جوبا تعلن الاستقلال.. والخرطوم تعترف وترفع علمها على سفارتها في الجنوب

سلفا كير يحرر شهادة ميلاد الدولة رقم 193.. ويمهر في أول توقيع له على الدستور الجديد.. والأمم المتحدة سترسل 7 آلاف جندي لحفظ الأمن

TT

تعلن اليوم في مدينة جوبا، ميلاد جمهورية السودان الجنوبي، الدولة الجديدة في الأمم المتحدة، التي ستحمل رقم 193، حيث تعلن استقلالها من السودان، وسط حضور عالمي كبير، يتقدمه الرئيس السوداني عمر البشير، حيث اعترفت بلاده بالدولة الجديدة أمس، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وزعماء 31 دولة أفريقية، وعدد كبير من كبار المسؤولين الدوليين، بينما تمثل الولايات المتحدة، سفيرتها لدى الأمم المتحدة سوزان رايس. وأكد المسؤولون الجنوبيون أن البشير سيكون «ضيف الشرف الرئيسي» خلال الاحتفالات.

ولم تنم جوبا ليلتها أمس، حيث سهر الجنوبيون في الشوارع يرقصون ويرفعون أعلام دولتهم الجديدة. وتشهد شوارع المدينة الاستوائية، مسيرات للمحاربين القدامى والجنود والمدنيين بينها مجموعات نسائية رغم حرارة الشمس، وقد ارتدى البعض الملابس التقليدية بينما تقرع الطبول ويرقص المشاركون. وحاولت الشرطة والجنود في جوبا السيطرة على المحتفلين الأكثر حماسا بحظر إطلاق النيران الاحتفالي ومصادرة الأسلحة وتفتيش السيارات في تصميم على حماية الشخصيات الكبيرة التي توافدت على المدينة التي تنتشر فيها الأسلحة الصغيرة. وظهرت عبارة «أخيرا تحررنا» لفترة قصيرة على شاشة عرض رقمية حمراء في أحد الميادين تعد بالثواني الزمن المتبقي على الاستقلال.

وعلى مقربة من تلك الفعاليات يتم وضع اللمسات الأخيرة على المقر الرئيسي للحفل عند النصب التذكاري للزعيم السابق للحركة الشعبية جون قرنق الذي قضى بعد شهور فقط من التوقيع على اتفاق السلام لعام 2005 الذي أنهى عقودا من الصراع الدامي مع الخرطوم فاتحا الطريق لولادة الأمة الجنوبية.

وقد تقرر أن تدق أجراس الكنائس عند منتصف ليل الجمعة/ السبت إيذانا بميلاد «جمهورية السودان الجنوبي». وستشمل المناسبة الرئيسية عروضا عسكرية وصلوات ورفع العلم الجديد وتوقيع أول رئيس لجمهورية السودان الجنوبي، سلفا كير، الدستور الانتقالي للبلاد.

وأعلنت الخرطوم، أمس، اعترافها رسميا بدولة السودان الجنوبي. وفي قرار صادر عن الرئاسة السودانية تلاه وزير رئاسة الجمهورية، بكري حسن صالح، أعلنت حكومة السودان اعترافها رسميا بقيام دولة جنوب السودان. وجاء في القرار الرئاسي: «تعلن جمهورية السودان رسميا اعترافها بقيام جمهورية جنوب السودان دولة مستقلة ذات سيادة وفقا للحدود القائمة في الأول من يناير (كانون الثاني) 1956 والحدود القائمة عند توقيع اتفاق السلام الشامل في 2005 انطلاقا من اعترافها بحق تقرير المصير واعترافها بنتيجة الاستفتاء الذي أجري في التاسع من يناير 2011 وإنفاذا لمبادئ القانون الدولي». وأكد أن السودان يعلن «التزامه بإنفاذ اتفاق السلام الشامل وحل القضايا العالقة مع الجنوب»، مضيفا أن الحكومة السودانية «تدعو حكومة جنوب السودان إلى الاستمرار في الاعتراف بالاتفاقيات الدولية والثنائية التي وقعتها حكومة السودان». وقال بكري حسن صالح إن الاعتراف يسري اعتبارا من التاسع من يوليو (تموز).

ووزعت السلطات السودانية آلاف الأعلام لرفعها اليوم بالخرطوم في المدارس والأماكن العامة، وقررت تنظيم مواكب تدافع عن العلم الذي سيتم إنزاله اليوم من فوق سارية الجنوب كأول حدث تاريخي تشهده البلاد المضطربة منذ حقب طويلة، بينما تعيش العاصمة هدوءا حذرا واستعدادا أمنيا مكثفا بعد أن دعت منظمات مجتمع مدني للحداد على انفصال الجنوب.

