انفتاح واشنطن على «إخوان مصر» يعزز مخاوف القوى الليبرالية واليسارية

سياسيون حذروا الجماعة من احتراق أصابعها في «لعبة المصالح المشتركة»

TT

كشف تحفظ «إخوان مصر» على استخدام الإدارة الأميركية تعبير «استئناف» الاتصالات مع الجماعة، وعي «الإخوان» بالمخاطر المحتملة المترتبة على انفتاحهم على واشنطن، التي لا تحظى بشكل عام بـ«تقدير» الشعب المصري.

ورغم ترحيبها الفوري بتصريحات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية التي أعلنت رغبة بلادها في مواصلة الاتصالات بـ«الإخوان»، فقد وضعت الجماعة الأكثر تنظيما في مصر شروطا لهذا التقارب وقالت إن الإخوان «لا يتهافتون لفتح قناة اتصال بأميركا».

ويقول مراقبون إن التصريحات الأميركية قد تفاقم من مخاوف الليبراليين واليساريين بشأن انفراد «الإخوان» بالسلطة، وهي مخاوف تحاول الجماعة إزالة أسبابها قبيل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في سبتمبر (أيلول) القادم.

وأعلنت جماعة الإخوان الأكثر حضورا في الشارع المصري منافستها على نصف مقاعد البرلمان، ودخلت في حوار مع أحزاب رئيسية للتنسيق بشأن مبادئ دستور البلاد الجديد، وصرحت بإمكانية مراجعة عدد المقاعد التي تستهدف شغلها في البرلمان المقبل، والمنوط به انتخاب لجنة إعداد الدستور، كما أعلنت عدم المنافسة على منصب رئيس الجمهورية.

وتساءل مهدي عاكف، المرشد السابق للجماعة «ما الذي يمكن أن تقدمه الجماعة (لتهدئة مخاوف القوى المنافسة) أكثر من ذلك؟.. يهاجموننا بلا منطق ولا رؤية، وعلى (الإخوان) عدم الالتفات لهذا الكلام»، مقللا من تأثير الرغبة الأميركية في الانفتاح على «الإخوان» داخليا. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ليست لهذه التصريحات أي قيمة، لأن سياستنا ثابتة.. ونعمل من أجل صالح هذا الوطن ولخدمة الدين».

وقبل أيام من التصريحات الأميركية قاطعت جماعة الإخوان صحيفة محلية بعد نشرها تفاصيل لقاء جرى في الأيام الأخيرة لحكم مبارك، جمع بين السفيرة الأميركية بالقاهرة، وعضو مكتب إرشاد الجماعة الدكتور سعد الكتاتني. وحرص «الإخوان» على الإيضاح بقولهم إن لقاء الكتاتني بالسفارة الأميركية جاء بصفته (الكتاتني) نائبا بالبرلمان، وبعلم النظام السابق، وبحضور رئيس مجلس الشعب (السابق) الدكتور فتحي سرور. وكانت كلينتون قد لمحت في تصريحات صحافية قبل أيام، إلى أن اتصال الإدارة الأميركية بـ«الإخوان» جزء من سياسة بدأت في 2006، حيث حصلت الجماعة حينها على 88 مقعدا في البرلمان الذي انتخب عام 2005، وهي أكبر نسبة تمثيل حظيت بها قوة معارضة مصرية منذ أن أعاد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الحياة الحزبية في مصر.

من جهته، حذر الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع اليساري، جماعة الإخوان من الانفتاح على واشنطن، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إنه «في كل مرة حاول (الإخوان) التحالف مع الطاغوت، تحت دعوى أن الضرورات تبيح المحظورات، احترقت أصابعهم».

وتابع «(الإخوان) أباحوا لأنفسهم إقامة علاقات مع دول أجنبية في لعبة المصالح المشتركة، وهذا ليس وليد اليوم. الوثائق الألمانية التي عثر عليها الإنجليز بمكتب ملحق صحافي ألماني تقول إن حسن البنا (مؤسس الجماعة في عام 1928) تلقى الأموال المحددة له لنشر دعاية لدول المحور (ألمانيا، وإيطاليا، واليابان) في مصر حتى إن البنا بشّر حينها باعتناق الدول الثلاث الإسلام».

وأضاف السعيد أن «الإخوان» تحالفوا مع الملك فاروق وانتهى الأمر بكارثة، ومع النقراشي باشا (مصطفى النقراشي أحد رؤساء الوزراء في مصر قبل ثور 1952)، قبل أن يأمر بحل الجماعة وهو ما أفضى إلى قتله، ثم مع (جمال) عبد الناصر الرئيس المصري الأسبق قبل أن يشن حملة ضدهم.. هذه المرة الأمر أكثر خطورة لأن التصريحات الأميركية أشارت إلى اتصال الإدارة الأميركية بكوادر الصف الثاني في «الإخوان».

ويضع التقارب المنتظر بين «الإخوان» والإدارة الأميركية التي تحاول إيجاد موطئ قدم في مصر ما بعد نظام مبارك، الجماعة على المحك. ويقول مراقبون إن علاقة «إخوان مصر» وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تعد جزءا من التنظيم الدولي لـ«الإخوان» وتتعامل معها الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي، سوف تكون من أكثر الملفات حساسية، وتساءل المراقبون حول ما يمكن أن تقدمه الجماعة لتقترب من التعاطي الأميركي مع حركات المقاومة الإسلامية. وأعربت قيادات في حزب «الإخوان» (الحرية والعدالة) عن اعتقادها بأن التصريحات الأميركية الأخيرة (بشأن استئناف الحوار مع «الإخوان») تعني ضمنيا الاتصال بحماس، وقال الدكتور عصام العريان إن «جماعة الإخوان كهيئة إسلامية عامة لها مظلة لحركات إسلامية كثيرة منها حماس»، مشيرا إلى أن أي تواصل مع أميركا يجب أن يؤسس على مصالح واشنطن وليست المصالح الإسرائيلية.