عبد الجليل يرحب بتنحي القذافي.. ونجاحات المعارضة تقترن بخلافات داخلية

جدل حول مؤتمر إيطاليا وتصدير النفط ومنع تهريب الأسلحة

وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو يتحدث مع مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي قبل لقائهما في مدينة بنغازي، أمس (إ.ب.أ)
TT

تحرز المعارضة في ليبيا مزيدا من النجاحات، لكن هذا يقترن بمزيد من الخلافات والمشاكل على أكثر من صعيد.. ولا تبدو وجهات النظر واضحة فيما يتعلق بالحوار مع نظام القذافي وطرق تصدير النفط لصالح المعارضين، بالإضافة إلى القضايا الأمنية، خاصة بعد اكتشاف مخازن أسلحة تفوق قدرة الثوار على حمايتها.

وأثارت تصريحات مصطفى عبد الجليل زعيم المجلس الوطني الانتقالي الليبي، الذي يمثل ثوار ليبيا، جدلا في أوساط المعارضين، بعد أن قال لـ«رويترز» أمس إن المجلس يرحب بتقاعد العقيد الليبي معمر القذافي في ليبيا، ما دام سيستقيل رسميا ويقبل بإشراف دولي على تحركاته، مشيرا إلى أنه تقدم بهذا الاقتراح قبل نحو شهر عبر الأمم المتحدة إلا أنه لم يتلق أي رد بعد من طرابلس.

وقال إبراهيم عميش، مسؤول الدائرة السياسية بالتحالف الوطني الليبي (المعارض)، إن التوجه المتفق عليه في التعامل مع ملف القذافي هو أن يرحل. وأضاف: «قلنا مرارا وتكرارا واتفقنا على أن الهدف هو أن يرحل الديكتاتور وديكتاتوريته». يأتي هذا في وقت تسعى فيه أطراف من المعارضة الليبية القريبة من المجلس التنفيذي (وهو مجلس يشبه الحكومة المؤقتة التي تنفذ قرارات المجلس الذي يرأسه مصطفى عبد الجليل)، لإحياء محاولة سابقة لمؤتمر الحوار الليبي في إيطاليا، وهي المحاولة التي يقول بعض المعارضين إنها تحمل اسم «خارطة الطريق»، ولا تلقى قبولا يذكر من «مجلس عبد الجليل».

ووفقا للمصادر، فإن مبادرة «خارطة الطريق» التي تهدف إلى تحديد مستقبل ليبيا بعد رحيل القذافي، سبق طرحها من أطراف ليبية موجودة في الخارج، كما وجهت الدعوة لبعض القوى السياسية، مشيرة إلى أن مبادرة «خارطة الطريق» كانت موقعة من لجنتها التحضيرية التي يقودها عبد الرحمن شلقم ممثل ليبيا السابق في الأمم المتحدة، الذي انضم للثوار سابقا. وكان من المفترض أن ينعقد مؤتمر الحوار الليبي وعرض «خارطة الطريق» في إيطاليا في الفترة من 25 إلى 27 يونيو (حزيران) الماضي.

ورفض المجلس الوطني الانتقالي بزعامة عبد الجليل عقد مثل هذا المؤتمر، من خلال بيان أصدره مجلسه في 18 من الشهر الماضي، وشدد فيه على تمسكه بالثوابت الوطنية وفي مقدمتها استمرار النضال لإسقاط نظام القذافي بشكل كامل.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر قريبة من رئيس وزراء المعارضة، محمود جبريل، أن محاولة جديدة لعقد المؤتمر حول مبادرة «خارطة الطريق» تجري حاليا، ومقترح له يوم العاشر من الشهر الجاري في إيطاليا أيضا، لكن ظهرت بوادر قوية على معارضته مجددا من قبل كثير من القوى السياسية الليبية المنخرطة في المعارضة. وأجاب عميش حول هذه النقطة بقوله: «ما زالت هناك محاولات يائسة لانعقاد هذا المؤتمر. نتوقع ألا تصدر عنه نتائج مفيدة للثورة الليبية».

وعن الجهة الداعية للمؤتمر المزمع في إيطاليا، قال عميش: «لا نعرف الأطراف بالتحديد»، مشيرا إلى أن «خارطة الطريق» عندما طرحت كانت تهدف إلى إيضاح الخطوات التي يتوجب اتباعها.. «إذا ما تم وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة منتخبة». وقال إنها تتضمن إعلان حكومة تصريف أعمال خلال يومين من وقف إطلاق النار، إضافة إلى العديد من الترتيبات الأخرى التي تصل إلى الاستفتاء على دستور للبلاد وانتخاب برلمان.

وقالت مصادر من المجلس التنفيذي الليبي المعارض، في اتصال من بنغازي، إن الشد والجذب داخل مجلس عبد الجليل والمجلس التنفيذي بشأن عقد مؤتمر إيطاليا، يأتي بالتزامن مع حالة من عدم تحديد مسارات المفاوضات السرية التي تجري في تونس والدوحة لحل الأزمة الليبية، مشيرة إلى أن المفاوضات المشار إليها تشارك فيها أطراف تمثل نظام القذافي وأطراف دولية أخرى. وبشأن تصريحات عبد الجليل أمس أضافت المصادر بقولها إن «خروج القذافي نهائيا من ليبيا وافق عليه المجلس الانتقالي»، ولذلك فنحن لم نفهم ما يريده عبد الجليل من تصريحات أمس.