ويعيش السودانيون اليوم مشاعر مضطربة، وتناقضات كبيرة بسبب أكبر حدث يشهده السودان منذ استقلاله قبل 55 عاما، وتعيش الخرطوم وجوبا كعاصمتين للشمال والجنوب أجواء مختلفة بما في ذلك الطقس الجوي، الذي يتفاوت بين أمطار المدينة الاستوائية وانخفاض درجة حرارتها وارتفاع حرارة العاصمة الكبيرة وجفاف بائن. كذلك تبدو جوبا في أبهى زينتها بعد أن اتشحت بالأعلام، واللافتات والمسيرات الشعبية، ووصول عدد غير مسبوق من الرؤساء الأفارقة، ووصل، أمس، الرئيس الإريتري اسياس أفورقي كأول رئيس يصل، بينما يتوقع وصول رئيس الوزراء الإثيوبي مليس زيناوي، والأوغندي يوري موسفيني، والكيني مواي كيباكي، والجنوب أفريقي جاكوب زوما، ولم تؤكد مصادر «الشرق الأوسط» تفاصيل أخرى حول هوية الرؤساء المشاركين، ويتوقع مشاركة 31 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 30 وفد رسمي يتقدمهم وزراء خارجية.

وبالفعل وصل نائب رئيس وزراء مصر يحيى الجمل، يرافقه وزراء الخارجية محمد العرابي، ووزير الكهرباء الدكتور حسن يونس، ووزير خارجية بريطانيا ويليام هيغ. كما ينتظر مشاركة الرئيس عمر البشير الذي سيقدم خطابا يعلن عبره اعتراف حكومته باستقلال الجنوب رسميا، وسيكون الاعتراف السوداني هو الأول ليتبعه الاعتراف المصري، الذي سيعلن تحويل القنصلية إلى سفارة.

ويبدأ الاحتفال بعزف النشيد الوطني للسودان القديم (الموحد)، وعروض عسكرية وكلمة للرئيس البشير وأخرى لرئيس الجنوب سلفا كير ورفع علم الدولة الجديدة. بعدها يتم إنزال العلم القديم، ليرفع علم الدولة الجديدة. وعلمت «الشرق الأوسط» أن البشير سيقوم برفع العلم فوق سفارة السودان في جوبا كأول سفارة أجنبية في السودان الجنوبي.

وعلى المستوى السياسي وصل رئيس حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، الذي أم المسلمين في صلاة الجمعة «الأخيرة» بمسجد جوبا العتيق. وعبر المهدي عن أنه جاء بقلب مثقل بالتناقضات لفشل السودانيين في إدارة التنوع. وأضاف: «قدمنا إلى الجنوب للمرة الثالثة منذ اتفاقية السلام، تلبية لدعوة من حكومة الجنوب للمشاركة في إعلان دولة جنوب السودان التي نتمنى لها النجاح في حكم يوفر الأمن، والعدل، والحرية، والسلام.. لأهلنا في الجنوب». وعبر المهدي عن رفضه لقيام السلطات السودانية بفصل آلاف الجنوبيين من وظائفهم، وتهديدهم بالطرد وانتزاع جنسياتهم السودانية.

وفي السياق ذاته أكد فنان السودان الأول، محمد وردي، لـ«الشرق الأوسط» أنه جاء لمشاركة الجنوبيين أفراحهم «على الرغم من أن الانفصال مر»، لكنه قال: «نعتبر أننا كنا نعيش في شقة واحدة كأسرة واحدة فقررنا شراء شقة أخرى، لكنا نظل ذات الأسرة». وقال وردي: «كفنان لكل السودانيين.. متفائل بأننا سنكون أفضل من السابق، وأن الوحدة ستعود مرة أخرى بزوال المسببات التي أدت إلى الانفصال». من جانبه أكد وزير الإعلام الجنوبي، برنابا ماريال بنجامين، أن الاستعدادات جاهزة حيث سيحتفل ملايين الجنوبيين فضلا عن الضيوف الأجانب بولادة أحدث بلد في العالم.

وفي تباين واضح كانت الشوارع خالية إلى حد كبير في الخرطوم، أمس، الجمعة. وقال عثمان، وهو سائق حافلة صغيرة: «خسارة الجنوب ستكون صعبة لسنوات قليلة بسبب خسارة النفط». وتابع: «ولكن لم نجنِ إلى الآن سوى الحرب. جيد أن ننفصل». ويرى شماليون آخرون أن الانفصال مأساة، إذ يسلب السودان نحو ثلث أرضه وينهي حلم دولة متنوعة تضم عددا كبيرا من ثقافات القارة.

وكان شمال السودان وجنوبه وقعا اتفاق سلام عام 2005 في العاصمة الكينية، نيروبي، أنهى الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وهي الحرب الأطول في القارة الأفريقية التي استمرت عقودا. إلا أن الطرفين ما زالا يتفاوضان على قضايا اقتصادية عالقة وبينها اقتسام عائدات النفط الذي يأتي 73 في المائة من إنتاجه البالغ 490 ألف برميل يوميا من جنوب السودان، وكذلك اقتسام مياه النيل وكيفية حل سداد الديون الخارجية للسودان والبالغة 40 مليار دولار.

إلى ذلك، تبنى مجلس الأمن الدولي، أمس، قرارا ينشئ بموجبه بعثة للأمم المتحدة في جنوب السودان قوامها 7 آلاف جندي و900 مدني وخبير للإسهام في إعمار البلاد والسهر على الأمن. وجاء في القرار أن مجلس الأمن وعشية إعلان استقلال جنوب السودان «يشير إلى الدور الحيوي للأمم المتحدة في دعم السلطات الوطنية بالتشاور الوثيق مع الشركاء الدوليين لترسيخ السلام ومنع العودة إلى العنف».