المعارض فارس تمو: الغضب الكردي مقبل لا محالة.. مهما حاولت السلطة تحاشي التصادم

قال لـ «الشرق الأوسط»: ما يخشاه الأسد هو إغضاب الأكراد السوريين خوفا من تكرار أحداث 2004

صورة بالفيديو توضح نقص المواد الغذائية في مدينة دير الزور
TT

لعل جمعة «ارحل» في سوريا هي واحدة من الجمع المتشابهة من عمر الانتفاضة الشعبية في سوريا إن لجهة القمع أو أعداد القتلى على أيدي القوات الأمنية والفرق التابعة لها في مختلف المحافظات مع تصاعد الحركة الاحتجاجية، لكن المراقب لجمعة «ارحل» يمكنه أن يلاحظ أن هذه الجمعة حملت ما يميزها عن الجمع الأخر، فبالإضافة إلى دخول حلب بقوة إلى المشهد الثوري الذي تشهده البلاد، فإن مناطق أخرى ذات أغلبية كردية شهدت مظاهرات للمرة الأولى منذ بدء الحراك الشعبي في سوريا تطالب بإسقاط النظام، نتحدث هنا عن منطقة «وادي المشاريع» في ضواحي دمشق ذات الأغلبية الكردية، التي كان لها نصيبها الوافر من القمع في الأحداث الاحتجاجية التي شهدتها مناطق الأكراد عام 2004. ويرى المراقبون أن انفجار الغضب في المناطق الكردية في العاصمة سيدفع، بسرعة فائقة، باتجاه إسقاط نظام الأسد في سوريا، هنا يجب أن نميز بين مشاركة الشباب الكردي الثائر وإغضاب الشعب السوري الكردي كله بجميع فئاته العمرية، كما يقول الناشط السياسي الكردي المحامي فارس تمو «لذا فإن الموضوع لا يتوقف على المشاركة الكردية في دمشق فقط، على الرغم من الوجود الكردي الكثيف في العاصمة، فبالإضافة إلى الأحياء الكردية الرئيسية في دمشق، وهي: زورافا (وادي المشاريع) وركن الدين يتوزع الأكراد في باقي أحياء دمشق بنسب متفاوتة، كما في الكسوة وقرى الأسد وسبينة وقدسيا وشبعا وصحنايا وبناية الكويتي، والشباب الكردي في دمشق هم مشاركون ميدانيا بجميع مظاهرات دمشق وريف دمشق منذ انطلاق الثورة السورية».لكن ما السبب في تواضع الحركة الشبابية الكردية ضمن الثورة التي تعيشها سوريا حتى الآن؟ يرد فارس تمو بالقول: هو ليس تواضعا؛ لأن الشباب الكردي شاركوا في المظاهرات والاحتجاجات بكل فاعلية منذ بداية الثورة السورية في أواسط مارس (آذار) الماضي في دمشق وحلب وجامعاتها وفي المناطق الكردية التي انضمت منذ بداية الثورة إلى المظاهرات، كما في القامشلي وكوباني وعامودا والدرباسية وراس العين، إنما يمكن القول إن هناك سياسة أمنية خاصة بالملف الكردي في سوريا تعمل بكل جهد على تحييد الشارع الكردي عن المشاركة الفاعلة والحاسمة في الثورة السورية وتهدف، باستخدام جميع الوسائل الأمنية من ترغيب وترهيب، إلى فصل الشارع الكردي عن الشارع السوري العام، بالإضافة إلى هذه السياسة الأمنية الخاصة التي تتحاشى أي تصادم عنيف مع الشباب الكردي.

ويرى فارس تمو، وهو نجل الناشط مشعل تمو، الناطق باسم تيار المستقبل الكردي الذي أفرج عنه منذ أسابيع قليلة، أن هناك عوامل أخرى تؤثر على الشارع الكردي، وهي: خشية الشعب الكردي من المستقبل السياسي لسوريا، مما أدى إلى استثمار هذا الخوف من قبل بعض الأحزاب الكردية التي لا تقوى على اتخاذ موقف صريح وحاسم من الثورة السورية في تسويق مخاوفها وترددها إلى الشارع الكردي بشكل كبير، وهذا أثر بشكل سلبي في بداية الثورة على الحراك الشبابي الكردي بشكل خاص في القامشلي، على الرغم من محاولات المجموعات الشبابية رفع وتيرة المظاهرات والاعتصامات، إلا أنها كانت تصطدم دائما بمخاوف الشارع التي بدأت تتلاشى أمام وعي الشباب السوري الثائر وصموده، علما بأن هناك أحزابا حسمت موقفها السياسي بالانضمام الرسمي إلى الحراك الشبابي.

