق يبديه محمد بعد وصوله إلى مكان آمن، بعد تسلله إلى دولة مجاورة. يقول إن المشكلة أن منطقته، أي ريف دمشق، لا تزال بعيدة عن الإعلام كثيرا، وما يظهر من أخبار التنسيقيات ومقاطع فيديو عن المظاهرات التي تخرج مساء كل يوم وظهر كل يوم جمعة، لا ينقل سوى ما نسبته 1 في المائة عما يجري هناك، أي في سقبا وحمورية وبيت سوى ودوما.

يؤكد أن هناك أحداثا يومية متفاعلة، وأكثر ما يقلقه الاعتقالات التي يقوم بها جهاز المخابرات الجوية الذي يتولى عملية قمع الاحتجاجات في ريف دمشق، بالإضافة إلى الفرقة الرابعة في الجيش. ويقول: «الأسبوع الماضي تم اعتقال محمود ديب ونوسة وحسين حسن طعمة، وهما من خيرة شباب الثورة.. وأخشى من تصفيتهما لأن المخابرات تساوم على حياتهما في التفاوض مع الأهالي من المحتجين، حيث وضعت إطلاق سراحهما شرطا للتعهد بعدم التظاهر وهو ما لم يقبله الثوار». ويضيف محمد: «لقد وضع لهما قائمة اتهامات قد تؤدي للإعدام، وذلك فقط لأنهما رفضا مقابلة الرئيس قبل تلبية مطالب الثوار بسحب الجيش والأمن من كل المدن والمناطق التي دخلوها في البلاد. فتم اتهماهما بالعمالة وجرى اعتقالهما بطريقة متوحشة».

لم تعرف أي معلومات حول وضع الشابين، إلا أن محمد يؤكد أن هناك مفاوضات جارية بين المحتجين ومسؤول أمني كبير في المنطقة لإطلاق سراحهما. ويقول إن لقاء جرى عندما طلب المسؤول الأمني من عدد من المحتجين لقاء الرئيس بشار الأسد، منهم من ذهب ومنهم من رفض. ويضيف: «الذين رفضوا (الذهاب) تمت ملاحقتهم، ومنهم محمد وحسين اللذين اعتقلا الأسبوع الماضي». ويقول محمد «لم أغامر بالتسلل إلى هذه المنطقة وأطلب الاتصال مع الإعلام إلا لتوجيه نداء إلى منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الخارجي لإنقاذ حياة محمود ديب ونوسة وحسين حسن طعمة، فنحن في حمورية وسقبا وعدة بلدات أخرى ليس لدينا أي وسائل اتصال مع المنظمات الحقوقية ولا مع وسائل الإعلام». ويضيف أن لا وسائل اتصال لدى المعارضين والناشطين هناك سوى الهواتف المحلية، وهي إما مقطوعة وإما مراقبة، أما الإنترنت فهو بطيء جدا وغالبية الأيام مقطوع». ويضيف أن الناشطين هناك «ليس لديهم خبرات تقنية عالية تمكنهم من التحايل على الحجب والقطع، إنهم شبه معزولين». ويؤكد أنه «تم اعتقال العشرات منهم نتيجة مراقبة الهواتف، أو مصادرة أجهزة الكومبيوتر والهواتف، وفي المظاهرات كان القناصة يصوبون فورا إلى كل من يحمل كاميرا أو هاتفا جوالا».

ويشير محمد إلى أنه لا تواصل مع المعارضة في الداخل والخارج، ولا يوجد أيضا أي تنسيق مع أي طرف معارض. ويقول إنه في وقت سابق جرت بعض اللقاءات مع رموز معارضة في الداخل، ولكن الآن تكاد تنعدم في ظل الحصار الأمني والعسكري. ويضيف: «لا أحد يدري بكل ما يجري في منطقتنا والمعلومات تتسرب بصعوبة بالغة».

وينفي محمد نفيا قاطعا وجود تيارات دينية ضمن حركتهم، ويقول: «أضعف الأطراف في سوريا هم التيارات الدينية، وأبعدهم عن حركة الاحتجاجات، فالإسلاميون المعارضون مثل «الإخوان»، لا يوجد لديهم تنظيم في ريف دمشق، وبالأساس هم تعرضوا لقمع طيلة أربعين عاما، أما الإسلاميون الذين نشأوا في حضن السلطة، فهم إما إلى جانب النظام وإما على الحياد». ويقول إن «أسوأ دور كان دور أئمة المساجد الذين تصرفوا كموظفين في وزارة الأوقاف، وهم اليوم يواجهون عزلة من المجتمع».

وعن انطلاق المظاهرات من المساجد، يقول محمد: «كثير من الشباب لم يكونوا قبل الثورة يقربون الصلاة، لكنهم بعد انطلاق الثورة صاروا من مرتادي المساجد كمكان للتجمع، وأيضا وهو الأهم، أن الظروف الصعبة التي نعيشها والقمع الذي واجهنا جعلنا نتقرب إلى الله، فليس لنا سواه نستعين به على الظالم». ولم يهمل محمد الإشارة إلى أن «المظاهرات لا تنطلق فقط من المساجد، بل من محيطها، لأن بعض أئمة المساجد هم من (العواينية) ومن أزلام الأجهزة الأمنية». ويتابع منتقدا بحسرة رجال الدين بسبب صمتهم، ويقول: «كنا نتوقع من علماء سوريا كأضعف الإيمان قول كلمة حق، لكن قلة قليلة منهم تجرأت على ذلك». ولكنه يضيف: «نحن لا نلوم أحدا، ولكن ليعلم الجميع أن ثورتنا ثورة أحرار لا سلفية ولا (إخوان)». ويؤكد أن الذين يتظاهرون في ريف دمشق «هم من الشباب ومن أصحاب المهن الحرة، وقسم كبير منهم ليس لديه شهادات جامعية، لكنهم يملكون الوعي اللازم والإيمان القوي بقدرة الثورة على الوصول إلى سوريا حرة لا مكان فيها للذل والظلم».