وبجانب إشكالية المفاوضات بين المعارضة والقذافي، تبرز مشكلة أخرى تمس عصب الحياة اليومية، بسبب فشل مسؤولي الثوار الذين يسيطرون على المناطق الشرقية في تصدير النفط إلى الخارج والاستفادة من عوائده المالية. لكن المعارضة تقول إن القذافي يعاني أيضا من هذه المشكلة.

وقال عميش الذي وصل إلى مصر أمس قادما من بنغازي: «بالنسبة إلى القذافي فإنه ما زال يعاني من مأزق بسبب نقص المواد البترولية بشكل كامل وعام. وبالنسبة إلى المناطق الشرقية فإنها تتجاوز أزماتها. الآن لا يوجد بها أزمة بترول، لكن التصدير ما زال شبه متوقف.. هناك فعلا اتفاق بأن تتولى قطر عملية التصدير لكن بعض القوى الدولية اعترضت لمصالح خاصة وتم تجميده.. الأمر الآن معلق إلى أن يحدث ما يمكن أن يبشر بتنفيذه. على أي حال البترول متوافر في هذه المناطق، والمجلس الانتقالي ملتزم بتوفير المحروقات بشكل كامل»، لكن مصادر ليبية أخرى قريبة من المجلس التنفيذي الليبي المعارض شكت من نقص في الأموال بشكل خطير أصبح يؤثر على الإنفاق في المناطق الشرقية.

وفيما يتعلق بالوضع العسكري في المناطق الشرقية تقول المصادر الليبية إن الثوار لم يتمكنوا من تجاوز إجدابيا نحو الغرب رغم قيامهم بمحاولات في الأيام الأخيرة. لكن المصادر نفسها تحدثت عن وضع الثوار أيديهم على مخازن أسلحة كثيرة تعود للجيش الليبي كانت موضوعة على هيئة دشم في الصحراء.. وسألت «الشرق الأوسط» عميش عن موضوع مخازن الأسلحة، فقال: «بالفعل تم العثور على تلك المخازن في منطقة البطنان، وذلك بعد وصول أحد الضباط الذين انشقوا على القذافي. كان يعرف مكانها، ودل الثوار عليها، وهي عبارة عن مخزن سلاح رهيب، كان فيه أكثر من 50 دبابة روسية قديمة أعتقد أنه يمكن استخدامها، بالإضافة إلى صواريخ».

ومن شأن هذه الأسلحة أن تسهم في الضغط على قوات القذافي المتمركزة في مواقع لتكرير النفط في البريقة وراس لانوف.. وبالنسبة إلى مناطق الجبل الغربي قالت المصادر إن السلاح الذي زودت به فرنسا الثوار هناك يمكن أن يساعد في تخفيف الضغط على قوات الثوار في مصراتة والمناطق الشرقية، لكن هذا الملف لم يخل من جدل أيضا بين قيادات الثوار، بشأن المساعي الدؤوبة للحصول على سلاح من الخارج بمساعدة عدة دول عربية وأجنبية، دون مزيد من التفاصيل.

وفي الملف الأمني اقترن موضوع اكتشاف مخازن الأسلحة مع أنباء عن استيلاء تجار أسلحة ولصوص على كميات كبيرة منها، ومحاولة بيعها لدول الجوار، وقالت مصادر أمنية ليبية بقوى ثورة 17 فبراير (شباط)، إن المجلس الانتقالي سوف يخاطب تلك الدول للتعاون معها في منع تهريب تلك الأسلحة، خاصة أن المستودعات التي تم اكتشافها تحتوي أيضا على عشرات الأطنان من القذائف وصناديق الذخيرة العادية والمضادة للدبابات.

ويؤرق الثوار في الملف الأمني أيضا محاولات القذافي إثارة القلاقل في الخطوط الخلفية للثوار، ولهذا السبب تم تأسيس أول جهاز أمني تابع للثوار، يترأسه رجل قوي يدعى إبراهيم البرغثي، وتمكن من القبض على شبكة كاملة من قبل الجهاز الجديد، واسمه «جهاز حماية الثورة»، ومن مسؤولياته حماية المنافذ البرية والبحرية ومكافحة التجسس والهجرة غير الشرعية. وقالت المصادر إن الجهاز أثبت جدارته وقام بالقبض على مجموعات من أنصار القذافي وضبط حالة الأمن في المنافذ كافة.

ومع ذلك استمر القلق في المناطق الشرقية بعد أن تمكن أنصار القذافي من إدخال «عصابة» من طرابلس إلى تونس فمصر، ثم اجتازوا الحدود الغربية الليبية مع مصر ودخلوا إلى مناطق الثوار في الشرق الليبي. وقال مصدر أمني هناك: «دخلوا بجوازات صادرة من مدينة الزاوية الليبية وتم متابعتهم بالكامل وشكلوا عصابة واكتشفنا أسلحتهم في إحدى المزارع والقبض عليهم قبل تنفيذ مهام تخريبية، منها محاولة استهداف طائرة قطرية في مطار بنينة في بنغازي». وأضاف: «تم القبض عليهم بالكامل».