ويعتبر تمو أن الحراك الشبابي الكردي في تصاعد، ومتوازٍ مع عموم الحراك الشبابي السوري، وهو يكتسب زخما أكبر في أوساط الشارع الكردي ومشاركة أكبر من الشباب الكردي مترافقا مع صمود شباب الثورة السورية، كما أن في استمراريتهم إسقاطا لجميع الأقنعة النافذة في الشارع الكردي أو المؤثرة فيه لتمرير أجندات خاصة أو خدمات مميزة للنظام.

وما تخشاه سلطة الأسد الأمنية، برأي فارس تمو، هو إغضاب الشعب السوري الكردي، أو هو الحالة الخاصة من التواصل العاطفي بين أبناء الشعب الكردي نتيجة ما عاناه خلال مراحل التاريخ المتنوعة من حملات تطهير قومي، كالتهجير والقتل والإبادة، وهذه الحالة لا تحتاج إلى إعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي لتحريضها؛ لذا تتحاشى عائلة الأسد أي مواجهة مباشرة بالرصاص الحي مع المتظاهرين الأكراد بأي ثمن؛ لأن غضب الشعب الكردي هذه المرة سيختلف عن 2004 وستكون نهاية النظام.

ويجزم المعارض السياسي المقيم في أربيل بأن الغضب الكردي مقبل لا محالة مهما حاولت السلطة تحاشي التصادم المباشر مع المتظاهرين الكرد، ومهما حاولت الأحزاب السياسية الكردية تحييد الشارع الكردي عن الثورة، ومهما حافظت المعارضة العربية التقليدية على خطوطها الحمراء المتعلقة بالقومية العربية وبعروبة سوريا.

ويؤكد تمو أن أحد أشكال تحاشي الاصطدام بالشارع الكردي هو أنه في الكثير من حالات الاعتقال العشوائي في مظاهرات المدينة الجامعية في كل من دمشق وحلب كان يتم اعتقال شباب كردي أيضا، لكن بعد التحقيق ومعرفة أنهم أكراد يفرج عنهم، أما في الأحياء الكردية في المدينتين وفي المناطق الكردية هناك حالات اعتقال وضغوط كبيرة على الشباب الكردي لكن يتم الإفراج عنهم بعد ممارسة شتى أنواع الترهيب والترغيب.

وعن الخيوط الخارجية التي تؤثر على الشارع الكردي اليوم، يجيب تمو، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: إن من أهم أوراق عائلة الأسد فيما يتعلق بالوضع الكردي: الاتفاق الثلاثي مع تركيا وإيران بخصوص الملف الكردي، هذا الاتفاق لا يتأثر بأي خصومة سياسية معلنة أو غير معلنة بين هذه الأنظمة، وعدم استخدام العنف في المناطق الكردية وتحاشي إغضاب المتظاهرين الأكراد هو اتفاق ثلاثي؛ لأن الأكراد بشكل عام في جميع الأجزاء الكردستانية يتأثرون ببعضهم بشكل كبير في الكوارث الإنسانية والقومية وفي حالة الانتفاضة الشعبية، وعلى النقيض من الاتفاق الثلاثي، تتمتع عائلة الأسد بعلاقة تاريخية واستراتيجية مع الأحزاب الكردستانية في العراق وتركيا، وهذا أمر لا يخفى على أحد، ومراهنة هذه الأحزاب على صمود نظام الأسد القمعي وانتصاره على الشعب السوري لها أثر يطال الشارع الكردي السوري، وإن كانت الأحزاب الكردستانية تتحاشى أي تدخل في الشأن الكردي السوري باستثناء حزب العمال الكردستاني التركي.

وأهم ورقة تلوح بها عائلة الأسد لتخويف المجتمع الدولي والمجتمع العربي هي الوضع العراقي في حال تغير النظام في سوريا، وهذا ما يفسر الصمت العربي والتردد والتقلب في المواقف الدولية، وأهم استراتيجية في هذا المجال هي فتح أبواب سوريا أمام إيران لإنشاء خلايا عسكرية ومخابراتية وتجهيز نقاط ارتكاز لنشر التشيع ودخول العملية السياسية السورية كما حدث في العراق الديمقراطي الحالي الذي تمتلك إيران فيه زمام القرار السياسي.